ميلاد لبنان في قلوب تشتهي الأمن والاستقرار

25 ديسمبر 2023
شجرة الميلاد في جبيل (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتوسل اللبنانيون في عيد الميلاد فرحة مسلوبة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في عام 2019، ولعلّ وقع المناسبة هذه السنة أشد إيلاماً في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وهاجس اندلاع الحرب في جنوبي لبنان، فبعد ان كانت الأمنيات ترتجي حلولاً جذرية للظروف المعيشية القاهرة، أصبحت تطلعاتهم أن ينعموا بالأمن والاستقرار. 
بادرت بلديات محدودة إلى تزيين شوارعها احتفاء بالعيد، في حين غابت مظاهر الاحتفال عن العديد من المنازل، واكتفى البعض بمغارة العيد، أو شجرة متواضعة، كي لا يُحرم الأطفال من بهجة الميلاد، في حين يؤكد البعض إلى أن العيد أصبح للمقتدرين الذين صاروا قلة.
تختصر سينتيا فارس (28 سنة)، المقيمة في جنوب لبنان، أجواء عيدَي الميلاد ورأس السنة بالقول: "العيد في القلب لأهميته ومعانيه العظيمة التي ترمز إلى ولادة السيد المسيح. هذه السنة مختلفة عن سابقاتها، فلم نضع شجرة العيد كما اعتدنا بسبب الأوضاع التي يقاسيها أهالي غزة. لا يمكننا أن نحتفي بالعيد والشعب الفلسطيني يواجه القهر والموت، ولن نشتري ملابس العيد بينما هناك فئات في مجتمعنا غير قادرة على تأمين لقمة العيش. الوضع الاقتصادي متأزم، والعيد ينحصر بشراء بعض الهدايا للأطفال".
تتابع فارس: "نعيش منذ بدء الحرب في غزة أجواء القلق والتوتر، لكننا لن نترك أرزاقنا وأملاكنا وأراضينا، وأملنا في هذا العيد أن يتحلى الإنسان بالضمير ويشعر بأخيه الإنسان، فالعيد ليس مظاهر وهدايا، وإنما محبة ورحمة وأمان ورأفة".
من جهته، يحاول شربل كاملة، وهو أب لولدين، أن يدخل البهجة إلى قلوب عائلته في مدينة جبيل (شمال). يقول: "نحرص في كل عام على تزيين شجرة الميلاد، وتحضير المغارة باعتبارها بركة العيد. لكن هذه السنة سنكتفي بشراء بعض الثياب والهدايا كي نزرع نفحة أمل ونرسم القليل من البسمة والفرح في قلوب الأطفال، ونشعرهم بأن الحياة جميلة رغم الواقع السيئ الذي نعيشه. العيد مناسبة رمزية دينية، ومن المفترض أن نحتفي بولادة السيد المسيح رغم الوضع الاقتصادي الذي يعانيه جميع اللبنانيين، والذي لا يدعو للفرح".
بدورها، تسأل نادية لحود: "أين هو العيد وقد احترقت أنفاس المواطنين؟ لا رواتب ولا حقوق ولا رعاية صحية أو اجتماعية. حال الموظفين يُرثى لها، كما أن قدرة اللبنانيين على الاستشفاء باتت معدومة. كيف نفكر بالعيد بينما همنا الأول هو البقاء على قيد الحياة؟ أولويتي اليوم متابعة الوضع الصحي لزوجي في ظل الظروف المتأزمة".

الصورة
محاولة لإدخال لافرحة إلى القلوب (إبراهيم شلهوب/ فرانس برس)
محاولة لإدخال الفرحة إلى القلوب (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)

وتتحسر الأم لثلاثة أبناء على الأجواء التي كانت ترافق عيد الميلاد، وتقول: "سرقوا منا فرحة عيد الميلاد الذي كنا ننتظره لتجتمع العائلة، ونوزع الهدايا ونرسم الفرحة على وجوه الأطفال. اليوم، أصبح هاجسنا الأساسي كيف سنصمد. لا أحد يفكر بحال الشعب. ينعم المسؤول بحياة هانئة وعيش رغيد، ويحرم المواطن من أبسط حقوقه. رجاؤنا أن تتحلى قلوبهم بالرحمة علّنا نستعيد أجواء العيد ونُسعد أبناءنا".
وتقول ليليان مشعلاني: "لم نحضّر شيئاً للعيد، ولا نشعر به. نتابع أخبار الحدود اللبنانية، والتوترات التي يعيشها أهالي الجنوب، ولا ينتابنا سوى القلق. نعيش على الراتب التقاعدي لزوجي، وهو مبلغ زهيد. سنحتفي من خلال اجتماع العائلة في ليلة الميلاد كي لا نشعر أننا غائبون عن العيد، فأولادي لا ذنب لهم في ما يحصل، وهم غير مدركَين للأحداث الراهنة، أو الظروف الصعبة. نعيش قلقاً دائماً من تفاقم الأوضاع في جنوب لبنان، وكلنا أمل بأن يعمّ الأمن والسلام وراحة البال".
قررت مريم دحدوح الاستغناء عن شجرة الميلاد استثنائيّاً هذه السنة بسبب الحرب على غزة، وتضامناً مع الأطفال والشهداء والمنكوبين. تقول: "فرحتنا بالعيد محدودة، فنحن نوعاً ما في حالة حداد على المجازر التي نتابعها بشكل يومي. سنكتفي بتحضير مغارة الميلاد لنفرح بذكرى ولادة السيد المسيح، لكن من دون زينة احتراماً لمصاب أهلنا في غزة وفي أنحاء فلسطين مهد المسيح، وفي اليوم التالي، سنزور الكنيسة للصلاة والدعاء".

تتابع: "سنجتمع كعائلة في ليلة الميلاد حول مأدبة عشاء، لكن للأسف هناك عائلات غير قادرة على ذلك نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وقد تكتفي عدد من الأسر ببعض الأصناف الغذائية المحدودة على طاولة الميلاد".
من جهته، يشير ماريو إلى أنه تعمد شراء حاجات العيد قبل شهر تقريباً كي يتفادى الارتفاع الجنوني في الأسعار خلال فترة الأعياد. ويضيف: "كلفتني شجرة الميلاد 550 دولاراً أميركياً، ناهيك عن ثمن الزينة الذي بلغ تقريباً 320 دولاراً. أما المغارة فموجودة في منزلنا، واضطررت إلى تخصيص جزء من راتبي لشراء هدايا العيد، والتي اقتصرت على أفراد العائلة الصغيرة". 
ويرى أن "الأوضاع متفاوتة بين العائلات والمناطق، فالمقتدرين والأشخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة يعيشون أجواء العيد، ويقصدون المراكز التجارية، رغم انزعاجهم من التطورات في جنوب البلاد والحرب في غزة. لكن من الملاحظ غياب أجواء العيد المعتادة، إذ تغيب الزينة والإضاءة عن معظم الشوارع، واللافت هذه السنة مبادرة العديد من اللبنانيين إلى الشراء من المؤسسات والمشاريع الصغيرة والناشئة".

المساهمون