نسيبة السلطان... شابة سورية تتفوق في فرنسا

14 نوفمبر 2020
حصلت على الدكتوراه بعد الماجستير في اختصاصين (العربي الجديد)
+ الخط -

تمكّنت الشابة السورية نسيبة السلطان، التي حصلت على المركز الأول في الثانوية العامة على مستوى محافظة الحسكة السورية، من تحدّي مصاعب الهجرة واللجوء، وإيجاد موطئ قدم لها في الأكاديميات الفرنسية، بالتوازي مع تطوّعها لمساعدة اللاجئين السوريين في البلد الجديد. تنحدر السلطان (26 عاماً) من محافظة الحسكة، وكانت حياتها قبل الحرب السورية مستقرّة كباقي السوريين، كما كان لديها شغف بمواصلة الدراسة، وكرّست كلّ وقتها لهذه الغاية، فضلاً عن امتلاكها موهبةً في كتابة الشعر والقصص القصيرة. بعد تفوّقها في الثانوية وحصولها على المرتبة الأولى على مستوى محافظتها، كانت نسيبة تطمح لدراسة الإعلام في جامعة "دمشق" لكنّ ظروف الحرب حالت دون هذا الطموح، فبدأت الدراسة في كلّية التربية بجامعة "الفرات" في شرق سورية، وواصلت مشوار التفوّق فحصلت على المرتبة الأولى على مستوى جامعتها ثلاث مرّات على التوالي فكرّمتها رئاسة الجامعة.

تقول نسيبة: "قبل تخرّجي بعامٍ واحد اضطررت للتوقّف عن الدراسة بعد وصول نيران المعارك إلى محافظة الحسكة، وتعدّد القوى المسيطرة". قرّرت أسرتها المحافظة على سلامتها والفرار نحو تركيا وتشرح نسيبة عن الرحلة قائلةً: "حملنا معنا حقائب صغيرة فيها أغراضنا الشخصية وغادرنا صباحاً تجاه الحدود التركية بواسطة حافلة عامة، وكانت الرحلة مليئة بالخوف فطوال الطريق كنّا نشاهد نقاطاً عسكرية مدجّجة بالسلاح لمختلف أطراف السيطرة، بالإضافة إلى سماعنا أصوات عيارات نارية ومشاهدة آثار انفجارات سابقة". استمرّت الحافلة بالمسير 13 ساعة علماً أنّهّا تحتاج ثلاث ساعات في الحالة الطبيعية، وبعد الوصول إلى الحدود، ختمت الأسر جوازاتها ودخلت إلى الأراضي التركية.

بدأت نسيبة وعائلتها المحطة الثانية في تركيا، والتي كانت محطّة عبور لغالبية السوريين الذين يكملون طريقهم نحو الاتحاد الأوروبي، وبعد نحو شهرين ونصف في تركيا، تواصلت العائلة مع قريبها وهو جراح في فرنسا، فساعدها بالحصول على تأشيرات. عقب الوصول إلى فرنسا، نزلت العائلة بضيافة قريبها، وكانت الفترة الأولى في هذا البلد الجديد صعبة جداً، فلا أحد من أفرادها يتقن الفرنسية التي هي مفتاح الحياة هناك، بالإضافة إلى الصدمة الثقافية الأولى في البلد الجديد، وهو ما جعل نسيبة تفكّر بالعودة إلى سورية. في الشهر الثالث من مكوث عائلة نسيبة في فرنسا تقدّمت بطلب اللجوء هناك، والتحقت نسيبة مع أشقائها بمدرسة لتعليم اللغة الفرنسية، لكنّ الصدمة كانت عندما لم تتمكن العائلة من الحصول على لجوء سياسي بل حماية فرعية.

نسيبة السلطان (العربي الجديد)

 

مع ذلك، واصلت نسيبة مشوارها وتقدّمت إلى المعهد الجامعي لتعليم اللغة الفرنسية (CIEF) وبعد إتقانها اللغة بفترة وجيزة، تقدّمت لدراسة الماجستير في اختصاص التربية والتعليم وتكوين الطفل. تقول نسيبة: "كان تحدّياً كبيراً أن أدرس باللغة الفرنسية، فقد كنت أدرس يومياً 14 ساعة من أجل الثبات والاستمرار، وساعدني في ذلك أنّ الكادر التعليمي في الجامعة أثنى على تميّزي بتعلّم اللغة الفرنسية خلال وقتٍ قياسي". وبعد تفوّقها في الماجستير الأول، تقدّمت نسيبة لدراسة ماجستير ثانٍ في هندسة وتصميم البحوث في مجال تدريب وتأهيل البالغين للاندماج في المجتمع، وتفوّقت فيه، ما أهّلها للتقدّم إلى أطروحة الدكتوراه فتمكّنت من الوصول إلى هذه الدرجة العلمية خلال ثلاث سنوات فقط. تعلق نسيبة: "بعد تخرجي في عام 2019 جرت دعوتي من قبل منظمة كلوب دي بروفينسيون، في مدينة إيبرني، وهي التي استقبلتنا من قبل والتي عملت معها متطوعة في حينه لمده ثمانية أشهر، وهذه المرة للعمل فيها ضمن مجال اختصاصي، مما أثرى لديّ المعرفة أكثر بقضايا اللاجئين، وزادني خبرة في هذا المجال". كذلك، كرمت المنظمة نسيبة بوضع صور لها في مقرّها كنموذج يُضرب فيه مثال اللاجئ الذي حقّق طموحاته بوقتٍ قياسي.

تختم الشابة حديثها لـ"العربي الجديد": "بعد ذلك، بدأت العمل في منظمة فيدرا، التي تساعد المهاجرين الجدد، بالإضافة إلى التعاون مع المكتب الفرنسي للاجئين والاندماج. وكنت أساعد الأجانب على تعلّم اللغة الفرنسية ومساعدتهم في الاندماج. كذلك، حصلت على عقد عمل دائم مع كلوب دي بروفينسيون المتخصصة بمساعدة الفئات المستضعفة في المجتمع الفرنسي والتمكين الاقتصادي والاجتماعي، ومنصبي هو في رئاسة قسم ورش التدريب والتنسيق للأجانب".

 

المساهمون