بريطانيا من أكثر دول العالم إنتاجاً للمخلفات البلاستيكية، لكنّ البلاد تتخلص منها بإرسالها إلى دول أخرى. وبينما يحارب الاتحاد الأوروبي هذا النهج تستمر لندن فيه، بعد خروجها من الاتحاد، بالاعتماد على ثغرات قانونية
فشلت المملكة المتحدة في الوفاء بوعدها في الحدّ من شحنات النفايات البلاستيكية إلى البلدان النامية، وتبين أنّ لوائح بريطانيا الجديدة بعد اتفاقية بريكست، أقلّ صرامة من تلك التي فرضها الاتحاد الأوروبي. وكانت النفايات البلاستيكية غير المصنّفة قد حظر نقلها من دول الاتحاد الأوروبي إلى الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، اعتباراً من 1 يناير/ كانون الثاني الجاري، بموجب تعديلات على اتفاقية "بازل". وتركز اتفاقية "بازل" (1989) في الأساس على وقف إلقاء الدول الغنية نفاياتها البلاستيكية الملوثة على البلدان الفقيرة.
وعلى الرغم من التزام الحكومة البريطانية بحظر تصدير النفايات البلاستيكية إلى البلدان النامية، والوعود بعدم التراجع عن المعايير البيئية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تصرّ لندن على الاستمرار بهذه العملية، وإن بطرق مختلفة. من ذلك أنّها قرّرت انتهاج نظام جديد قبل تصدير هذه النفايات، يتطلب الموافقة المسبقة من الدولة المستوردة التي تتمتع بحق الرفض أيضاً. وهو ما يرى فيه البعض ثغرة تسمح لبريطانيا بالاستمرار في إرسال النفايات البلاستيكية. وتعدّ بريطانيا، التي تصدّر نحو ثلثي نفاياتها البلاستيكية، واحدة من أكبر منتجي النفايات البلاستيكية في العالم، إذ تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.
في هذا الإطار، يقول الناشط في منظمة "غرين بيس" البيئية العالمية سام شيتان ويلش، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحكومة البريطانية قدّمت التزاماً رسمياً بحظر تصدير النفايات البلاستيكية إلى الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكان من السهل التوقيع على اتفاقية دولية جديدة لوقف تصدير النفايات البلاستيكية منخفضة الجودة. لكنّه يتساءل: "لماذا اعتمدت بريطانيا معايير أسهل من تلك التي وقّع عليها الاتحاد الأوروبي، وفشلت في وقف تصدير البلاستيك المختلط إلى الدول النامية؟". يضيف ويلش: "وعدت حكومتنا بالحفاظ على المعايير البيئية للاتحاد الأوروبي وعدم تجاوزها، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنّ إنشاء ثغرة للسماح بإلقاء نفاياتنا البلاستيكية في البيئات والمجتمعات يعد أمراً سيئاً للغاية. هذه ليست قيادة، بل فشل في الالتزام بالحد الأدنى من التعهدات".
وفي السياق، يقول جيم باكيت، مدير "شبكة عمل بازل" المتابعة للاتفاقية، إنّ "من المعروف منذ إبريل/ نيسان 2019 أنّ الاتحاد الأوروبي يخطط لحظر تصدير النفايات البلاستيكية القذرة وغير المصنفة. لذلك افترضنا أنّ المملكة المتحدة ستتبع معايير الاتحاد الأوروبي على الأقل، بيد أنّنا صدمنا عندما اختارت بدلاً من ذلك اتخاذ إجراء تحكّم أضعف بكثير، يسمح لها بمواصلة تصدير المواد البلاستيكية الملوثة، التي تصعب إعادة تدويرها، إلى البلدان النامية". ويلفت باكيت إلى أنّ نحو 90 في المائة من صادرات النفايات البلاستيكية تندرج تحت فئة النفايات البلاستيكية غير النظيفة وغير المصنفة، التي تخضع لقواعد اتفاقية بازل. ويشير إلى أنّ الحظر الذي فرضته الصين على واردات النفايات البلاستيكية في عام 2018 تسبب في حدوث "موجات صدمة" في الدول المتقدمة، التي كانت تعتمد على الصين في الحصول على مواد لا يمكنها إعادة تدويرها بنفسها، فيما الحظر الصيني كان إشارة إلى العالم بأنّ هناك خطأ خطيراً علينا إصلاحه.
