ميزانيات البحث العلمي ضعيفة في تونس

12 ديسمبر 2022
تؤثر ميزانيات البحث العلمي الضعيفة على نوعية الخريجين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يتوجه محمد يومياً منذ نحو سنتين إلى جامعة المنار لإنجاز بحوثه العلمية في الجيولوجيا. يسابق الزمن لإنجاز أطروحة الدكتوراه هذا العام تمهيداً للالتحاق بصفوف المدرسين الجامعيين العام المقبل.
يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تمنح كلّ باحث منحة للبحث العلمي بحسب تخصصه لا تتجاوز غالباً 400 دولار سنوياً، وهذا مبلغ لا يفي بأيّ غرض في ظل فقدان العديد من التجهيزات في مختبرات البحث. ولا يقتصر الأمر على جامعة محددة أو اختصاصات معينة، لا سيما أنّ الميزانيات المخصصة للبحث العلمي تشهد تراجعاً من سنة إلى أخرى بسبب تراجع الميزانية التي ترصدها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عموماً". 
كذلك تمنح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للطالبة رحمة منحة تناهز 380 دولار سنوياً تحصل عليها على دفعات خلال عام كامل لإنجاز رسالة دكتوراه في البيولوجيا. وتقول لـ"العربي الجديد": "ميزانية البحث العلمي في تونس ضعيفة جداً مقارنة بما ينفق في دول أخرى، ما يُؤثر على قيمة البحوث العلمية في تونس في كل الاختصاصات، كما أنّ غالبية الأساتذة والباحثين اختاروا الهجرة لاستكمال أبحاثهم العلمية وإعداد أطروحاتهم بعد الالتحاق بجامعات في الخارج، خصوصاً في دول أوروبية". 
تضيف: "انتقل يومياً على نفقتي الخاصة إلى العاصمة، وأوفر بنفسي معدات ومواد يحتاجها بحثي العلمي، وبدلاً من أن أنهي أبحاثي خلال سنتين فقط  اضطررت إلى انجاز بحثي العلمي في أربع سنوات، بسبب النقص الذي تعاني منع غالببة المختبرات العلمية في الجامعات، وضعف الميزانية التي اتلقاها على دفعات بسيطة سنوياً التي لا تسمح لأي باحث أو أستاذ جامعي بإنجاز بحوثه في وقت قصير". 
وفي كل سنة دراسية، يُطالب الأستاذة الجامعيون بضرورة تحسين منحة البحث العلمي، وتجهيز المختبرات بكل المعدات الضرورية وصيانتها، كما تُنفذ نقابات التعليم العالي احتجاجات سنوية في مناطق عدة للمطالبة بتحسين أوضاع الجامعات، ورد الاعتبار إلى الأساتذة الجامعيين، وتسوية أوضاع غالبيتهم وزيادة ميزانيات البحث العلمي. 
ودعت أخيراً الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، في رسالة وجهتها إلى الرئيس التونسي قيس سعيد إلى "إجراء إصلاحات عاجلة في القطاع، بعدما تسبب وضع البلاد في تراجع الميزانيات المرصودة للتربية والتعليم، وتردّي المكانة الاجتماعية للجامعييّن وظروف عملهم في شكل ملحوظ، وكذلك إلى تدهور قدراتهم الشرائية، ما أدى إلى انعدام جاذبية مهنة التدريس الجامعي والبحث، وهجرة الكفاءات الجامعية".

اختار أساتذة وباحثون الهجرة لإستكمال بحوثهم العلمية وإعداد أطروحاتهم (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
اختار أساتذة وباحثون الهجرة لإستكمال بحوثهم العلمية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وأعلنت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في بيانها الموجه مغادرة نحو ألفي أستاذ جامعي من مختلف الرتب منذ عام 2014، ما يمثل أكثر من 18.5 في المائة من إجمالي المدرّسين الباحثين في هذه الرتب". وطالبت بضرورة فتح باب الحوار مع المتخصصين والنقابات لإيجاد حلول للقطاع بصفة عامة. 
وقد تراجعت الميزانية التي جرى رصدها لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي من 7 في المائة من إجمالي ميزانية الدولة عام 2012 إلى 4.9 في المائة في السنوات الأخيرة. 
وتذهب نحو 70 في المئة من ميزانية وزارة التعليم العالي لتسديد الأجور، فيما تقدر الاعتمادات الخاصة بالاستثمار في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بحوالى 55 مليون دولار، أي نحو 9.5 في المائة من إجمالي ميزانية الوزارة، ويخصص 7 ملايين دولار فقط للبحث العلمي وتطوير الانتاج.

كما يبلغ عدد مختبرات البحث العلمي في تونس حوالى 280، وفق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي تفتقد التجهيزات المتطورة الضرورية التي تتطلب الصيانة سنوياً، إلى جانب غياب أي معدات بسيطة من أوراق وأقلام ومواد كيمائية وتجهيزات علمية قد يحتاجها مئات من الباحثين في تونس، بحسب ما يوضح نجم الدين جويدة، المنسق العام الوطني لاتحاد الاساتذة الجامعيين، مضيفاً أن "غالبية هذه المختبرات مجرّد  قاعات مجهزة ببعض المعدات العادية التي لا تفي بالغرض في العديد من الأبحاث العلمية، ما يضطر بعض الأساتذة إلى تجهيز غالبية المختبرات بأنفسهم وعلى نفقتهم الخاصة، وتوفير متطلبات إنجاز البحوث العلمية بحسب اختصاصاتهم". 
ويؤكد جويدة أنّ "الجامعة التونسية عموماً شهدت خلال السنوات الأخيرة تهميشاَ كبيراَ على غرار ما حصل في قطاع التربية والتعليم بسبب ضعف الميزانيات، وهو ما أدى إلى هجرة آلاف الأساتذة الجامعيين نحو الجامعات الأوروبية خصوصاً، وبالتالي إلى تراجع ونقص البحث العلمي في تونس. وسبق أن نبهت كلّ نقابات التعليم العالي إلى ضرورة تحسين أوضاع الجامعات، خصوصاً بعد تراجع الجامعة التونسية في التصنيف العالمي بسبب تراجع مستوى البحث العلمي، وهجرة آلاف الأساتذة والباحثين مقابل بطالة آلاف الأساتذة الجامعيين أو تشغيلهم بعقود مؤقتة". 

المساهمون