موجة الحرّ تواصل هجومها جنوبي أوروبا... والأسوأ لم يأت بعد

18 يوليو 2023
أصبح الوضع في عدد من المدن في حالة "تأهب قصوى" (Getty/فرانس برس)
+ الخط -

دخلت مناطق جنوب القارة الأوروبية أسبوعاً آخر من موجة الحرّ الشديدة. أصبح الوضع في عدد من مدنها في حالة "تأهب قصوى"، كما في 16 مدينة إيطالية، بينما تبحث إشبيلية الإسبانية عن أي ظل يقي الناس الارتفاع الجنوني لدرجات الحرارة.

خبراء في مجال البيئة والتغيرات المناخية لا يفصلون بين المشاهد الكارثية بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في كندا وأميركا، وتلك التي تعرفها دول حوض المتوسط جنوبي القارة الأوروبية.

الموجة الحارة تضرب ملايين الأميركيين، إذ وصلت درجات الحرارة إلى ما فوق 43 مئوية في فينيكس بأريزونا لليوم السابع عشر على التوالي، و52 درجة في حديقة وادي الموت الوطنية الواقعة في صحراء كاليفورنيا، وبلغ استخدام الكهرباء للتكييف في تكساس مستوى غير مسبوق، يقابله ذات القدر من الحرارة التي لا تطاق في بعض أنحاء أوروبا. صباح أمس الاثنين كانت الحرارة في جنوب إسبانيا تجاوزت الأربعين مئوية، وتصل ليلا إلى 24 درجة.

ويتوقع خبراء الأرصاد استمرار الموجة الحارة في الأسبوع القادم، وأن تسجل الحرارة رقما قياسيا يتجاوز ما سجلته جزيرة صقلية في جنوب إيطاليا العام الماضي، والذي وصل إلى 48.8 درجة مئوية، على أن تضرب الموجة في الجزيرة  نفسها وفي سردينيا.

وطُلب من الإيطاليين الاستعداد لأسوأ موجة حرارة مسجلة هذا الأسبوع، مع فرض حالة تأهب قصوى في 16 مدينة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك فلورنسا في الشمال وروما في الوسط وباري وباليرمو وكالياري في الجنوب. وحذرت السلطات من البقاء في الهواء الطلق بين الساعة 11 قبل الظهر والسادسة مساء، وتحث المواطنين على الاهتمام بكبار السن والمواطنين الأكثر ضعفا.

جاءت موجات الحر في إيطاليا فجأة بعد ربيع شهد فيضانات في عدة أماكن في شمال البلاد ودرجات حرارة كانت أقل من المعتاد.

وفي إسبانيا تسجل إشبيلية أكثر من 46 درجة، وستكون أمام عواقب وخيمة "ستحولها إلى صحراء"، بحسب ما ذهب خبير الأرصاد في خدمات الطقس البريطانية، جيم دايل.

وبالفعل أدخلت السلطات المحلية في تلك المدينة الإسبانية تغييرات تحت مسمى "سياسة الظل"، على أن تشمل من بين أمور أخرى تركيب المظلات في العديد من الأماكن. وقال رئيس بلدية إشبيلية أنطونيو مونيوز أمس الاثنين إن سياسة الظل "واحدة من الإجراءات التي يتعين علينا القيام بها فورا، هذا إذا أردنا أن نكون قادرين على استخدام الشوارع والسماح للأطفال بالخروج من المنازل أو ذهاب الناس للتسوق، أو حتى الجلوس في الخارج". وتخطط المدينة لزراعة 5 آلاف شجرة إضافية سنويا. وجرى إدخال قواعد جديدة في قطاع البناء لأجل استخدام بعض المواد العاكسة للحرارة، وتثبيت نوافير لتبريد الناس. ويموت عادة في إسبانيا آلاف البشر سنويا، وخصوصا من كبار السن والضعفاء صحيا بسبب ظاهرة الاحترار المتكررة.

حرائق أوسع

إذا كانت الحرائق في كندا وصفت بأنها "عنيفة جدا"، في ظاهرة مستجدة في البلد الثلجي في شمال أميركا، وأحرقت أكثر من عشرة ملايين هكتار، وتقدر المساحة المتضررة بحجم البرتغال، إذ تم إجلاء أكثر من 150 ألف شخص، فإن الحالة لا تبدو أفضل في أوروبا.

كانت جزر الكناري على موعد مع تلك الحرائق، واضطر آلاف السكان والسائحين من الذين يقضون عطلاتهم إلى الابتعاد عن لا بالما، ويصارع رجال الإطفاء منذ السبت للسيطرة على حرائق الغابات التي تجتاح شمال الجزيرة.

