اختارت الكثير من الإيرانيات التمرّد ضد قانون الحجاب والرقابة الإلكترونية التي فرضتها السلطات أخيراً، وبتن يخرجن من بيوتهن من دون حجاب. وترى نساء أنهن سيكنّ قادرات على المقاومة وإحداث التغيير.
هلنا إيرانية في العشرينيات من العمر، لم تعد ترتدي غطاء الرأس منذ حوالي ستة أشهر لدى الخروج من البيت في العاصمة طهران. تقول إنها حين شعرت وعدد من أصدقائها بأن خلع الحجاب أصبح اعتيادياً، لم يكتفين بذلك بل أصبحن منذ حوالي ثلاثة أشهر يظهرن في الفضاء العام من دون المانطو (المعطف) الذي يغطي الجسم حتى الركبة.
وتقول هلنا، التي التقتها "العربي الجديد" في ساحة وليعصر، وسط طهران، إنها باتت تلبس كالفتيان قميصاً وسروالاً، لافتة إلى أنها لم تعد تواجه دوريات شرطة الآداب في الشوارع. وعن الخطة الجديدة للشرطة الإيرانية الرامية إلى التصدي لظاهرة خلع الحجاب بأساليب جديدة بعيدة عن تسيير تلك الدوريات، توضح أنها لم تدفعها إلى تغيير قناعتها والعودة إلى وضع الحجاب.
تقاطع شيما كلام صديقتها هلنا قائلة إن "مخاوف راودتني" في بداية إطلاق الخطة منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي من احتمال التعرض للاعتقال في الشارع بسبب خلع الحجاب، "لكن يبدو أن الشرطة غيرت سلوكها ولم تعد تعتقل غير المحجبات في الشوارع، وإنما قالت إنها سترسل رسائل نصية وثم ستحيلنا إلى المحاكمة إذا لم نلتزم بالحجاب".
وتعتمد الخطة الجديدة التي أطلقتها الشرطة الإيرانية في الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي، الرقابة الإلكترونية عبر كاميرات للحد من الظاهرة. وعلى ما يبدو، فإنّ الخطة تأتي كبديل عن تسيير دوريات لشرطة الآداب والإرشاد في الشوارع، والتي أثارت جدلاً واسعاً على مدى عقدين تقريباً.
وبحسب الخطة الجديدة التي جاءت على خلفية اعتراضات ودعوات من مرجعيات دينية وسياسية وحكومية محافظة، فإنّه بعد التعرف إلى الإيرانيات المخالفات لقانون الحجاب، ترسل إليهن رسالة نصية للمرة الأولى، ثم في المرة الثانية وفي حال تكرر الأمر، تتم إحالتهن إلى المحاكم. وفي إطار تنفيذ هذه الخطة، أغلقت الشرطة حتى الآن عشرات المطاعم والمحال التجارية لاستقبالها غير المحجبات أو لوجود عاملات غير محجبات فيها، فضلاً عن إعلان مؤسسات حكومية إيرانية مثل وزارات التعليم والتربية والتعليم العالي رفض تقديم الخدمات التعليمية لغير المحجبات.
وتقول ستايش، التي التقتها "العربي الجديد" في ساحة ونك، شمالي طهران، إنها تضع الكمامة حتى "لا تتعرف إلي كاميرات المراقبة" وليس بهدف الوقاية من كورونا، مضيفة أنها لم تتلق حتى الآن رسائل تحذيرية نصية على هاتفها المحمول، وتوضح أن شقيقتها كانت تقود سيارتها من دون أن تضع الحجاب، وبعد يومين تلقى زوجها مالك السيارة رسالة نصية دعت إلى ضرورة الالتزام بوضع الحجاب.
وفي سياق الخطة الجديدة لمواجهة خلع الحجاب، رفعت الشرطة الإيرانية أخيراً دعوات قضائية ضد ست فنانات إيرانيات تحدين الخطة من خلال الظهور من دون حجاب في احتفالات عامة ونشر صورهن على وسائل التواصل الاجتماعي. وبدأت السلطة القضائية اتخاذ إجراءات قضائية ضد هؤلاء الفنانات، وقيل إنها حكمت على اثنتين منهن بـ "غرامات مالية" تقدر بنحو 30 دولاراً.
