بدأت تتعالى أصوات الأهالي المتضررين من قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نقل ملكية ميناء العريش ومحيطه في محافظة شمال سيناء من الهيئات المدنية التي أشرفت عليه في العقود الماضية إلى وزارة الدفاع، تمهيداً لتطويره وصيانته وتشغيله خلال الفترة المقبلة. وهم يصرّون على وقف القرار الذي يقولون إنه "سيدمر حياة ومستقبل آلاف الأسر، خصوصاً أن مساحة التوسيع ستشمل مناطق سكنية إضافية". ويطالب هؤلاء أيضاً بأن تتحرك كل الجهات الحقوقية والإنسانية لوقف المشروع المقرر في المنطقة، مشيرين إلى وجود بدائل للمشروع على شاطئ بحر شمال سيناء الذي يبلغ طوله 200 كيلومتر، من رفح شرقاً حتى بالوظة ورمانة غرباً.
وحصلت "العربي الجديد" على نسخة من كتاب ناشد فيه مواطن يدعى السعيد الأمير، من الدقهلية في العريش، والذي يسكن في المنطقة المستهدفة بقرار الهدم، الرئيس السيسي بعدم تنفيذ المشروع، وأورد: "نحن مستقرون منذ 40 عاماً في العريش التي تزوج أبناؤنا من أهلها، ما جعلنا أسرة واحدة. واليوم نتبلغ بجرّة قلم أمر ترك بيوتنا لتوسيع الميناء، ما يدفعنا إلى طرح سؤال لمصلحة من سيحصل ذلك. إذا كان لمصلحة المواطنين فأنا أحد الأمثلة على أولئك المتضررين، رغم أننا وقفنا مع السلطة في محاربة الإرهاب، ومات أفراد من عائلاتنا بالرصاص الذي أصابنا، ولم نأخذ تعويضات لملازمتنا البيوت خلال معارك العمليات الشاملة، وكذلك لإعادة بناء الدمار، ما يعني أننا تحملنا حصة كبيرة من الظروف السيئة، ثم بقينا شهداء أحياء، وقبلنا في مرحلة أولى بالقرار الصادر عام 2019 لتوسيع مساحة الميناء إلى 300 فدان، ما جعلنا نتحرك على هذا الأساس، ثم زاد القرار الجديد الأخير المساحة إلى 540 فداناً. فعلى حساب من تحصل عمليات التنمية والتطوير، ولمصلحة من يدفع الناس إلى ترك بيوتهم، وهل هذا مخطط لتهجير أبناء الوادي من شمال سيناء؟".
يضيف: "من حقي كمواطن مصري أن أعيش حياة هادئة في أرض وطني. أريد أن أموت بطريقة معينة، أما سيادتك (الرئيس السيسي) فتريد ذلك بطريقة مختلفة. حين تخرجني من بيتي سأموت، لذا حين تأتي لهدمه لن أخرج منه، فنحن لم نبن عشش عصافير، بل وضعنا شقاء عمرنا وبعنا ما نملكه لتشييدها، ولا نزال نسدد قروض هذه البيوت. واليوم سينهي قرار إنشاء ميناء العريش كل شيء، ما يجعلنا نعيش بلا أن ناكل أو نشرب أو ننام. نريد كرامتنا ونحن أحياء، وليس بعد أن نموت، ونرفض تشرد عائلاتنا بحجة التنمية والمصلحة العامة مع الوعد بمنحنا تعويضاً كي نعيد البناء، علماً أن عمري الحالي لن يسمح لي بفعل ذلك، وسأقول لأبنائي وأحفادي إن السلطات المصرية أخذت بيتي لتوسيع الميناء، في حين أن الصحراء واسعة يا حضرة الرئيس".
وينقل القرار الجديد تبعية ميناء العريش إلى الجيش، ويخصص الأراضي المحيطة به اللازمة لتنفيذ أعمال التطوير إلى القوات المسلحة، ضمن إجمالي مساحة 541.82 فداناً (الفدان يعادل 4200 متر). وقد استبدل فيه السيسي قراراً سابقاً أصدره عام 2019، وقضى بأن تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش، مع لحظ توقيع بروتوكول بين وزارة الدفاع والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يشمل الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة الميناء.
وليس قرار نقل ملكية الميناء للجيش جديداً، إذ فعل الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور ذلك في قرار أصدره قبل 3 أيام من تركه السلطة (في يونيو/ حزيران عام 2014)، وذلك في إطار توسيع النفوذ الاقتصادي للجيش المصري. وأوضح القرار الذي نشر حينها في الجريدة الرسمية لرئاسة الجمهورية، أن وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة طلب من منصور نقل ملكية الميناء وأصوله كاملة إلى الوزارة بحجة أنه منطقة استراتيجية ذات أهمية عسكرية في أرض صحراوية.
وأشار القرار إلى أن تفاصيل أصول ميناء العريش الذي تريد السلطات أن يكون أحد أنشط موانئ مصر لتنمية شبه جزيرة سيناء، تشمل قطعتي أرض بطول 1100 متر وعرض 95 متراً شرق أبي صقل بمدينة العريش، وأخرى بعرض 63 متراً وطول 96 متراً، وأيضاً واحدة أصغر أمام البوابة الرئيسية للميناء. كما سيستحوذ الميناء على قطع أرض عدة محصورة بين سور الميناء الحالي وأراضٍ للقوات المسلحة، وأخرى بطول كيلومترين، وينشئ حواجز للأمواج في عمق البحر المتوسط، و3 أرصفة للميناء بإجمالي طول يبلغ نحو 400 متر، ومبنيين إداريين بمساحة إجمالية تقارب 800 متر مربع.
وكتب المسؤول المالي في وزارة المالية المصرية ممدوح فتحي، على صفحته على موقع "فيسبوك": "تبنت الدولة خطة إعمار سيناء حين حررتها، وقررت استكمالها عام 2017. وشملت أهم بنود الخطة توطين ثلاثة ملايين مواطن في شبه جزيرة سيناء، في تكريس لفكرة أن أي مكان خالٍ من السكان يغرى من تسوّل له نفسه باحتلاله لسهولة فعل ذلك بكلفة مادية وبشرية قليلة، ما جعل توطين ثلاثة ملايين مواطن في سيناء مسألة أمن قومي عززته الوقائع التاريخية التي تحدثت عن أن سيناء هي المدخل الرئيسي والطريق الأساسي لكل الغزوات التي تعرضت لها البلاد منذ عهد الفراعنة وعلى مر التاريخ القديم والحديث. من هنا لن يخدم نزع ملكية أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة منزل وهدمها لتوسيع ميناء العريش الأمن القومي المنشود، كما أن مشروع ميناء العريش قد ينشأ في أي مكان من دون الحاجة إلى إزالة منازل تمثل ثروة عقارية لأصحابها، علماً أن الدولة نفذت فيها استثمارات ضخمة في شبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي والطرق وغيرها".
وينفي فتحي صحة أي قانون أو قرار يصدر ويتعارض مع مصالح واحتياجات المجتمع، ولا يتماشى مع ما يراه أفراد المجتمع على صعيد خدمة المصالح العامة لمجتمعهم، "لأنه يضعف الانتماء للوطن، وأنا لا أرى خيراً في قرار يهدد الأمن القومي للبلاد، ويضعف انتماء أفراد المجتمع لوطنهم ويخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية ويزيد أسعار مواد البناء، ما يؤدي إلى زيادة التضخم الاقتصادي، والهجرة المعاكسة للهروب من سيناء بعد المعاناة والويلات التي واجهها أبناؤها أثناء الفترة الماضية خلال محاربة الإرهاب".