نهر دنيستر... ضحية حرب أوكرانيا والاحتباس الحراري في مولدوفا

18 يونيو 2024
رحلة سياحية في نهر دنيستر في مولدوفا، 30 يوليو 2022 (أنطون بولياكوف/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثرت مولدوفا بالحرب الروسية الأوكرانية وأزمة المناخ، مما أدى لتراجع مياه نهر دنيستر، المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري، بسبب زيادة تحويل المياه للمحطات الكهرومائية الأوكرانية وتأثيرات الاحتباس الحراري.
- يحذر علماء البيئة من تأثير انخفاض منسوب المياه على إمدادات مياه الشرب لعشرة ملايين شخص، مع التأكيد على أهمية التنسيق بين مولدوفا وأوكرانيا لإدارة الأزمة وتوقعات بتحسن الوضع مع هطول أمطار غزيرة.
- أدى تراجع نهر دنيستر إلى اكتشافات أثرية مثل جسر ألماني قديم، مما يسلط الضوء على التأثيرات غير المتوقعة للتغيرات البيئية والسياسية على التراث الثقافي والطبيعي.

من خلال تراجع مياه نهر دنيستر تكون مولدوفا جارة أوكرانيا قد تضرّرت من جرّاء الحرب القائمة في الأخيرة منذ فبراير/ شباط 2022. تُضاف إلى ذلك أزمة المناخ التي تشتدّ أخيراً.

لم يسلم نهر دنيستر، الذي يُعَدّ أهمّ أنهر مولدوفا ومصدراً لمياه الشرب والريّ لسكانها ومزروعاتها، من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أدّت إلى تراجع القسم المولدوفي منه على أثر زيادة كميّات المياه المحوّلة إلى المحطات الكهرومائية الأوكرانية، من أجل حلّ أزمة نقص الكهرباء بعد الضربات التي استهدفت مرافق طاقة أوكرانية.
وعلى الرغم من أنّ تحويل كميات هائلة من المياه أدّى إلى فيضانات، منذ منتصف إبريل/ نيسان حتى بداية مايو/ أيار الماضيَين، فإنّ الأمر سرعان ما تحوّل إلى تراجع للمياه بحلول نهاية مايو/ أيار الماضي، من جرّاء نقص المياه في البحيرات الصناعية الأوكرانية. ويأتي ذلك إلى جانب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري في السنوات الأخيرة.
وهكذا، بدأ نهر دنيستر بالتراجع، هو الذي ينبع من منطقة الكاربات الأوكرانية ويمتدّ على نحو ألفٍ و350 كيلومتراً، ويعبر مولدوفا وإقليم ترانسنيتريا الموالي لروسيا المشتقّ اسمه من اسم النهر ويصبّ في البحر الأسود، علماً أنّ تسجيلات فيديو تنتشر وتُظهر جفاف مجرى النهر وروافده.
دفع هذا الوضع علماء البيئة إلى دقّ ناقوس الخطر، فانخفاض منسوب مياه نهر دنيستر يسبّب اضطرابات في إمدادات مياه الشرب تطاول عشرة ملايين شخص في مولدوفا ورومانيا وأوكرانيا. ويعيد مدير منظمة "إيكو-تيراس" غير الحكومية إيليا ترومبيتسكي، المعني بقضايا دنيستر في مولدوفا، تراجع نهر دنيستر إلى زيادة استهلاك مياهه في بحيرة دنيستر الصناعية في أوكرانيا، متوقّعاً في الوقت نفسه تحسّناً للوضع في حال تساقط أمطار غزيرة أعلى مجرى النهر.

