استمع إلى الملخص
- تواجه جهود إعادة الإعمار تحديات بسبب نقص الدعم من حكومة الوحدة الوطنية، وتأخر مشاريع البناء، مما يضطر النازحين للاعتماد على جهودهم الذاتية أو العيش في مساكن مؤجرة.
- تعيق عودة النازحين نقص البنية التحتية الأساسية ورغبة بعض الأسر في إبعاد أطفالهم عن ذكريات الفاجعة، مع استمرار تحديات كلفة الإيجار والبحث عن فرص عمل جديدة.
لا يزال المئات من أهالي مدينة درنة نازحون يعيشون في شتات بين العديد من المدن والمناطق الليبية منذ فقدانهم منازلَهم في فيضانات وسيول "الإعصار دانيال" الذي ضرب مدينتهم في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، فيما لا تزال جهود الإعمار قاصرة عن تعويض المتضررين عن منازلهم أو بناء أخرى جديدة.
ومنذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، توقفت الجهات الحكومية الليبية عن إعلان أرقام جديدة بشأن ضحايا سيول درنة، والذين وصل عددهم وفق آخر إحصاء إلى 5 آلاف ضحية، كما لا تعلن أعداد النازحين الذين فقدوا بيوتهم، فيما تقدر تقارير دولية أن الأعداد تزيد عن 40 ألف نازح، ما يعني نحو 20% من إجمالي سكان المدينة.
وسبَّب وقوع درنة في مناطق سيطرة حكومة مجلس النواب (شرق)، عدم تمكن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس (غرب) من تقديم كثير من الدعم للنازحين، باستثناء مساعدات مالية بين الحين والآخر لإعانتهم على دفع إيجارات المساكن التي نزحوا إليها، في حين تجتهد حكومة شرق البلاد في إنجاز مشاريع الإعمار وإعادة الحياة إلى المدينة، ومن بينها بناء مساكن.
وكان من المفترض أن تبدأ حكومة مجلس النواب في توزيع عدد من البنايات السكنية على النازحين مع حلول الذكرى الأولى للكارثة في سبتمبر الماضي، لكن تأخر البناء أجبرها على تأجيل برامج التسليم.
وعلى رغم عودة الحياة ببطء إلى درنة، لا يزال النازحون العالقون في دوامات الحاجة واليأس والإهمال متشبثين بالأمل. يقول الناشط المدني أيوب القاضي، إن قصص النازحين المشردين تضم مزيجاً من الوجع والصبر، معبراً عن استهجانه لتناسي المجتمعين المحلي والدولي مأساةَ المنكوبين مع مرور الوقت.
ويؤكد القاضي لـ"العربي الجديد"، أن "عدد الوحدات السكنية التي جرى بناؤها لا يقارن بأعداد النازحين الذي يحتاج إلى العشرات من البنايات السكنية الجديدة. اقترح عدد من النازحين على سلطات المدينة العمل وفقاً لخطط تتجاوب مع حجم مشكلة السكن، وألّا تقتصر الجهود على بناء مساكن لسكان المناطق التي جرفت السيول منازلهم، بل ترميم مساكن النازحين التي تضررت بشكل جزئي لتسريع وتيرة عودة السكان إلى مدينتهم".
يضيف: "تمكن عدد من النازحين من ترميم منازلهم بجهودهم الذاتية، والعودة إليها بعد أشهر على الكارثة، لكن هناك آخرون لا يملكون القدرة المالية، والمبالغ التي دُفعت لهم تعويضاتٍ ليست كافية لمواجهة تبعات الأزمة التي توسع ضررها، إذ لم تقتصر على المساكن، بل تجاوزتها إلى ممتلكات خاصة أخرى، أما الأزمة الأكثر إزعاجاً فهي خاصة بالأسر التي جرفت السيول منازلها بالكامل، وهؤلاء يعيشون في مساكن مؤجرة في مناطق مجاورة لمدينة درنة، ما يؤشر إلى تشبثهم بأمل العودة ولو بعد حين".
وتقطن العديد من الأسر النازحة منذ تضرر منازلها أو فقدها بالكامل في مدن مثل بنغازي وطرابلس ومصراته، وتحصل بعضها على إعانات من الحكومة في طرابلس، أو من جمعيات خيرية لا تزال تنشط في تقديم دعم عيني للأسر المنكوبة.
من بين هؤلاء النازحين عبد العاطي بورحيل، والذي يؤكد أن الأزمة الأكبر تكمن في عدم قدرته على مواصلة دفع إيجار شقة استأجرها منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك بسبب فقدانه كلَّ مصادر رزقه، وأنه قرر أن يواجه صعوبات الحياة من خلال العمل في إحدى ورش إصلاح السيارات.
يضيف بورحيل لـ"العربي الجديد": "هناك العديد من الأسر التي تعيش ظروفاً مشابهة لظروفي القاسية، ما اضطرهم إلى البحث عن أعمال بديلة لتحسين دخولهم، كما اضطر بعضهم إلى دفع أبنائهم إلى العمل لزيادة الدخل الشهري. كلفة إيجار المنازل هي أكبر الصعوبات التي يواجهها جميع النازحين".
بدوره، يرى هيثم عبيد أن مشاريع الإعمار مهما بلغ حجمها فلن تعود بالمدينة إلى سابق عهدها، موضحاً أن عودة النازحين إلى المدينة لا يعطلها فقد المنازل فقط، بل الكثير من الأسباب الأخرى. يُعيل عبيد أطفال أخته الأربعة منذ لقيت هي وزوجها حتفهما في فاجعة السيول، ويؤكد أن صهره لم يعد له أقارب في مدينة درنة، ثم انقطعت صلة هؤلاء الأطفال بالمدينة، وبدؤوا بالتأقلم مع البقاء في بنغازي.
يضيف عبيد لـ"العربي الجديد": "هناك العديد من الأسباب التي تتعلق بعدم توفر أساسيات عودة الكثير من النازحين، ومن بينها عدم توفر فرص تعليم الأطفال، فالمدينة تعاني عجزاً كبيراً في المدارس والكوادر التعليمية، علاوة على أن بعض الأسر النازحة لا ترغب في العودة بهدف إبعاد أطفالهم عن تذكر مشاهد الرعب القاسية التي عايشوها خلال ليلة السيول، ومحاولة خلق بيئة عيش جديدة لهم".