مهاجرون ناجون من الموت يتّهمون خفر السواحل اليوناني بالتسبّب في انقلاب قاربهم

30 يونيو 2023
من تحرّك أقيم بعد غرق قارب المهاجرين "أدريانا" قبالة اليونان (كوستيس نتانتامي/ الأناضول)
+ الخط -

أدلى ناجون من كارثة غرق قارب قبالة سواحل اليونان أودت بحياة مئات المهاجرين، بحسب المرجّح، بشهاداتهم حول مهرّبي بشر في شمال أفريقيا كدّسوهم في قارب صيد متهالك قبل أن ينتلقوا بهم في رحلة موت. وتحدّث هؤلاء المهاجرون عن الجحيم الذي عاشوه على متن ذلك القارب من دون طعام ولا مياه.

وأفاد مهاجرون من بين هؤلاء الناجين السلطات القضائية بأنّ ما أتى به خفر السواحل اليوناني عجّل بالنهاية المأساوية، لافتين إلى محاولة فاشلة لسحب قارب الصيد المكدّس بحمولة زائدة، الأمر الذي أدّى إلى انقلابه في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 14 يونيو/ حزيران الجاري.

ووفقاً للأدلة التي اطّلعت عليها وكالة رويترز، فقد ورد الحديث عن محاولة كارثية من خفر السواحل لسحب القارب في ستّ من أصل تسع إفادات لناجين قدّموها لمسؤولين في القضاء اليوناني يحقّقون في أسباب المأساة الأخيرة.

وقال أحد الناجين السوريين إنّه ومهاجرين آخرين على متن القارب "أدريانا"، الذي تعطّل في طريقه إلى إيطاليا، صرخوا "توقّفوا!" بعدما ربط قارب خفر السواحل اليوناني حبلاً بقارب المهاجرين وبدأ في قطره مع زيادة السرعة. أضاف أنّ قارب المهاجرين راح يميل يميناً ويساراً قبل أن ينقلب. من جهتهم، قال ثلاثة آخرين إنّهم لا يعرفون سبب انقلاب القارب.

وتتعارض أقوال الشهود الستة مع التصريحات العلنية لخفر السواحل والحكومة في اليونان اللذَين نفيا أيّ محاولة لسحب القارب، مشيرين إلى أنّه انقلب عندما كان خفر السواحل يبعد عنه بنحو 70 متراً.

وفي هذا الإطار، أفادت وزارة النقل البحري في اليونان التي تشرف على خفر السواحل، وكالة رويترز بأنّها لا تستطيع التعليق على قضايا محلّ تحقيق سريّ ومستمرّ يجريه الادعاء.

وقد أدلى المهاجرون الناجون التسعة بشهاداتهم يومَي 17 و18 يونيو الجاري أمام المحققين الذين أجروا تحقيقاً أولياً في الكارثة. ولن تنشر وكالة رويترز أسماء الناجين التسعة الذين أدلوا بشهاداتهم التي لم تُنشر علناً.

يُذكر أنّ مجموعة من مهرّبي البشر المشتبه فيهم أوقفوا في 15 يونيو الجاري بتهم تشمل القتل غير العمد وتهريب المهاجرين والتسبّب في غرق قارب على ذمّة تحقيق أوسع قد يفضي إلى محاكمة. وينفي المشتبه فيهم ارتكاب أيّ مخالفات.

وفي مقابلة أخرى أجرتها وكالة رويترز على نحو منفصل، روى ناجيان آخران واقعة قطر القارب وطلبا عدم نشر اسمَيهما خوفاً من انتقام السلطات اليونانية. ووصف أحدهما، الذي عرّف عن نفسه باسم محمد، اللحظات المرعبة عندما انقلب القارب، وقال إنّ الأمر وقع عندما بدأ خفر السواحل في سحب القارب.

أضاف محمد: "سحبونا بسرعة وانقلب القارب. تأرجح يميناً ويساراً وانقلب. وبدأ الناس يسقطون بعضهم فوق بعض... وكانوا يصرخون ويُغرق بعضهم بعضاً. وقع ذلك في الليل وكانت ثمّة أمواج. كان الأمر مرعباً".

ورداً على تقارير وسائل الإعلام المحلية، التي نقلت عن بعض الناجين قولهم إنّ قارب الصيد سُحب، نفى متحدّث باسم خفر السواحل علناً في 15 يونيو الجاري أنّ يكون قارب خفر السواحل قد ربط حبلاً بقارب المهاجرين في أيّ وقت. وبعد يوم واحد، عدّل خفر السواحل تصريحاته، وقال إنّ قاربه ربط حبلاً بقارب المهاجرين لمساعدته على الاقتراب كي يتواصلوا معه. ونفى أنّ يكون قد حاول في وقت لاحق قطر القارب، قائلاً إنّه أبقى على مسافة بينهما.