وتعارض الطهرانية نرجس المحجبة تعامل الشرطة مع قضية الحجاب وتعنيف النساء بسبب عدم وضعه، مشيرة في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ظاهرة خلع الحجاب لم تقف عند حد خلع غطاء الرأس بل للأسف قامت بعض الفتيات بارتداء ملابس مثقوبة غير محتشمة تكشف عن بعض أجزاء الجسم، الأمر الذي يتنافى مع الثقافة الإيرانية المألوفة". تضيف أن "ما يحدث في بعض متاجر شمال طهران مثير للاستغراب، كما انتشرت فيديوهات عنها ظهرت فيها فتيات بحالة قريبة من التعري".
تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة طهران والناشطة السياسية إلهه كولايي إن بلادها "شهدت خلال الأعوام الأخيرة تحولات كبيرة تجاهلتها وأنكرتها الحكومة، ما زاد من تعقيدات الظروف والوضع"، وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد وفاة مهسا أميني في مقر شرطة الآداب، شهد المجتمع الإيراني تطورات أسرع وأكثر شدة. مع ذلك، هناك من يصر على استمرار السياسات السابقة الفاشلة والمضرة واستخدام أساليب جديدة إلى جانب أدوات القهر لمواصلة سياسة الحجاب الإجباري، وخصوصاً أنهم زادوا من أدوار الشرطة في هذا المجال".
وتعليقاً على الخطة الجديدة للشرطة الإيرانية بشأن الحجاب، تقول كولايي إن "هذه السياسات التي أخفقت في ما مضى سيثبت الزمن أنها ستخفق مرة أخرى وأن العديد من النساء سيقاومنها في إيران"، مشيرة إلى أن "الكثير من الإيرانيين ولا سيما النساء يطالبون باحترام حقوقهم الإنسانية التي يأتي من ضمنها حق اختيار الملابس، لكن المؤسف أن التيار السياسي الحاكم لا يستخلص الدروس من تجارب العقود السابقة، وهو على قناعة بأن فرض المزيد من القيود الاجتماعية يمكّنه من تنفيذ السياسات الفاشلة السابقة حول الحجاب".
وتشير كولايي إلى أن "شريحة كبيرة من الإيرانيات اقتنعن بالحجاب الإسلامي والتزمن به، لكن هناك شريحة ليست بقليلة منهن لسن على قناعة بالحجاب ويرفضنه ويرغبن في اختيار ملبسهن بحرية. المجتمع بحاجة إلى احترام هذا الحق سواء لمؤيدي الحجاب أو رافضيه، ويرغب في أن يحترم هذا الحق كما هو الحال في جميع الدول الإسلامية"، وتطالب بأن "تكون السياسات والبرامج الحكومية على أساس إرادة الشعوب ومطالبها"، مؤكدة أنه "إذا ما عارض الشعب سياسة فإن التجربة أثبتت أن تنفيذها لن ينجح. سياسة فرض الحجاب قسراً سبق لها أن نفذت خلال العقود الماضية بأشكال مختلفة من دون الرضا العام. لكن التجربة أظهرت أن شرائح كبيرة من الشارع ترفض فرض الحجاب وفرض القيود على النساء غير المحجبات".
وعليه، تخلص كولايي إلى أن "نتيجة السياسات الجديدة حول الحجاب لا تبدو أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها لأنها تجاهلت كالتجارب السابقة الاهتمام بمطالب الشارع ومتطلباته سواء على صعيد التخطيط لها أو تنفيذها".
إلا أن للناشطة منيره مختاري رأياً مختلفاً، وتقول إن "الحجاب في إيران بعد تعطيل دوريات شرطة الآداب تحول إلى أمر اختياري. فعندما نتحدث عن الحجاب يجب أن ننتبه إلى أنه مصطلح شرعي يدل على حدود شرعية واضحة بشأن اللباس يشمل تغطية الجسم كله إلا الوجه والكفين، لكن بهذا المعنى منذ سنوات لا يوجد شيء اسمه الحجاب الإلزامي في إيران". تضيف أن كثيرات من الِإيرانيات منذ فترة لا يلتزمن بما هو معروف بالحجاب الشرعي المنصوص عليه في القوانين الإيرانية "من دون أن تتصدى لهن المؤسسات القانونية، والصحيح هو ألا يتم هذا التصدي"، مشيرة إلى أن "ما هو سائد في إيران ليس الحجاب الإجباري بل هو اللباس الإلزامي في حدود بات متعارف عليها مثل كثير من الدول".
وتدعم مختاري خطة الشرطة الإيرانية في التصدي لظاهرة خلع الحجاب، قائلة إن ما يعد على أنه إخفاقات للخطط السابقة بشأن الحجاب "لا يشكل مبرراً لعدم اتخاذ أي خطوة تجاه من يرتكب مخالفات قانونية، فيجب أن تكون القوانين مسنودة بقوة قهرية فضلاً عن توضيح تلك القوانين بشكل صحيح".
