شعرت الأوكرانية ألينا دينيسيوك، المتحدرة من مدينة خيرسون جنوب أوكرانيا، بآلام المخاض في 25 فبراير/ شباط الماضي، أي ثاني أيام الغزو الروسي لأوكرانيا، وأنجبت طفلها عند الساعة السابعة مساء تقريباً وسط احتدام القصف الروسي على المدينة. وأصبحت دينيسيوك واحدة من بين أكثر من 15 ألف امرأة أوكرانية أنجبن مواليدهن خلال الحرب منذ بدأت في 24 فبراير/ شباط الماضي.
تروي دينيسيوك تجربتها قائلة في حديث لـ "العربي الجديد": "لا أريد تذكر ذلك مرة أخرى. كانت هذه التجربة مروعة وأليمة للغاية. يستحيل وصف آلام المخاض وإنزالي إلى قبو. كدت ألد أثناء سيري على الأقدام. بالإضافة إلى الألم، شعرت بالرعب بسبب استمرار القصف على المدينة".
وفي نهاية الأمر، أنجبت دينيسيوك ابنها في قبو مستشفى مقاطعة خيرسون، وهما بصحة جيدة اليوم، وتشعر بالامتنان للطاقم الطبي، قائلة: "لست الوحيدة التي أنجبت في تلك الساعات. أكرمني الله بطبيبة ماهرة جداً كانت إلى جواري طوال الوقت، فتمكنت من الإنجاب".
امرأة أوكرانية أخرى تدعى أولغا، قررت مغادرة كييف باتجاه غرب أوكرانيا برفقة زوجها خوفاً من الحرب، إلا أن آلام المخاض بدأت خلال سفرها، لكن تسنى نقلها إلى أحد مستشفيات مدينة لفيف غرب البلاد، حيث أنجبت مولودها.
عدم جهوزية
وخلال الأيام الأولى من الحرب، واجهت دور ولادة كثيرة مشاكل في ظل عدم توفر المعدّات في الأقبية. ولم يتوقع كثيرون أن تبدأ روسيا القتال. ويصف طبيب الأمراض النسائية والتوليد في مستشفى مقاطعة خيرسون، يوري غيرمان، الوضع عند بدء الغزو الروسي، قائلاً في حديث لـ "العربي الجديد": "تخيلوا مسطحاً بارداً لا يصلح إلا للاختباء من القصف. لكن مثل هذه الأماكن تؤوي حوامل ونساء ينجبن"، لافتاً إلى أن بعض النساء أنجبن قبل الأوان. في مثل هذه الظروف، لا مجال للحديث عن الولادة الآمنة".
وحول كيفية التصرف في الحالات الطارئة أثناء القصف، يقول: "في حال الحاجة لإجراء عملية جراحية، نضطر للخروج من القبو وتعريض أنفسنا للخطر حتى لا تموت امرأة أثناء الولادة في القرن الـ 21". لكن في ظروف الحرب، لا تتوفر الخدمات الطبية دائماً. في خيرسون مثلاً، لم يكن في إمكان النساء الوصول إلى المستشفى خلال الأيام الأولى بسبب عرقلة القوات الروسية حركة مرور طواقم الإسعاف. ويتذكر غيرمان هذا الوضع، قائلاً: "وضعت نساء مواليد في منازلهن، وكن يسألن عبر الهاتف عن كيفية قطع الحبل السري".
استمرار عمل المستشفيات
بعد مرور نحو شهر ونصف الشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا واندلاع أعمال القتال في العديد من المدن، ما زالت دور التوليد الأوكرانية تواصل عملها. ويقول مدير مركز كييف للتوليد وطبيب الأمراض النسائية والتوليد فياتشيسلاف كامينسكي، في حديث لـ "العربي الجديد": "أجريت بعض عمليات الولادة في قاعات التوليد وغرف العمليات، لكن كنا ننزل جميعاً إلى القبو في حال سماع أصوات الإنذار. كما كنا نضطر للنزول مرات عدة خلال النهار وأحياناً أثناء الليل بسبب استهداف مواقع مدنية ودور ولادة ومستشفيات".
