من حقنا أن نحلم

09 ديسمبر 2022
فرحة الركراكي واللاعبين بالفوز على إسبانيا (جابين بوتسفورد / Getty)
+ الخط -

"سير… سير… سير"، بهذا الشعار المُلهب للحماسة وجدتني أشجع "أسود الأطلس" في مباراة المغرب وإسبانيا في مباراتهما المشهودة في كأس العالم. صغيرتي ريم شاركتني المشاهدة وهي تلتحف العلم الوطني، وتردد "جيبوها يا الأولاد جيبوها"، "مربوحة مربوحة"، "برافو يا بونو"... في محاولة منها لتقليد معلّقي المباريات، بينما اختار زوجي وابني أن يتابعا هذه المباراة التاريخية وسط أجواء المشجعين، الذين كانت أصواتهم تصل إلى البيوت وهم يهتزون جسداً واحداً وقلوبهم على أيديهم نشداناً لفرح لم يتأخر.
كان صدق النوايا حاضراً عند المغاربة، ولم يخب أملهم بعدما أظهر المنتخب المغربي علو كعبه، وارتفع زئير أسوده عالياً في مونديال قطر 2022، بعد انتصاره التاريخي على  إسبانيا بركلات الترجيح.
إنه انتصار يعني لنا الكثير… شحننا المنتخب حرفياً بطاقة الأمل التي دبّت في النفوس التي تنبض حباً بالوطن لتعيد لنا الثقة بأن زمن الخسارات قد ولى، وحمّلنا جميعاً النية التي دعانا مدرّب المنتخب وليد الركراكي إلى التسلح ببركتها.
وبصرف النظر عن بداية علاقتي بالساحرة المستديرة، وما يطبعها من فتور أحياناً، فقد وجدتني هذه المرة ومنذ انطلاقة كأس العالم 2022، مدفوعة بحماسة كبيرة لمتابعة فعاليات هذا الحدث الكروي. حصل ذلك وأنا أرى شعلة الأمل تتّقد في حديث ابني ومتابعته الدقيقة لتمركز اللاعبين وأدائهم، وخطة المدرّب وليد الركراكي، والتفافه ووالده حول حلم الفوز حتى آخر رمق، وهما يرددان جملة المدرب الشهيرة "ديرو النية وما يكون غير الخير"... وهذا ما كان، مباراة متألقة بعد أخرى، وها نحن في الدور ربع النهائي.
أتذكر اليوم ونحن تقترب من حلم مشروع، النقاشات الأسرية عن مونديال 1998 الذي أقيم على الأراضي الفرنسية، وحديث أعمامي وهم يجتمعون على صينية الشاي عن فصول "المؤامرة" التي حرمت المنتخب المغربي من تحقيق الإنجاز التاريخي الذي حدث سنة 1986 بالتأهل للدور الثاني، فضلاً عن الأحاديث المتفرقة عن الغريمين التقليديين الرجاء والوداد، هذا الأخير الذي منذ أن وعيت على نفسي وأنا أنتمي إليه. لماذا؟ لست أدري، مع أن والدي من مناصري النسور الخضر، ربما رغبة في الاختلاف عنه رغم أنه لم يجبرنا يوماً على اعتناق خياراته كروياً أو في باقي مناحي الحياة، أو ربما فعلت ذلك تأثراً بابن عمي الذي كان متطرفاً في عشق الشياطين الحمر، هذا الفريق الذي تألق فيه الركراكي سابقاً، "المايسترو" الذي وضع أسود الأطلس على سكة الانتصار مانحاً المغرب لقب أول منتخب عربي يصل إلى ربع النهائي، بعد تتويج سابق بلقب أول بلد أفريقي يمر إلى الدور الثاني من البطولة في مونديال المكسيك عام 1986.

انتصار تاريخي أثبت أن كرة القدم أكبر من مجرد لعبة، إنها القوة الناعمة التي بوسعها أن تجمع أكثر من أن تفرق، أن تضخ جرعات من السعادة الصادقة التي ترجمت في احتفالات عاشها المغاربة قاطبة، داخل البلاد وخارجها، وخرج عاهل البلاد الملك محمد السادس لتقاسم فرحة هذا النصر مع شعبه وسط شوارع العاصمة الرباط، مرتدياً قميصاً رياضياً للمنتخب الوطني، كما هنأ أعضاء المنتخب الوطني على مسارهم وتأهلهم التاريخي، مشيداً بأداء الأسود الذين كانوا في المستوى المطلوب، داعياً إياهم إلى الحفاظ على النهج نفسه ومواصلة تشريف كرة القدم الوطنية ورفع العلم الوطني عالياً.
ولأن الفرح كنهر متدفق، فقد كان حقيقياً وعابراً للقارات نابعاً من القلب، ومن البلدان العربية والأفريقية وعبر العالم وصلتنا فيديوهات وصور كل من تقاسم معنا الفخر والاعتزاز بإنجاز أسود الأطلس، بهديتهم لنا جميعاً: قلوب موحدة تضخ فرحة عظيمة.

المساهمون