وقال نيكوس سبانوس، وهو أدميرال متقاعد في خفر السواحل اليوناني، لوكالة رويترز، إنّه من غير المرجّح أن يكون قارب خفر السواحل قد حاول القيام بخطوة خطرة مثل سحب قارب الصيد المنكوب. أضاف: "كان هدف (خفر السواحل) التواصل بشكل أفضل لمساعدة القارب وتقييم الوضع. هذا ما أفهمه. فهم إذا حاولوا سحبه أو أيّ شيء آخر، لكان ذلك محفوفاً بالمخاطر وما كانت هذه الطريقة الصحيحة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

"لا تساعدونا.. سنذهب إلى إيطاليا"

عندما انقلب قارب الصيد "أدريانا" وغرق على بعد 47 ميلاً إلى الجنوب الغربي من بيلوس في شبه جزيرة بيلوبونيز الواقعة جنوبي اليونان، في المياه الدولية التي تقع من ضمن اختصاص سلطة البحث والإنقاذ في اليونان، كان يقلّ ما بين 400 و750 مهاجراً معظمهم من سورية ومصر وباكستان، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقد عُثر على إجمالي 104 ناجين، فيما أفاد رجال الإنقاذ بأنّه من غير المرجّح العثور على آخرين، سواء أحياء أم أموات، في واحدة من أكثر المناطق عمقاً بالبحر الأبيض المتوسط.

وبحسب ما تبيّن الأدلة، قدّم سجّل قارب خفر السواحل إلى السلطات القضائية ويحمل تفاصيل عن حالتَين تفصل بينهما ساعتان عندما اقترب خفر السواحل من "أدريانا".

وجاء في السجلّ أنّ خفر السواحل في الساعة 11:40 من ليل يوم 13 يونيو اقترب من قارب الصيد الذي تعطّل محركه، وربط حبلاً بالقارب كي يقترب منه ويتحدّث إلى من كانوا على متنه لتقييم الوضع وما إذا كانوا في حاجة إلى المساعدة. فصرخ الأشخاص الذين كانوا على متن القارب: "لا تساعدونا" و"سنذهب إلى إيطاليا" و"فكّوا الحبل"، وفقاً للسجل الذي ذكر أن ّالمحرك أعيد تشغيله واتّجه القارب غرباً.

ثمّ في الساعة 1:40 بعد منتصف ليل 13-14 يونيو الجاري، أصدر مركز عمليات خفر السواحل توجيهات لقاربه بالعودة إلى قارب الصيد لتفقّد حالته بعد توقّفه. وأفاد السجل بأنّ قارب خفر السواحل اقترب من قارب الصيد على مسافة 70 متراً تقريباً وسمع صراخاً كثيراً، وفي أقلّ من سبع دقائق انقلب.

نحو 220 دولاراً للوقوف على سطح القارب "الأكثر أماناً"

وذكر الناجون أنّ القارب "أدريانا" انطلق من شاطئ في مدينة طبرق الليبية أو بالقرب منها، في 10 يونيو الجاري تقريباً. وقال محمد، وهو أحد الناجين، لرويترز إنّ مهرّبي البشر أخذوا أمتعتهم وتخلّصوا من زجاجات مياه الشرب قبل أن يصعدوا إلى متن القارب لإفساح مكان لمزيد من الأشخاص.

وبحسب الأدلّة، قال مهاجر سوري للسلطات القضائية إنّ المساحة المتاحة كلّ شخص كانت 40 سنتيمتراً فقط.

وقال الناجون إنّهم دفعوا ما بين 4.500 دولار أميركي و6.000 للرحلة، وإنّ المهرّبين قالوا لهم إنّهم سوف يصلون إلى إيطاليا في غضون ثلاثة أيام. وقال ثلاثة ناجين للسلطات إنّهم دفعوا ما بين 50 و200 يورو (نحو 55 - 220 دولاراً) إضافية في مقابل الوقوف على سطح القارب الذي يُعَدّ "أكثر أماناً".

وكان هؤلاء من بين آلاف حاولوا الوصول إلى جنوب أوروبا في عام 2023 الجاري، في قوارب تنطلق من شمال أفريقيا. ووفقاً لبيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، فقد رُصدت أكثر من 50 ألف "حالة عبور غير نظامية للحدود" لوسط البحر الأبيض المتوسط، معظمها ينطلق من تونس وليبيا، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 بزيادة 160 في المائة مقارنة بعام 2022 الماضي.

(رويترز)