وتعزو الناشطة الإيرانية المحافظة أسباب خلع الحجاب اليوم في المجتمع الإيراني إلى عوامل عدة، منها "الاكتفاء حصراً بالإجراءات السلبية وضعف المؤسسات، وكان ينبغي أيضاً اتخاذ إجراءات إيجابية وممارسة أنشطة ثقافية، فضلاً عن عوامل أخرى، مثل الهجمة الدعائية الواسعة للعدو وخلقه مفاهيم غير صحيحة حول الحجاب واللباس العرفي في المجتمع الإيراني"، على حد تعبيرها.
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، ألزمت الإيرانيات بارتداء الحجاب الشرعي بالتدرج وعلى مراحل عدة، بدءاً من داخل مؤسسات الدولة ثم جرى تعميمه خارج البيوت وسنّ قوانين عدة، منها قانون الحجاب والعفة عام 2005، والذي ينص على أن عقوبة عدم ارتداء الحجاب الشرعي تراوح ما بين دفع غرامة مالية قدرها 20 دولاراً، والسجن ما بين 10 أيام وشهرين، بالإضافة إلى 74 جلدة.
لكن هذا القانون لا يطبق على أرض الواقع بحق النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الإسلامي (تغطية الرأس بالكامل مع ارتداء زي يغطي الجسم كله). وما بات أكثر انتشاراً مع مرور الوقت خلال العقود هو الحجاب العرفي المألوف في إيران، والذي أصبحت السلطات تقبله لانتشاره الواسع، ويشمل تغطية الرأس بشكل غير كامل، وإظهار جزء من شعر الرأس.
غير أن هذا النوع من الحجاب لم يتوقف عند هذا الحد. ومع مرور الوقت وتناسباً مع التحولات التي شهدها المجتمع الإيراني، وأحيانا كنوع من ردة الفعل تجاه السياسات الرسمية، زادت الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب العرفي من مساحة الكشف عن الشعر وتقصير المانطو (المعطف) إلى أن انتهى الوضع إلى خلع الحجاب خلال الاحتجاجات الأخيرة التي منحتهن الجرأة على ذلك وتحول الأمر إلى ظاهرة مثيرة للجدل يصعب إيقافها.
بالتوازي مع إطلاق الشرطة الإيرانية خطة جديدة للتصدي لخلع الحجاب، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية مسعود ستايشي أخيراً عن إرسال السلطة مسودة لائحة "العفاف والحجاب" وتضم 9 بنود للحكومة للنظر فيها. ومن المقرر أيضا إرسال المشروع لاحقاً إلى البرلمان لمناقشته وإقراره.
وقال نائب الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية محمد حسيني، الأحد الماضي، إن المشروع الجديد سيخرج اعتبار انتهاك قانون الحجاب في بعض الحالات من كونه "جرماً" إلى اعتباره "مخالفة"، وسيترتب على ذلك تغريم المخالفين سريعاً من قبل الشرطة من دون الحاجة إلى تشكيل ملفات قضائية لدى الجهاز القضائي ومحاكمتهن، وفق وكالة "فارس" الإيرانية.
إلى ذلك، أعلن رئيس منظمة "الباسيج" لنقابات "البازار" الإيرانية غلامرضا حسن بور عن خطة لتصميم أزياء موحدة للبائعات في المحال التجارية، مشيراً إلى "وجود برامج ثقافية أيضاً في المجمعات التجارية" للتصدي لظاهرة خلع الحجاب.
غير أن إيرانيات اخترن تحدي الخطط الجديدة لمواجهة الظاهرة عبر مواصلة الظهور في الأماكن العامة من دون حجاب ونشر صور وفيديوهات عن ذلك على مواقع التواصل.
كما أثار إغلاق مراكز خدماتية وسياحية وتجارية، منها مطاعم ومحلات تجارية لاستقبالها غير المحجبات، انتقادات داخل البلاد باعتبار أن الخطوة غير نافعة، وانتقد وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية عزت الله ضرغامي إغلاق المراكز السياحية، قائلاً إن ذلك "ليس حلاً".
في السياق، يسأل الشاب الثلاثيني بابك، وهو صاحب متجر في شمال غرب العاصمة طهران، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "كيف يمكنني أن أمنع غير المحجبة من الدخول إلى متجري هذا؟ أنا هنا للارتزاق. كيف يمكنني أن أخسر زبائني من خلال تجنب استقبالهم؟".