تكيف مع الوضع
في الوقت الحالي، أصبحت غالبية الأقبية مهيأة للنساء الحوامل وبتن يحصلن على الخدمات الطبية اللازمة. وعلى الرغم من أن الأطباء والمتطوعين يحاولون تنظيم عمل مستشفيات الولادة، إلا أن التوتر الدائم يؤثّر سلباً على الحالة الصحية للحوامل والمواليد على حد سواء.
وتشرح رئيسة قسم أمراض النساء بمعهد طب الأطفال والتوليد وأمراض النساء التابع للأكاديمية الوطنية الأوكرانية لعلوم الطب، ناتاليا سكريبتشينكو، خلال حديثها لـ "العربي الجديد": "نجري عمليات الولادة لنساء مصابات بأمراض القلب والسكري وأمراض الغدد الصماء، وأخريات اختبرن ما بين خمس وسبع حالات حمل غير ناجحة وحالات إجهاض".
وتتساءل سكريبتشينكو: "هل تعلمون ماذا يعني أن تسمع المرأة الحامل أصوات الانفجارات؟ روت نساؤنا من مدينتي بوتشا وإربين كيف كان يتم قتل الناس والأطفال أمام عيونهن دون السماح حتى بدفن القتلى. شعرن بعذاب كبير".
وتلفت إلى أن المستشفيات الأوكرانية أصبحت أكثر تهيئة للعمل في ظروف القتال، مضيفة: "عقمنا الأقبية والطوابق الأرضية، وأنزلنا طاولة التوليد وأمنّا الإضاءة. أحضر المتطوعون مولداً للكهرباء والوقود، وساعدونا في توفير الأدوية والمعدات. على الرغم من حالة الخطر، إلا أن العديد من الموظفين بقوا في كييف ويواصلون تسيير العمل المتكامل لمعهدنا. لم أتوقع يوماً أن تتحد أمتنا بهذا الشكل".
وتشير إلى أن غالبية المستشفيات تتوفر فيها الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية اللازمة، بفضل عمل المتطوعين. وتوضح أن بعض المرضى السابقين من فرنسا وبولندا والمجر يقدمون مساعدات كثيرة، قائلة: "يسألوننا عما نحتاجه، فأخبرهم بأننا نحتاج فقط إلى إغلاق الأجواء، يتوفر لدينا كل شيء. لكن ما نحتاجه هو السلام".
الطب عن بعد
خلال الأسبوع الثاني من الحرب، اضطرت طبيبة الأمراض النسائية والتوليد أولغا دوبينكو، إلى مغادرة مدينة بوتشا المحتلة في ذلك الوقت والخروج من مقاطعة كييف باتجاه غرب أوكرانيا، وهي تقدم اليوم استشارات للحوامل عبر الهاتف والفيديو.
وتشرح دوبينكو الوضع الراهن، قائلة لـ"العربي الجديد": "إذا بدأ المخاض ويتعذر على المرأة الحضور إلى المعهد، سنسعى لتحويلها إلى زملائنا الموجودين بالقرب منها".
نقص الرعاية للمواليد
على الرغم من توفر المعدات بالأقبية حالياً، فإنّها في أحيان كثيرة غير كافية لتقديم الرعاية الطبية اللازمة للنساء والمواليد. ومنذ بدء الحرب، شهد مستشفى مدينة تشيرنيهيف للتوليد حالتي ولادة لثلاثة توائم، وجميعهم بوزن منخفض ويحتاجون إلى رعاية خاصة. وكان يفترض أن يبقى المواليد لبعض الوقت في الحاضنات وتدفئتهم. لكن في ظل عدم توفر مثل هذه المعدات في المستشفى، كانت توضع اللمبات فوق الأطفال لتوفير الحد الأدنى من التدفئة لهم. وهناك طفل آخر في غرفة العناية المركزة وضع على جهاز التنفس الصناعي، وتعذر نقله إلى ملجأ.