ويقول ترومبيتسكي الذي يحمل شهادة دكتوراه في علم الأحياء لـ"العربي الجديد" إنّ "تراجع نهر دنيستر يعود إلى الاستهلاك المفرط لمياه بحيرة دنيستر الصناعية في ربيع هذا العام، من أجل تلبية احتياجات الطاقة الكهرومائية في أوكرانيا"، وذلك "وسط تدمير حيّز كبير من القدرة الإنتاجية للطاقة". وحول تأثير هذا الوضع على المنظومة المائية في مولدوفا، يفيد بأنّ "حتى الآن، لا تعاني مولدوفا نقص المياه، لكنّ ذلك قد يحدث بحلول نهاية فصل الصيف أو في الخريف المقبل ما لم تملأ الأمطار خزّان دنيستر".
وفي ما يتعلق بحلّ أزمة مياه دنيستر، يوضح ترومبيتسكي أنّ "المحادثات بين مولدوفا وأوكرانيا أتاحت تنسيق الأعمال في ما يخصّ دنيستر، لذلك من المنتظر أن يتحسّن الوضع في حال تساقطت أمطار. لكنّ السبب الجوهري للتغيّرات التي حدثت يعود إلى العدوان الروسي على أوكرانيا. لذلك يمكن لوقف العدوان أن يزيل أسباب نقص الطاقة".

نهر دنيستر في مولدوفا - 3 نوفمبر 2023 (بيار كروم/ Getty)
نهر دنيستر في مولدوفا، 3 نوفمبر 2023 (بيار كروم/ Getty)

وعلى الرغم من ذلك، يقرّ ترومبيتسكي بأنّ الحرب الروسية في أوكرانيا ليست السبب الوحيد لتراجع دنيستر، مبيّناً أنّ "الإحصاءات تظهر أنّ التدفّق السنوي للنهر تراجع في السنوات السابقة بمقدار نحو كيلومترَين مكعّبَين، نحو كيلومتر مكعّب منها من جرّاء الوضع الراهن وكيلومتر مكعّب آخر نتيجة للاحتباس الحراري".
في سياق متصل، يلفت ترومبيتسكي إلى ارتفاع حصّة مناطق أعلى المجرى من النسبة التي تتراوح ما بين 60 و70% إلى 80% في الوقت الراهن، لتصير مناطق أسفل المجرى مثل مولدوفا ومدينة أوديسا الأوكرانية الأكثر عرضة لنقص المياه في فصل الصيف نتيجة تراجع معدّلات الأمطار.

وفي موسكو، يجزم الخبير الصناعي والاقتصادي المستقل، ليونيد خازانوف، بأنّ تراجع نخر دنيستر ناجم عن تحويل كميات هائلة من المياه إلى البحيرات الصناعية الأوكرانية، مشيراً إلى أنّ حفر الآبار قد يمثّل بديلاً ولو جزئياً لتوفير المياه لسكان المناطق المتضرّرة. ويشرح خازانوف لـ"العربي الجديد": "قد يكون تراجع دنيستر بصورة حادة ناجماً عن إلقاء المحطات الكهرومائية الأوكرانية كميات فائقة من المياه بهدف تحقيق أعلى معدّل إشغال وتلبية احتياجات البلاد من الكهرباء. لكنّ هذه الأعمال قد تؤدّي إلى كارثة بيئية في المناطق الأوكرانية والمولدوفية المتاخمة لنهر دنيستر".
وعن رؤيته لحلّ أزمة نقص مياه الشرب في حال وقعت، يقول خازانوف إنّ "ثمّة مخرجين من الوضع الراهن، إمّا توقّف المحطات الكهرومائية الأوكرانية عن مثل هذه الممارسات وهو أمر غير مرجّح، وإمّا حفر آبار لاستخراج مياه جوفية صالحة للشرب. لكنّ العملية الأخيرة قد تستغرق وقتاً طويلاً من دون ضمان أنّ المياه سوف تكفي الجميع".
بموازاة ذلك، أسفر تراجع نهر دنيستر عن اكتشافات أثرية، من بينها جسر شيّده مهندسون ألمان بالقرب من قرية ليبي في مقاطعة خميلنيتسك الأوكرانية فوق نهر أوشيتسا الذي يُعَدّ واحداً من روافد دنيستر اليسرى. وقد غمرت المياه هذا الجسر في ثمانينيات القرن الماضي، في أثناء بناء محطة دنيستر الكهرومائية. وعلى مدى عقود عدّة، كانت مشاهدة الجسر حكراً على الغوّاصين، أمّا اليوم فبإمكان المهتمّين مشاهدته والتجوّل عليه، وسط انبهار زائريه إزاء حالته الجيّدة على الرغم من بقائه تحت المياه لمدّة طويلة.

المساهمون