هجرة الأشجار من تبعات تغير المناخ

11 يناير 2023
ستهاجر الأشجار إلى مناطق لا تنمو فيها عادة (آنا فرنانديز/Getty)
+ الخط -

الغابات بين أوائل الكائنات الحية التي تتأثر بتغير المناخ، إلى جانب المناطق الخضراء الأخرى من مراع عشبية برية، وحشائش بحرية، وغابات برية- بحرية.

قامت الغابات عبر العصور بامتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وأعادت الأوكسيجين إلى الهواء كي تتنفسه الكائنات الحية، واحتفظت بالكربون لتنتج منه مع مواد أخرى الثمار والمنتجات السائلة والخشبية وغيرها. ومنذ الثورة الصناعية التي أنتجت ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان الطبيعي وغازات الفلور وغيرها من غازات دفيئة بكميات كبيرة، بدأت معاقبة الإنسان للطبيعة التي أحسنت إليه ونما على خيراتها، من دون أن يعلم مصيره ومصير أبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده من جراء تصرفاته الرعناء.

منذ ذلك الحين أصبحت النباتات تعجز شيئاً فشيئاً عن تخفيف ثاني أوكسيد الكربون من الأجواء، ليس تقصيراً من الأشجار بل لأن الكمية المنبعثة بسبب الإنسان من هذه الغازات تفوق إنتاجية الأشجار وبالتالي الأحراج والغابات أينما وجدت. هذه الأسباب وأخرى تضافرت جميعها لتغير المناخ وتقلب حياة الإنسان رأساً على عقب. 
هذا التغير في المناخ لا يصيب غابة أو قرية أو بلدة فقط بالأذى بل يصيب العالم بأسره ويفعل فعله أضعاف أضعاف ما فعله وباء كورونا وكل المصائب الأخرى بالعالم.

كنا على سبيل المثال نحارب الآفات التي تصيب الغابات كي نحافظ على صحتها، لكننا نرى اليوم أن الخطر القادم هو أكبر بكثير من الآفات وغيرها. وما يثبت كلامنا هذا هو تقرير الأمم المتحدة الذي صدر أخيراً متوقعاً أن يزداد تغير المناخ سوءاً خلال القرن المقبل مع استمرار زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهو اتجاه يقول الخبراء إنه ستكون له عواقب على صحة الغابات في جميع أنحاء العالم. وبين هؤلاء الخبراء الدكتور روبرت شللر في معهد كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأميركية، وهو متخصص في علم الغابات وتغير المناخ، الذي أشار إلى أن الغابات تشغل ثلث مساحة اليابسة وتقدم خدمات جليلة للإنسان ولكنها أصبحت تتكيف مع وضع تغير المناخ وتستجيب له عبر تغيير سلوكها غير المرئي على المدى القريب. 
وأشار شيللر إلى أن بعض أنواع الأشجار ستغيّر نطاقاتها وتهاجر إلى المناطق التي لا تنمو فيها عادةً. ومرد ذلك يعود إلى تغيّر المناخ الذي يمكنه أن يخلق موائل جديدة لأنواع الأشجار ويجعل الموائل الحالية غير مناسبة. وقال شيللر: "مثل أي كائن حي آخر، تذهب الأشجار حيث يمكنها البقاء على قيد الحياة. هذه العملية جارية بالفعل". 
وتابع أن "بعض أنواع الأشجار تهاجر صعوداً وشمالاً مع ارتفاع درجات الحرارة، بينما تهاجر أنواع أخرى إلى أسفل التلال وغرباً، حيث يؤدي تغيير أنماط هطول الأمطار إلى خلق ظروف أكثر جفافاً. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تصبح أشجار البلميتو أكثر شيوعاً في أنحاء ولاية كارولينا الشمالية في الخمسين أو الستين سنة القادمة حين تهاجر من ولايات مجاورة مثل جورجيا وفلوريدا"، وفقاً لشيللر.

موقف
التحديثات الحية

وقد يتخيل البعض أن هجرة الغابات تتم بطريقة مجهولة، لكنها في الواقع تحدث على النحو التالي: مع ارتفاع درجات الحرارة المزمن تبدأ الغابة الكبيرة بفقدان أشجارها على حدودها الجنوبية حيث لا تتحمل الحرارة، ويحدث هنالك تشتت للغابة وتبتعد الأشجار بعضها عن بعض بسبب موت بعض الأشجار المتفرقة التي تحتاج إلى جو أبرد من الجو الذي أوجده تغير المناخ. 
في الوقت نفسه، نرى أن الأشجار من جهة شمال الغابة قد تقدمت شمالاً رويداً رويداً من دون ملاحظة أي تحرك لها. هذا الأمر يفسر أن المناخ شمال الغابة هو أنسب لها من جنوبها، فتقع بذور أشجارها إما على الأرض تحتها وأما شمالاً خارج الغابة بواسطة الرياح (خاصة أن لبعض الأشجار بذوراً مجنحة)، وإما ترميها الحيوانات والطيور في كل الاتجاهات مع برازها. ما يقع من البذور تحت الغابة لا ينمو بسبب احتجاب الضوء عنه، وما يقع شمالها من بذور يجد البيئة الأنسب له فينمو. هكذا نجد أن الغابة عبر هذا التفسير المبسط وكأنها تزحف شمالاً كما يفعل المرء على بطنه. وأخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أنه من الممكن أن تنقرض بعض الأشجار بفعل تغّير المناخ، خاصة تلك الأشجار ذات النطاقات الصغيرة، لذا إذا كانت هناك أنواع نشعر بالقلق حيالها، فنحن بحاجة إلى جمع بذورها وزرعها في مناطق نعتقد بأنها ستنجو فيها من تغيّر المناخ.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون