شهدت معظم مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة أخيراً، حركة متسارعة لنقل النازحين من الخيام إلى منازل مسبقة الصنع وأخرى حجرية، وذلك بسبب غياب أفق أي حل سياسي يسمح لهؤلاء النازحين بالعودة إلى مدنهم وبلداتهم التي هجّرتهم منها قوات النظام برعاية روسية، ورغبة من المنظمات العاملة في المنطقة بتخفيف معاناة ساكنيها ووضع حدٍ للمشاكل التي تواجههم مع كل فصل شتاء، وأوقات العواصف وارتفاع درجات الحرارة صيفاً، إضافة إلى تقديم خدمات الكهرباء والمياه لهم بشكل أسهل.
لكن هناك مخاوف من تراجع رغبة هؤلاء النازحين بالعودة إلى مدنهم مستقبلاً، وتزداد هذه المخاوف في الحالات التي لجأ فيها النازحون إلى إقامة تجمّعات سكنية تشبه مدنهم وعلى حسابهم الشخصي، بعد شراء أراض حول المدن، وتقلّ في حالات الإسكان التي ترعاها المنظمات الإنسانية، التي تسلّمهم المساكن بعقود انتفاع مؤقتة، ولا تكون صالحة للاستقرار لفترات طويلة في كثير من الأحيان، ولاعتبارها غير رسمية كونها تدخل في إطار إعادة الإعمار الذي يحتاج إلى قرارات دولية.
يقول منسق المشاريع ضمن برنامج المأوى والمواد غير الغذائية بمنظومة وطن، عبد الله السيد عمر، لـ"العربي الجديد" إنّ المنظومة أنشأت 3100 وحدة سكنية بمنطقة كفرجالس في محافظة إدلب، بقدرة استيعابية تفوق 2500 عائلة كحلّ طارئ ومؤقت لقاطني المخيمات العشوائية التي تنتشر قرب الحدود التركية، بعد شراء أراض وتمليكها للمجالس المحلية في المنطقة، وبإشراف منها على هذه التجمّعات. ووفّرت المنظمة في هذه التجمّعات المياه الصالحة للشرب، ومنظومات تشغيل بالطاقة الشمسية لجعل المصاريف التشغيلية بحدودها الدنيا.
ويضيف أنهم سلّموا المستفيدين المساكن بصيغة عقود انتفاع مؤقتة، على أن تعود ملكيتها للمجالس المحلية بعد انتهاء فترة الانتفاع، إضافة إلى أنّ شروط اختيار المستفيدين لا تتعلق بالمكان الذي هجّروا منه، بل تتوقف على الحاجة ووضع الخيمة التي تقطنها عائلة المستفيد، ووضعه الاجتماعي، وهي مؤقتة لكنّها أكثر أماناً وخصوصية من الخيام، وليست بديلاً عن المنازل التي هجّر منها النازحون.
يقول أمين سر لجنة ضاحية حلب الشهباء الخاصة، علي مروح، لـ"العربي الجديد" إنّ بعض الأهالي الذين هجّروا من أحياء مدينة حلب الشرقية أواخر عام 2016، رغبوا بتجميع أنفسهم وإعادة إحياء العادات الخاصة بمدينة حلب، فشكّلوا جمعية لبناء ضاحية خاصة قرب مدينة سرمدا، بعد شراء قطعة أرض هناك، وتسليمها لمكتب هندسي خاص. ويشير مروح إلى أنّ المشروع يهدف إلى إنشاء 312 شقة سكنية، سيتسلمها المساهمون بسعر التكلفة.
ويرى المحامي ورئيس مجلس إدارة ضاحية حلب الشهباء أنّ التجمّعات السكنية الخاصة، تراعي الشروط الهندسية والمساحات الخضراء، على عكس المساكن التي تشيّدها المنظمات، والتي تتمدّد بشكل أفقي وتؤثر على المنظر الحضاري للمنطقة. ويلفت إلى أنّ الضاحية التي أسسوها، توفّر الكثير من الأموال التي يتم إهدارها على التجمعات التابعة للمنظمات، بحسب قوله.
أحمد السباعي، نازح آخر من مدينة حمص، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ ظروف النزوح القاسية ووضع المخيمات السيئ اضطّرهم إلى شراء أرض قرب مدينة إدلب، وإقامة تجمّع سكني للمهجّرين من حمص فقط، رغبة من القائمين على المشروع بالتجمّع في مكان واحد، وحفاظاً على العادات والتقاليد الحمصية، ومن أجل الاستمرار بالتكافل فيما بين الأقارب والجيران.
ويقول مصدر في وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدد التجمّعات السكنية في محافظة إدلب تخطّى 35 تجمعاً، منها 15 أقامتها منظمات إنسانية فيما تشرف على البقية جمعيات سكنية ربحية، وقد تخطّى عدد الشقق السكنية في هذه التجمّعات 40 ألف شقة".
ويشير المصدر إلى أنّ "عشرات الطلبات وصلت إلى حكومة الإنقاذ لإقامة مشاريع مماثلة في إدلب، لكنّ القائمين على وزارة التنمية يدرسون شروطاً جديدة لتعميمها على الراغبين في بدء مثل هذه المشاريع من منظمات وغيرها، وهي شروط تنظيمية تصبّ في خدمة المستفيدين والمنطقة وتراعي القواعد المتّبعة في الإعمار عالمياً".
وفي منتصف مارس/ آذار الجاري، أفاد فريق "منسقو استجابة سورية" بأنّ أكثر من 30 مخيماً في محافظتي إدلب وحلب، شمال غربي سورية، تضرّرت بشكل جزئي نتيجة عاصفة ضربت مناطق مختلفة من الشمال السوري، موضحاً أنّ الأضرار طاولت الخيام والمرافق الملحقة بها واقتلعت خياماً أخرى بشكل كامل.
وفي آخر إحصائية أصدرها الفريق، في أغسطس/ آب الماضي، كشف أنّ عدد المخيمات الكلي في إدلب وحدها، بلغ 1293 مخيماً تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية-التركية، من بينها 393 مخيماً عشوائياً، يقطنها مليون و43 ألفاً و689 شخصاً.