احتجّ عشرات الناشطين في المغرب، اليوم الثلاثاء، في وقفة أمام مقرّ بعثة الاتحاد الأوروبي بالعاصمة الرباط، على تقليص دول "شنغن" عدد تأشيرات الدخول الممنوحة للمواطنين المغاربة وما يتعرّض له طالبو التأشيرات من انتهاكات متعدّدة لحقّهم في حرية التنقل وما ينتج من ذلك من معاناة حقيقية لهم ولذويهم.
وردّد المشاركون في الوقفة التي دعت إليها كلّ من "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" (أكبر تنظيم حقوقي مستقل في المغرب) و"العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان" (أقدم تنظيم حقوقي في البلاد) شعارات استنكرت الرفض الذي تقابَل به طلبات المغاربة للحصول على التأشيرة، وانتقدت ما سمّوه التضييق على حرية التنقل بالإضافة إلى الاحتقار الاستعماري للمواطنين المغاربة وامتهان كرامتهم في سفارات وقنصليات الدول الأوروبية وفي مقدّمتها فرنسا.
ورأى المحتجون أنّ منع السفارة الفرنسية التأشيرة عن المغاربة "فعل تمييزي وعنصري"، مطالبين بمعاقبة باريس التي تستخدم ذلك بهدف ابتزاز المغاربة.
وفي هذا السياق، دعا رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان عادل تشكيطو، في كلمة له في خلال الوقفة الاحتجاجية، الاتحاد الأوروبي إلى معاقبة فرنسا بسبب إجراءاتها التي تروم الهجوم على حقّ من الحقوق الأصيلة والأساسية، وقد رأى أنّ ما تقوم به السفارة الفرنسية من رفض منح المغاربة التأشيرات، على الرغم من توافر كلّ الشروط لدى المتقدّمين للحصول عليها "هجوم على مضمون المادة الـ13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة الـ12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية".
من جهته، دعا رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، في كلمة له في خلال الوقفة الاحتجاجية نفسها، إلى وقف "إهانة المغاربة، ووضع الشروط التعجيزية أمامهم، وفرض رسوم جائرة عليهم، وحرمانهم زيارة أقاربهم والمشاركة في المؤتمرات وحقّهم في التنقل". أضاف غالي أنّ الاحتجاج الذي نُظّم الثلاثاء يهدف إلى الإبلاغ عن "غضب المغاربة من الإهانات والعجرفة التي قوبلت بها طلباتهم من طرف دول شنغن التي تصرّ على عدم منح التأشيرة إلا للقليل من طالبيها، رغم استيفاء الشروط".
وانتقل الغضب الشعبي في المغرب الذي تقوده منظمات حقوقية، مع استمرار رفض السلطات الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية، منح عدد من المغاربة تأشيرات دخول إلى أراضيها، إلى مرحلة جديدة. فقُدّمت شكوى أمام اللجنة الأممية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية. وقد طالبت العصبة المغربية لحقوق الإنسان في الشكوى التي بعثت بها، الأربعاء الماضي، بتنبيه الرئاسة الفرنسية إلى "جسامة هذا الخرق الحقوقي، والعدول عنه، وكذلك تمكين المواطنين المغاربة من حقّهم في الحصول على التأشيرة، وفق ما ينصّ عليه القانون والمواثيق الدولية".
وفي الأسابيع الماضية، بدا لافتاً اتّساع دائرة رفض منح تأشيرات لفئات، لتشمل وزراء ومسؤولين سابقين وأطباء ومهندسين كانوا ينوون المشاركة في لقاءات علمية تحتضنها فرنسا، إلى جانب فنانين ورجال أعمال وطلاب ومواطنين اعتادوا زيارة فرنسا منذ سنوات طويلة والحصول على تأشيرات طويلة الأمد.
وكانت الحكومة الفرنسية قد قررت في سبتمبر/ أيلول من عام 2021 "تشديد شروط منح تأشيرة الدخول" للمتقدّمين من دول المغرب العربي الثلاث؛ تونس والجزائر والمغرب. وخفّضت العدد السنوي المسموح به بنسبة 30% للتونسيين و50% للجزائريين والمغربيين. لكن بعد مرور نحو عام على تلك الإجراءات، خُفّفت القيود المفروضة عن التونسيين والجزائريين، فيما ازدادت حدّة بالنسبة إلى المغاربة، الأمر الذي أثار غضباً متصاعداً في البلاد، وصل إلى حدّ المطالبة بمقاطعة المنتجات الفرنسية ومعاقبة باريس. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال مطالب برلمانية لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بـ"إعادة النظر في المقاربة الرسمية المعتمدة من قبل المغرب، وخصوصاً بالنسبة إلى الدول التي تفرض التأشيرة على المغاربة في إطار المعاملة بالمثل"، إلى جانب "فرض استخلاص الرسوم في المطارات" على الدول التي تشترط على المغاربة الحصول على تأشيرة مسبقة للدخول.
تجدر الإشارة إلى أنّ إجمالي عدد المغاربة الذين تقدّموا بطلب الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبي "شنغن" بلغ في العام الماضي 157 ألفاً و100 شخص، فيما رُفض 39 ألفاً و520 طلباً، وهو ما يمثّل إجمالي 27.6%، الأمر الذي يعني أنّ معدّل الرفض أعلى بكثير مقارنة بمتوسط معدّل الرفض العالمي لطلبات تأشيرة "شنغن".
وقد كشف تقرير صادر عن الهيئة العامة للأجانب في فرنسا أنّ القنصليات الفرنسية في المغرب أصدرت 69,408 تأشيرات فقط في عام 2021 مقارنة بـ342,262 تأشيرة في عام 2019، و98 ألف تأشيرة في عام 2020، على الرغم من تقييد السفر الدولي على خلفية أزمة كورونا الوبائية.