من جهته، قال لوك بولارد، وزير الدولة لشؤون البيئة والغذاء والشؤون الريفية في حكومة الظلّ البريطانية، إنّ "الوقت قد حان لكي تفي الحكومة بتعهداتها. قطعت الحكومة وعوداً كبيرة بمطابقة المعايير البيئية الأوروبية، وحظر تصدير النفايات البلاستيكية". وعادة ما تحرق النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها أو ترمى بشكل غير قانوني في مكبات النفايات أو الممرات المائية، حيث تجد طريقها إلى المحيط. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال رولف باييت، السكرتير التنفيذي لاتفاقيات "بازل" و"روتردام" و"استوكهولم" في الأمم المتحدة، إنّه يأمل بأن يرى انخفاضاً في النفايات البلاستيكية في المحيطات في غضون خمس سنوات بعد إدخال القواعد الدولية الجديدة.
في الوقت الراهن، تعجز البلدان النامية، التي تمتلك صناعات إعادة التدوير وتستقبل شحنات نفايات من دول أخرى، عن معرفة ما إذا كانت شحنة معينة من البلاستيك قابلة لإعادة التدوير بالفعل أو ما إذا كانت ملوثة جداً للاستخدام، قبل وصولها. وتجري إعادة تدوير 9 في المائة فقط من إجمالي البلاستيك المنتج على الإطلاق، وحرق نحو 12 في المائة. أما نسبة الـ79 في المائة المتبقية فتتراكم في مكبات النفايات والمقالب والبيئة الطبيعية، لينتهي بها المطاف غالباً في الأنهار عبر مياه الصرف الصحي والأمطار والفيضانات، ويصل كثير منها إلى المحيطات. وتنص القواعد الجديدة، التي وافقت عليها أكثر من 180 دولة بموجب تعديل اتفاقية "بازل"، على "الموافقة المسبقة" على جميع صادرات البلاستيك التي تصعب إعادة تدويرها أو تلك الملوثة.
وتحتل تركيا الطليعة في استيراد نفايات بريطانيا البلاستيكية، إذ تعتبر السوق الأكبر لها، تليها ماليزيا، وذلك وفقاً لبيانات أكتوبر/ تشرين الأول 2020. كذلك، تلقت بريطانيا اثنين وعشرين طلباً من سبع دول تدعوها إلى استعادة صادراتها البلاستيكية، هذا العام. من بين هذه الدول ماليزيا، التي أعادت اثنتين وأربعين حاوية نفايات "غير قانونية" في يناير/ كانون الثاني الجاري، بالإضافة إلى إندونيسيا وفيتنام ورومانيا وكرواتيا وبولندا وبلجيكا. وبموجب القواعد الجديدة، كان من الضروري الحصول على موافقة مسبقة لعشرين من هذه الطلبات التي يبلغ عددها اثنين وعشرين، علماً أنّ تعديلات بازل أدمجت في قانون المملكة المتحدة، ما يسمح للجهات التنظيمية في المملكة المتحدة بتنفيذها.
جدير بالذكر، أنّ بيانات إدارة الإيرادات والجمارك الحكومية البريطانية، تشير إلى أنّ بريطانيا شحنت 7133 طناً مترياً من النفايات إلى دول غير أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك ماليزيا وباكستان وفييتنام وإندونيسيا وتركيا في سبتمبر/ أيلول 2020 وحده، مع الإشارة إلى أنّ إندونيسيا، كانت واحدة من سبع دول، طلبت إعادة حاويات النفايات البلاستيكية إلى المملكة المتحدة العام الماضي.