أكد الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أنّ التدابير المتّخذة من قبل القضاة لمصلحة النساء المعنّفات غير كافية، على الرغم من توفّر قوانين عدّة من شأنها أن تحمي المرأة التونسية، مشدّداً على أنّ طول إجراءات التقاضي لا يخدم مصالح الضحايا.
وبيّن الاتحاد، في مؤتمر صحافي عقده اليوم الأربعاء، أنّ القانون الخاص بمناهضة العنف ضدّ المرأة في تونس لا يخلو من ثغرات ولا بدّ من تدابير إضافية لحماية النساء ضحايا العنف.
وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي إنّه "لا بدّ من تعزيز الإجراءات لحماية حقوق النساء ضحايا العنف"، مضيفة أنّ "القانون عدد 58 لسنة 2017 والقاضي بمناهضة العنف ضدّ النساء وضع التدابير اللازمة لحمايتهنّ، ولكن بعد خمسة أعوام من وضع هذا القانون تبيّن أنّ به عدّة ثغرات، من غياب نصوص تطبيقية ومناشير توحّد جهود القضاء"، ولفتت إلى أنّ "الإشكال ليس في إثبات العنف بل في تحديد ماهية العنف الذي يسمح بحصول الضحية على طلب حماية".
وتابعت الجربي أنّه قبل يومَين، "تعرّضت محامية إلى عنف شديد من قبل خطيبها، وصل إلى حدّ محاولة قتلها، وكانت في مفارقة غريبة لأنّ المحامي الذي تعوّد على تحرير الشكاوى يجد نفسه شاكياً وفي وضع نفسي صعب. ولم تتمكّن الضحية من الحديث عن الواقعة إلا بعدما تمّ إيقاف الجاني"، وأكدت أنّ "ثمّة حالة من الارتباك النفسي لدى الضحية لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار وتحديد متخصص نفسي لمتابعة الضحايا، لكنّ هذا الجانب يُهمَّش في الغالب على الرغم من أهميته".
ورأت الجربي أنّ "حماية الأسرة تقتضي متابعة الرجل العنيف أيضاً"، مبيّنة أنّ "إجراءات إسقاط الدعاوى تضع النساء أمام عنف آخر، ولا بدّ من إصدار عدّة توصيات وإجراءات إضافية لحماية النساء المعنّفات".
وفي السياق نفسه، أوضحت الجربي لـ"العربي الجديد"، أنّ "القانون عدد 58 يحتاج إلى مراجعات ولا بدّ من تنزيله على أرض الواقع بنصوص ومنشورات إضافية، إلى جانب ضرورة توفير الحماية النفسية للضحايا وتوجيه النساء المعنّفات"، مشدّدة على "وجوب الاستعجال في تطبيق إجراءات الحماية والفصل في بعض القضايا".
وأشارت إلى أنّ ثمّة قضاة لا يعدّون بعض أشكال العنف "الخفيف" عنفاً، "فبالنسبة إليهم يجب أن يكون العنف جسدياً، وهذا أمر يطرح تساؤلات عدّة".
وأكملت الجربي أنّ "ثمّة قضاة لا يعتمدون القانون عدد 58 ويهربون منه، وقد لجأوا إلى القانون العام لتكييف وقائع من خلال تصنيفها اعتداءً على الأخلاق الحميدة أو عنف خفيف. وثمّة قضاة غير مقتنعين بالقانون عدد 58، وهو ما يعمّق مشكلات اعتماده على أرض الواقع"، لافتة إلى أنّ "التقارير الطبية تُمنَح في العادة عندما يكون الضرر مادياً، أمّا ذلك المعنوي فلا يُصار إلى الإقرار به، للأسف، إذ يصعب إثباته ومحاكم عديدة لا تعتمده".
من جهته، قال الخبير في مجال الأسرة والطفولة إبراهيم الريحاني إنّه "لا بدّ من إيجاد تناغم بين كلّ ما هو قانوني والواقع"، آسفاً لأنّ ثمّة نساء لا يعينَ حقوقهنّ، وشرح أنهنّ "قد يواجهنَ مشاكل حتى في تحرير شكوى، ولا يعرفنَ حتى لمن يتوجّهنَ". أضاف الريحاني أنّه عندما تُعنَّف امرأة، فإنّ الطفل في الأسرة يكون بدوره ضحية للعنف، وعندما يقع نزاع بين الوالدَين قد يمثّل البحث عن فضاء لإيداع الأطفال مشكلة.
ولفت الريحاني إلى أنّ "المقاربة الوقائية يجب أن تتناغم مع الواقع. وللأسف فالمنظومة التربوية أيضاً تمارس العنف"، مؤكداً أنّ "قيماً عديدة في صدد الانهيار، وهو ما نلاحظه في علاقة التلميذ بالأستاذ"، وتابع أنّ ثمّة عوامل عديدة تغذّي الصراع الأسري.
وأشار الريحاني في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "عدم التحضير للأرضية المناسبة لتطبيق القانون، من مقاربة ثقافية واجتماعية، يجعل الفجوة عميقة بين ما هو قانون وما هو واقع"، مشدّداً على "وجوب التجانس ما بين التشريعات والواقع. فعلى الرغم من توفّر قوانين عدّة، فإنّها لا تحفظ حقّ المعنّفات. وحتى طول أطوار التقاضي يشكّل بدوره عنفاً ضدّ المرأة".
وفي هذا الإطار، بيّنت العضو في الهيئة الوطنية للمحامين سلوى دربال في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "من الصعوبات التي تعترض النساء المعنّفات اللجوء إلى القضاء لاسترداد حقوقهنّ. صحيح أنّ القانون أتاح إنشاء مراكز لاستقبال النساء المعنّفات، لكنّ الصعوبات تكون من البداية، لأنّ ثمّة نساءَ يتعرّضنَ للعنف قد لا يعرفنَ كيفيّة التوجّه".
أضافت دربال أنّ "العنف يُمارَس في كلّ الأوقات في حين أنّ مراكز استقبال النساء المعنّفات لا تعمل على مدار الساعة. وقد يقع العنف في نهاية الأسبوع، لكنّه يتوجّب على المرأة انتظار بداية الأسبوع التالي لتقديم شكوى لدى القضاء. وهذا أمر قد يؤثّر حتى على إثبات العنف".
وأوضحت دربال أنّ "حقوق نساء كثيرات تضيع بعد أن تمحى آثار العنف. وعندما تصل المرأة إلى المحكمة، فإنّها تواجه صعوبة إلى حين اتّخاذ قاضي الأسرة الإجراءات اللازمة والقيام ببحث اجتماعي. ففي ذلك الوقت، تكون المرأة وحيدة أو في الشارع، خصوصاً عندما لا تملك الإمكانيات المادية، الأمر الذي يعقّد الوضع. وبالتالي ثمّة صعوبات في بداية الإجراءات لعدم توفّر خلايا في كلّ المناطق، بل ثمّة وحدة إنصات على مستوى المحافظة وأحياناً لا تتمكّن المرأة من الوصول إليها".