ناجيات فرنسيات من سرطان الثدي.. الوشم بدلاً من الأورام والندوب

08 أكتوبر 2022
في إحدى فعاليات شهر أكتوبر الزهري في فرنسا (ريشار بور/ Getty)
+ الخط -

 

في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يُتاح لنساء فرنسيات أُصبنَ بسرطان الثدي طيّ صفحة معاناتهنّ بوشم فني يحصلنَ عليه مجاناً بهدف "محو الوصمة"، وذلك في إطار مبادرة "أكتوبر روز" (أكتوبر الزهري) للتوعية بهذا المرض.

تنظر ناتالي سوغان البالغة من العمر 55 عاماً إلى وشمها في المرآة، معربةً عن إعجابها به. من جهتها، تقول ياهيل، وهي فنّانة متخصّصة بالوشوم مُعتمَدة في مبادرة "أكتوبر روز" التي تُنظَّم في مدينة بوردو جنوب غربي فرنسا: "انظر إلى الوشم الذي رسمته". الندوب الناتجة عن استئصال ثديَي سوغان جراحياً لم تعد ظاهرة، إذ غُطَّت تلك الموجودة على اليسار برسمة تظهر منظراً طبيعياً آسيوياً يشمل شلالاً وحجارة "لصلابتها" واثنتَين من أسماك كوي المعروفة بمواجهتها ظروفاً صعبة، بالإضافة إلى جبل فوجي (اليابان) في خلفية الرسمة. وقد استغرق إنجاز هذا الوشم نحو سبع ساعات من العمل، طوت بنتيجته سوغان صفحة من حياتها استمرّت سبعة أعوام من المعاناة من جرّاء إصابتها بالسرطان.

وكانت سوغان قد شُخّصت للمرّة الأولى بهذا المرض في مايو/ أيار من عام 2015 حين قال لها الأطباء إنّ الإصابة تطاول ثديها الأيمن. وتؤكد: "يشكل السرطان تسونامي نواجهه". وهي خضعت لعملية الاستئصال الأولى بعد شهرَين من تشخيص حالتها. ولإخفاء آثار العملية، حصلت في عام 2018 على وشم شجرة وتمثال بوذا.

وفي عام 2019،  أُصيب ثدي سوغان الثاني بالسرطان، فشعرت بالغضب لاضطرارها إلى الخضوع مجدداً لعملية استئصال ثمّ إلى علاج كيميائي. واليوم، ينسجم وشم الشجرة وتمثال بوذا مع وشم الشلال وجبل فوجي، فيما صار جسد المرأة الخمسينية يتميّز بهذا "العمل الفني"، هي التي رفضت عملية إعادة ترميم لثديَيها لأنّها عانت بما يكفي بحسب ما تشير. أمّا ياهيل، فترى أنّ الوشم يحمل معاني كثيرة، وتقول: "نحن لا نساهم في إنقاذ الأرواح بصورة يومية لكنّنا نساعد في المداواة".

ويُعَدّ سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات انتشاراً وفتكاً لدى النساء في العالم أجمع، ومن جهتها تُسجّل فرنسا سنوياً 54 ألف إصابة جديدة وأكثر من 12 ألف وفاة. وفي عطلة نهاية الأسبوع الأولى من شهر أكتوبر (يُخصّص للتوعية بسرطان الثدي ودعم المصابات والناجيات حول العالم)، قرّرت نحو عشرين امرأة اللجوء إلى الوشم في إحدى قاعات فندقٍ في مدينة بوردو، وذلك في تجربة أولى بالنسبة إلى معظمهنّ، وباسكال موراي البالغة من العمر 67 عاماً واحدة منهنّ.

تقرّ موراي: "لم أؤيّد بداية فكرة الوشم. لكنّ مبادرة أكتوبر روز تُقام في منطقتي، وعندما علمت بفكرة روز تاتو (الوشم الزهري) اقتنعت بالأمر". وكان الأطباء قد كشفوا لموراي عندما كانت تبلغ 41 عاماً، أنّها في مرحلة تسبق الإصابة بالسرطان، أي مرحلة رصد خلايا تنمو بطريقة غير طبيعية. وخضعت المرأة لعملية إعادة ترميم باستخدام العضلة الظهرية العريضة لديها، الأمر الذي ترك ندوباً في موقع العملية. لكنّ تلك الندوب اختفت تحت وشم أزهار جميلة. وتقول المرأة الستينية: "هذه الرسمة زيّنت مكاناً لم يكن جميلاً".

في سياق متصل، تقول رئيسة جمعية "سور دانكر" (أخوات الحبر) التي تقف وراء هذه المبادرة ناتالي كايد: "قيل لي كثيراً إنّ الوشم يشكّل نهاية للمعاناة". ومن المقرّر تنظيم جلسات وشم أخرى في باريس. وتتذكّر كايد المرّة الأولى التي أطلقت فيها هذه المبادرة في عام 2016 والتي شاركت فيها بحسب ما تشير "سبع فنانات وشوم وتسع نساء"، مضيفة أنّ هذا الإقبال الضعيف صدمها.

لكنّ الطلب على الوشم راح يتزايد سنوياً، منذ عام 2016. وتوضح كايد أنّه ينبغي على المرأة الراغبة في الحصول على وسم ما أن تنتظر عاماً واحداً على أقلّ تقدير بعد العملية الجراحية الأخيرة، بالإضافة إلى تقديم إفادة طبية لا تهارض لجوءها إلى هذا الإجراء.

وتخضع فنّانات الوشم من جهتهنّ إلى تدريب للحصول على "المعلومات التقنية والطبية" اللازمة من جرّاحة متخصّصة، فيصبحنَ بذلك مطّلعات على العواقب الجسدية والنفسية لمرض السرطان. وتشدّد كايد على أنّ هدف "سور دانكر" يتمثّل في جعل الوشم الفني وسيلة مداواة في ذاته. وفي هذا الإطار، تؤكّد ساندرين التي تلقّت وشماً قبل ثلاثة أعوام وحضرت هذا العام مرافِقة صديقتها المقرّبة، أنّها لم تعد ترى آثار السرطان. وتقول: "لم أعد أتحدّث عمّا مررت به بل أتطرّق إلى الوشم فقط".

(فرانس برس)