مواليد العالم... واقع متناقض للنقص والنمو

19 سبتمبر 2021
المواليد سلاح الدول المتقدمة لإبقاء التفوق (شيلدون كوبر/ Getty)
+ الخط -

خلال يونيو/ حزيران الماضي، سمحت الصين، البلد الأكثر احتضاناً للسكان في العالم، برفع عدد الأطفال الذين ينجبهم المتزوجون الجدد إلى ثلاثة، بعدما كانت حددت سقف الولادات بطفلين في العائلة الواحدة، وذلك إثر عقود من تطبيقها سياسة "الطفل الواحد" قبل أن تعرف نموها الاقتصادي الهائل الحالي، في مقابل تعرضها لمجاعات وكوارث كثيرة. وتدرك الصين أن رفع عدد الولادات ضروري لقلب تراجع عدد مواطنيها الذين باتت تراهن عليهم للحفاظ على تفوقها في المستقبل. 
واليوم، لا تخوض الصين وحدها تجربة التراجع في عدد الولادات، التي تشكل ظاهرة عالمية في مجتمعات تشهد تقدماً كبيراً. في المقابل، تشكو دول عدة من تزايد الولادات، مع تسجيل وقائع كثيرة لتراجع العدالة الاجتماعية، وعجز بعض الحكومات عن مواكبة الاستثمار في الموارد البشرية.
وكان تقرير نشرته الأمم المتحدة عام 2015 عن مستقبل البشرية توقع ارتفاع عدد سكان العالم إلى 11.2 مليار شخص بحلول عام 2100. وحذر من أن "عدم اعتماد الحكومات سياسات اجتماعية وإنتاجية مناسبة، وتجنب دول التوزيع العادل للثروات، وتجاهل المشكلات الناتجة عن التغيّرات المناخية والصراعات والحروب، ستزيد الفقر والمجاعة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

 
أرقام "النجاة"
تشير أبحاث خاصة إلى تراجع معدل ولادات المرأة الواحدة من 2.5 إلى 1.9 طفل، "ما يعني أن مجتمعات كثيرة تسلك الطريق نحو الشيخوخة، علماً أن مركز "بيو" للبحوث كان قد كشف في دراسة أجراها عام 2019 أن دولاً تحتاج إلى عكس المعدلات السلبية من أجل النجاة". والحقيقة أن خفض نسبة ولادة المرأة الواحدة إلى أقل من 2.1 طفل لا ينعكس سلباً فقط على بقاء الأمم على المدى البعيد، بل على حفاظها على رفاهية مجتمعاتها وبناها التحتية، خصوصاً في دول تعتبر تنمية البشر العامل الأهم للتقدم". واللافت أن الأرقام الواردة في دراسة معهد "بيو" وتقرير الأمم المتحدة تستثني القارة الأفريقية من التراجع في عدد الولادات، في حين تورد أن "حظوظ دول مثل إيطاليا واليابان والصين والمجر، وأخرى في شمال أوروبا، ليست كبيرة في مضاعفة عدد مواطنيها في نهاية القرن الحالي". 

معدلات "غير مطمئنة"
وفي توضيح للتحديات الكبيرة التي تواجه مجتمعات الرفاهية، تشير أرقام الدراسات إلى أن الأشخاص الذين سيتجاوزون سن الـ65 سيشكلون غالبية بحلول عام 2064، حين يتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى حوالى 9.7 مليارات، في مقابل تراجع عدد أولئك الذين لا يتجاوزون سن الـ15 في 2073 إلى معدلات "غير مطمئنة".
ويرى أستاذ الصحة العالمية في جامعة كوبنهاغن، فليمنغ كونرادسن، أن "متوسط عدد الأطفال المولودين ينخفض بوتيرة متسارعة جداً في كل مكان في العالم تقريباً". ويعلّق على انعكاسات التناقص الذي تشهده دول أوروبية في عدد الولادات بأنه سيتسبب في مشكلات لأنظمة الخدمات الصحية، خصوصاً في ظل تراجع عدد الموظفين المدربين على رعاية المسنين، الذين يشكلون الفئة الأكبر حجماً لانتشار أمراض الخرف والسرطان. كما سيؤثر هذا التناقض سلباً في النمو الاقتصادي، باعتبار أن عدد الملتحقين بسوق العمل سيتقلص في مقابل تزايد عدد المتقاعدين، ما يعني تراجع الإنتاج". 
وإلى جانب الصين، تقرأ دول عدة الانعكاسات السلبية المحتملة لتراجع عدد الولادات، وبينها اليابان التي تجاوز العام الماضي عدد سكانها الذين يبلغون أكثر من 60 عاماً أولئك الشباب، علماً أنها تواجه أيضاً مشكلة تزايد التحاق الشابات بالجامعات واستغراق تحصيلهن العلمي سنوات طويلة، ما يخفّض معدلات إنجابهن، أو يتسبب حتى في عدم إنجابهن". 

