يكثر حراس المواقف العشوائية في تونس مستغلين حاجة المواطنين إلى ركن سياراتهم متجاوزين القانون، وسط ضعف الرقابة الأمنية.
"ركنت سيّارتي قرب سوق المنصف بي في أحد المواقف القانونية في العاصمة تونس حيث لا ندفع بدلاً للوقوف خلال العطل والأعياد، وكان أحد أيام نهاية عطلة الأسبوع. لكن ما إن ركنت سيارتي، حتى طالبني أحد الشبان بمبلغ دينارَين تونسيَّين (نحو نصف دولار أميركي). وكنت أُدرك أنه ما من خيار أمامي غير الدفع من دون السؤال عن صفة هؤلاء وإن كانوا يملكون أي صفة قانونية"، يقول المواطن محمد بن عامر. يضيف: "لا يقتصر الأمر على هذا الموقف، بل إن غالبية المواقف القانونية للسيارات التي تعود ملكيتها إلى البلديات تستغل خلال العطل والأعياد من قبل بعض الشباب إلى حد ابتزاز المواطن في بعض الأحيان، ناهيك عن استغلال بعض المناطق والأرصفة والطرقات العامة من قبل هؤلاء كمواقف عشوائية خلال أيام الأسبوع وطلب مبالغ مالية في مقابل حراسة السيارات، وذلك في غياب واضح للعناصر الأمنية والشرطة البلدية".
ويزداد استغلال الأرصفة والساحات العامة وبعض الطرقات كمواقف عشوائية بتونس خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً وسط العاصمة وبعض المدن الكبيرة على غرار سوسة وصفاقس وبنزرت ونابل، حيث الإدارات الرسمية ومراكز الترفيه والشواطئ، بالإضافة إلى الأماكن التي تشهد ازدحاماً. ويعمل هؤلاء من دون ترخيص قانوني، ويسيطرون على الطرقات العامة وبعض الشواطئ والحدائق العمومية لجمع المال، علماً أن بدل ركن سيارة يتراوح ما بين نصف دولار ودولار. ويصف بعضهم هذا العمل بنوع من التسول أو السرقة بوسائل ملتوية، وباتوا يُنعتون بـ "قطاع الطرق"، لا سيما أنّ بعضاً ممن يستغلون تلك الطرقات والساحات هم من أصحاب السوابق.
بين الحين والآخر، تطلق وزارة الداخلية في مناسبات عدة حملات أمنية للتصدي لهذه الممارسات، وتوقف عشرات الشباب وتتخذ إجراءات قانونية بحقهم بتهمة الاستيلاء على الطريق العام والاعتداء على المواطنين وابتزازهم. كما تُنفّذ عناصر فرقة الأمن السياحي حملات أمنية قرب الشواطئ والفنادق مستهدفة المواقف العشوائية التي تستغل من دون تراخيص قانونية. وكثيراً ما يتمّ إيقاف أشخاص مطلوبين في قضايا أخرى.
وأشارت إدارة المرور والوقوف في بلدية تونس العاصمة في فبراير/ شباط الماضي إلى أنّ أزمة المواقف العشوائية وظاهرة الحراس العشوائيين الذين يبتزون المواطنين تفاقمت كثيراً خلال السنوات العشر الأخيرة، ويتطلب حلها تدخلاً أمنياً وتعاون البلديات وأصحاب الأراضي المهملة. كما يتوجب على المواطن الذي يتعرض للابتزاز من قبل حارس عشوائي التوجه إلى أقرب مركز أمني لتقديم شكوى، علماً أن العقوبات التي تفرض بحق هؤلاء هي السجن ما بين 3 أشهر و5 سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى 16 ألف دولار بتهمة الاستيلاء على ملك الدولة.
وغالباً ما يعمل هؤلاء ضمن مجموعات ويتوزعون في الطرقات والأحياء أو في إحدى الساحات القريبة من الشواطئ والحدائق العمومية. ويقول الموظف فرحات الكافي: "كلّ من يبحث عن مكان ليركن سيارته سيجد شخصاً يطالبه بدفع المال في مقابل ركن سيارته قبل مغادرته المكان مدعياً بأنّه حارس الشارع. وفي حال رفض الدفع، يطرده من المكان أو يقول له بأنه غير مسؤول عما سيحدث لسيارته بنبرة تهديد". يضيف أنهم "يعملون في فصل الصيف وحيث تكثر أماكن الترفيه، ويستغلون مواقف عشوائية قرب مكان تمركز الوحدات الأمنية، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن سبب غياب الرقابة".
ويوضح أن بعضهم يقبل مكرهاً لأنّ الركن في تلك المواقف العشوائية لا يكلّفه سوى دولار واحد طوال اليوم. أما في المواقف القانونية، فيدفع نصف دولار في مقابل الساعة الواحدة". ويشير كريم بن عبد الله إلى أنّه "يعمل موظفاً في إحدى المصارف في العاصمة ولا يوجد أمام المصرف مكان مخصص لركن سيارته. كما لا يستطيع الدفع مقابل ركن سيارته في المواقف القانونية التي قد تكلّفه أربعة دولارات خلال دوامه الذي يستمر ثماني ساعات، ليضطر إلى ركنها في أحد المواقف العشوائية في مقابل دولار واحد طوال فترة عمله".
إلى ذلك، يقول مدير المرور والوقوف ناصر الخليفي لـ "العربي الجديد" إنّ "المواقف العشوائية زادت بالفعل خلال السنوات الأخيرة. ويستغل البعض الطرقات العامة والشواطئ، خصوصاً خلال فصل الصيف، في وقت يستغل آخرون بعض الأراضي التي سقطت مبانيها أو لم تشيد كمواقف غير قانونية. ويساهم المواطنون بشكل أو بآخر في تفشي الأمر نظراً لقلة عدد المواقف القانونية وارتفاع عدد السيارات بشكل كبير في مختلف المدن الكبرى، من دون تخصيص مواقف جديدة تستغل قانونياً". كما يشير الخليفي إلى أن "العديد من الدوريات الأمنية وعناصر الشرطة البلدية يطلقون حملات رقابة بصفة دورية للتصدي لهؤلاء وتحرير مخالفات بحقهم. لكن بعد مدّة وجيزة، يعودون العمل نظراً لدفعهم غرامات مالية بسيطة". ويرى أنه "يجب التصدي لهذه المشكلة من خلال تشريع جديد وتوعية المواطنين حول أهمية الإبلاغ عن هؤلاء كلّما تعرضوا إلى الابتزاز في الشوارع والساحات العامة وعدم الرضوخ أو الخوف منهم".