أمس الاثنين، قالت السلطات المحلية إن الظروف المناخية المواتية تساعد في تحسين الوضع، لكن في غضون أيام قليلة، تسببت موجة الحر في خسائر فادحة: "تم إجلاء أكثر من 4000 ساكن وتأثرت مساحة تبلغ حوالي 4650 هكتارا". وكان ثورانا بركانيا في 2021 أجبر الآلاف من الناس على الفرار ودمر أكثر من 2000 مبنى في لا بالما.

اليونان هي الأخرى كانت على موعد جديد مع حرائق تضرب غاباتها في منطقتي كوفاراس وكاليفيا وتصفها السلطات بأنها "خارجة عن السيطرة". وتقع تلك المناطق على بعد حوالي 35 كيلومترا جنوب العاصمة أثينا، والتي تعد، بالإضافة إلى سكن ما يقرب من 3.8 ملايين نسمة، وجهة سياحية مفضلة.

خبراء التغيرات المناخية يرونها مع الارتفاع الكبير في الحرارة في مناطق مختلفة عالميا، وتزايد ظواهر التطرف المناخي وتغير الطقس، أدلة على حقيقة الاحترار العالمي.

عالم المناخ الدنماركي سيباستيان ميرنيلد من جامعة جنوب الدنمارك يرى في تعقيب على ما يجري أن "الشيء المؤكد أن الحرائق مشروطة بدرجات حرارة عالية وقلة هطول الأمطار". ويشدد هذا الباحث على أن الأمر سيتطور مستقبلا نحو الأعنف، بالتزامن مع حدوث ظواهر الطقس المتطرف.

تأثر عدد كبير من دول العالم من ظاهرة الاحتباس الحراري وانتشار الجفاف، وخصوصا في دول الجنوب الفقيرة، تستمر مع استمرار تملص الدول من التزاماتها للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية وحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض بـ1.5 درجة، منذ اتفاقية باريس المناخية.

 وسافر الأحد الماضي المبعوث الأميركي الخاص بالمناخ، جون كيري، إلى بكين على أمل استئناف مفاوضات المناخ مع الصينيين. حيث يُعد البلدان أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم ويشكلان معا ما يقرب من 40 في المائة من مجموع الانبعاثات العالمية. وأشار الخبراء مرارا إلى أن أزمة المناخ لا يمكنها انتظار تحسين العلاقات بين البلدين. لكن في الوقت نفسه، يشك محللون وخبراء في أن تسفر الزيارة عن أي نتائج ملموسة.

وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في الأمم المتحدة (WMO) ، ستشتد موجة الحر في منتصف هذا الأسبوع. متوقعة استمرار موجة الحر حتى أغسطس/آب في بعض الأماكن.

ولا تتجلى الظروف الجوية العنيفة فقط من خلال الحرارة الشديدة. في كوريا الجنوبية، يتأثرون حاليا بالفيضانات الهائلة. غمرت الأمطار الغزيرة أجزاء من البلاد، وفقد العشرات حياتهم.

دفع الدمار الهائل رئيس البلاد، يون سوك يول، إلى التحذير من أن أزمة المناخ جعلت الآن الظروف الجوية القاسية حقيقة واقعة. معتبرا أنه "سيصبح هذا النوع من الظروف الجوية القاسية شائعا".

تحذير أممي

من جهتها، أعلنت الأمم المتّحدة، الثلاثاء، أنّه ينبغي على العالم أن "يستعدّ لموجات حرّ أكثر شدّة"، في تحذير يتزامن مع موجة حرّ شديد يعاني منها سكّان النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

وفي تصريح للصحافيين في جنيف قال جون نيرن، المستشار الرفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إنّ "شدّة هذه الأحداث ستستمرّ في الازدياد، وعلى العالم أن يستعدّ لمزيد من موجات الحرّ الأكثر شدّة".

فيما أفادت وكالة الفضاء الأوروبية، أمس، بأن أوروبا قد تسجّل هذا الأسبوع أعلى درجة حرارة فيها على الإطلاق تحديدًا في جزيرتَي صقلية وسردينيا الإيطاليتَين حيث من المتوقّع أن تصل الحرارة إلى 48 درجة مئوية، وفقاً لما أفادت أمس وكالة "فرانس برس".

وقال مدير وكالة الأمم المتحدة للأرصاد الجوية والمناخ بيتيري تالاس، الاثنين، إن "أحوال الطقس القصوى (...) تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصادية والزراعية والطاقوية والموارد المائية".

وتابع: "هذا الأمر يسلّط الضوء على الضرورة الملحّة بشكل متزايد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأسرع وقت وبأقصى قدر ممكن".

لمعرفة أحوال الطقس اليوم في بلدك ودرجات الحرارة المتوقعة خلال الأيام المقبلة، تابعنا هنا: حالة الطقس اليوم.

المساهمون