الولادات ستتزايد في الدول الأكثر فقراً (أنيس لين/ Getty)
الولادات ستتزايد في الدول الأكثر فقراً (أنيس لين/ Getty)

تحفيز "قومي"
واللافت أن سياسيين قوميين يحاولون تحفيز شعوبهم على الإنجاب. على سبيل المثال، يشجع رئيس الوزراء المجري القومي المحافظ فيكتور أوربان، منذ سنوات، الفتيات على الزواج والأمهات على إنجاب عدد أكبر من الأطفال، عبر تقديم حوافز ضريبية ومالية، بعضها لمدى الحياة، للنساء اللواتي ينجبن ثلاثة أطفال أو أكثر. وفي دول أخرى مثل إيطاليا، حيث يقل معدل ولادات المرأة الواحدة عن 2.1 طفل، يثير سياسيو الأحزاب المتشددة المشاعر القومية بتحذيرهم من أن "الأمة ستواجه ضعفاً كبيراً في المستقبل في حال عدم رفع نسبة إنجاب كل امرأة إلى 1.9 طفل". ويشمل ذلك الدنمارك أيضاً، التي تعاني من تدني نسبة الولادات، ما يحتم تنامي دعوات سياسييها إلى عكس هذه المعدلات "من أجل ضمان مستقبل الرفاهية، وتقدم الدولة". 
والعام الماضي، نشرت مجلة "لانسيت" دراسة مفصلة أعدها باحثون في جامعة واشنطن عن نسب الولادات والخصوبة في 195 بلداً. ولاحظت انخفاض النسبة إلى أقل من 1.3 طفل لكل امرأة في بعض الدول، "ما يحتّم قرع جرس الإنذار حول مستقبلها". وشرحت الدراسة ذاتها أن "ارتفاع عدد سكان الأرض إلى حوالي 9.7 مليارات بعد نحو 40 سنة، سيتطلب تطبيق حكومات الدول التي يتراجع فيها عدد الولادات سياسات مختلفة". كما طرح الباحثون في الدراسة "دور المهاجرين المهم في تعزيز نمو الدول الثرية، وكسر المنحنى السلبي للخصوبة". وتتوقع الدراسات أن تتركز الزيادة السكانية المرتقبة عام 2064 على الدول الأقل تقدماً، خصوصاً الأفريقية منها التي يرجح أن تكون الأكثر اكتظاظاً بعد الهند، "ما يزيد الضغوط الكبيرة على الموارد والمناخ، في ظل عدم انتهاج حكومات هذه الدول سياسات تراهن على التنمية البشرية وتطوير الاقتصاد وتنويعه". 

رعاية المسنين همّ كبير في أوروبا (إينا بوروديفا/ Getty)
رعاية المسنين همّ كبير في أوروبا (إينا بوروديفا/ Getty)

الأرض عبر التاريخ 
تكشف أرقام دراسات أن سكان الأرض بلغوا المليار عام 1800، وأن معدلات الزيادة تصاعدت منذ ذلك الحين، وصولاً إلى مليار شخص كل 12 إلى 13 سنة منذ عام 1960. ويعني ذلك أن بلوغ رقم 8 مليارات سيحصل خلال أقل من 10 سنوات، وأن العدد سيتضاعف بحلول نهاية القرن الحالي. وتتوقع الدراسات أن يرتفع عدد سكان أفريقيا إلى حوالى 4.7 مليارات بحلول العام 2050، وأن يفوق عدد سكان نيجيريا أولئك في الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعلها ثالث أكبر دولة في العالم على صعيد عدد السكان. ويورد تقرير للأمم المتحدة أن "دولاً عدة ستشهد مشكلات عدة على صعيد احتياجات أسواق العمل"، محذراً من أن "سياسة الهجرة ليست الحل، في حين ستكرّس مسألة تركز النمو السكاني في البلدان الأكثر فقراً مظاهر غياب المساواة وانتشار الجوع وسوء التغذية". 
وعلّق رئيس قسم السكان والشؤون الاقتصادية والاجتماعية في المنظمة الدولية، جون ويلموث، بالقول إن "التقرير يشير إلى الحاجة الماسة إلى تغيير سياسة الدول الأكثر فقراً، من أجل القضاء على عدم المساواة وتحسين التوظيف والتعليم والنظم الصحية، في سبيل مواجهة مخاطر الجوع وسوء التغذية". 
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الانكماش الأوروبي في عدد الولادات "سيكون ملحوظاً، إذ يرجح أن ينخفض الرقم من حوالي 707 ملايين بحلول 2050 إلى نحو 645 مليوناً في نهاية القرن الحالي، ما يعني أن سكان أوروبا لن يشكلوا إلا نسبة واحد مقابل كل عشرين شخصاً حول العالم". 
عموماً، تراجعت معدلات الخصوبة الأوروبية على مدار العقدين الماضيين، وصولاً إلى نسبة متوسطة هي 1.6 طفل للمرأة الواحدة، وهو أقل من المعدل العالمي المطلوب للحفاظ على السكان والمقدر بحوالى 2.1 طفل لكل امرأة. 

وتشير تقديرات إلى أنه حتى إذا حققت القارة الأوروبية المعدلات المطلوبة بحلول منتصف القرن الحالي، من خلال بذل جهد جماعي ومحاولة الإفادة من المهاجرين الموجودين على أراضيها، التي لا بدّ أن تلحظ عدم استقبال مزيد منهم وصرف ما يكفي لتطويرهم وتأهيلهم كجزء من المجتمعات، فلن يكفي ذلك لإبطاء انخفاض تراجع السكان في أوروبا. ولا بدّ من الإشارة إلى أن خفض الخصوبة والعمر الوسطي الأطول المتوقع لتغيير مظهر العمر الخاص بالقارة الأوروبية، يزيد عدد كبار السن فيها. وبالتالي، يتوقع أن تنمو نسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً من نحو 25 في المائة حالياً إلى نحو 35 في المائة عام 2100. وعلى سبيل المثال، سيرتفع متوسط العمر المتوقع في الدنمارك من 80 حالياً إلى 90 في نهاية القرن.

المساهمون