يضع الموظف في السلطة الفلسطينية تيسير الكرد يده على رأسه حزناً على ما آلت إليه ظروفه وظروف المئات من أقرانه الموظفين الذين امتلأت بهم خيمة الاعتصام التي أقامها موظفو تفريغات 2005 وسط ساحة السرايا بمدينة غزة، من أجل المطالبة بحقوقهم الوظيفية والمالية أسوة بنظرائهم الذين تم تعيينهم بالقرار ذاته في الضفة الغربية قبل أكثر من 16 عاماً.
و"تفريغات 2005" موظفون عسكريون تم تعيينهم قبل أحداث الانقسام الفلسطيني بقرار من الرئيس محمود عباس، حيث كان عددهم منذ الأيام الأولى للانقسام 12 ألف عنصر موزعين على غالبية الأجهزة الأمنية حتى انخفض عددهم الآن ليصل إلى 8 آلاف عنصر بعد انضمام عدد منهم للعمل في أجهزة الأمن التابعة لحكومة غزة.
ومنذ أحداث الانقسام عام 2007، قطعت السلطة الفلسطينية رواتب هؤلاء الموظفين لمدد مختلفة، تراوحت بين 4 أشهر وحتى عام ونصف، ثم عادت لتصرف لهم راتباً مقطوعاً بقيمة 1500 شيكل (نحو 450 دولارا) فقط تحت بند منحة اجتماعية.
ويقول الكرد (37 عاماً)، وهو أب لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد"، اليوم الإثنين، إنّه حرم نفسه من وظيفة رسمية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بسبب انتمائه لعمله كموظف عسكري في جهاز الاستخبارات العسكرية آنذاك.
ويشير إلى أنّه تخرج من الجامعة في عام 2005 بدرجة امتياز حيث كان ترتيبه الثاني على دفعته، قبل أن يتقدم لامتحان الوظيفة في الوكالة الذي نجح فيه بامتياز، ولكنه آثر الاستمرار بالعمل في الأجهزة الأمنية حتى وقعت أحداث الانقسام، فكان مصيره التجاهل والحرمان من الحقوق الوظيفية والمالية من السلطة.
ويحمل أكثر من 1200 عنصر من "تفريغات 2005" الشهادات العلمية العليا في تخصصاتٍ مختلفة، وخاصة تخصص الحقوق الذي كان يمكن أن يمنحهم رتباً عالياً في الأجهزة الأمنية، ويتعرض هؤلاء الموظفون لحرمان من مزاولة مهن تخصصاتهم بحجة العمل كموظفين عسكريين في السلطة الفلسطينية.
وفي الخيمة ذاتها، كان الموظف إبراهيم زينو (44 عاماً)، وهو أب لعشرة أبناء، يتفقد الأوراق التي تثبت تلقيه أكثر من راتب قبل وقوع أحداث الانقسام الفلسطيني، مبيناً أنّه جرى استيعابه كالعشرات من الموظفين ضمن حالة خاصة توجت بقرار من الرئيس عباس في الأول من إبريل/ نيسان لعام 2005، والذي نص على استيعاب الحالات النضالية التابعة للأذرع العسكرية لفصائل منظمة التحرير في الأجهزة الأمنية.
ويقول زينو لـ"العربي الجديد"، إنّه كان هناك التزام كبير من أصحاب هذه الحالات لتسليم سلاحهم للسلطة وتعويضهم عنه إذا ما كان على نفقتهم الخاصة مقابل وقف ملاحقتهم ومطاردتهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وعلى هذا الأساس جرى دمجهم في الأجهزة الأمنية، ولكن سرعان ما تبدلت الأمور بأحداث الانقسام وحرموا من أبسط حقوقهم.
ويشير زينو إلى أنّه محروم كغيره من حقوقه كعسكري وحتى من حقوقه المدنية أيضاً، ومحروم من ممارسة حقوقه كمواطن، موضحاً أنّه حاول العمل على سيارة أجرة من أجل توفير لقمة عيش أبنائه ولكنه تعرض للمحاكمة العسكرية من قبل الجهات الحكومية في غزة بحجة أنّه مسجل كموظف عسكري في أجهزة السلطة الفلسطينية.
ويُحرم الموظف سامح شاهين (40 عاماً)، من إدراج ابنه من ذوي الإعاقة على بند الحالات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية، بحجة أنه أيضاً مسجل كموظف عسكري رسمي في السلطة الفلسطينية.
ويقول رامي أبو كرش، رئيس اللجنة الوطنية لموظفي الأجهزة الأمنية تعيينات 2005، إنّ المطالبة بحقوق الموظفين لم تتوقف منذ بداية الانقسام قبل 14 عاماً، ولكنها باتت الآن فرصة ملحّة أكثر للمطالبة بالحقوق في ظل الحديث عن انتخابات جديدة قادمة.
ويطالب أبو كرش، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، السلطة الفلسطينية بالتعامل مع تفريغات 2005 كموظفين رسميين أسوة بإخوانهم الموظفين في السلطة، وضرورة صرف مستحقاتهم المالية، مبيناً أنّ هؤلاء الموظفين يحملون أوراقاً قانونية تثبت كل ما يتحدثون عنه.
ويطالب موظفو "تفريغات 2005"، الذين يرتادون خيمة الاعتصام وسط ساحة السرايا بمدينة غزة، بأدنى حقوقهم، وهو الأمان الوظيفي والاعتراف بهم كموظفين رسميين دون أي تمييز أو تجاهل حسب الأصول القانونية المتبعة، مطالبين كذلك بضرورة تقديم التأمين الصحي لهم كافة أسوة بغيرهم من موظفي السلطة حسب القانون.