منكوبو زلزال المغرب تحت رحمة الحرّ

29 يوليو 2024
لا تقي الخيام من حرارة الصيف (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل معاناة آلاف المغاربة المتضررين من "زلزال الحوز"، الذين يقضون صيفهم الأول في الخيام بعيداً عن منازلهم التي دمرها الزلزال في سبتمبر/ أيلول 2023، إذ لا مجال للمقارنة بين الخيام والبيوت، لكنها الخيار الوحيد المتاح. وتقدر الحكومة المغربية أن 2.8 مليون مواطن تضرروا من الزلزال الذي دمّر أكثر من 59 ألف منزل، من بينها 20 ألف منزل دمرت بالكامل. 
يقول الأربعيني المغربي محمد بوفوس، من منطقة مجاط بإقليم شيشاوة، لـ"العربي الجديد": "الخيمة لم تكن تردّ برد الشتاء، وهي حالياً لا تمنع حر الصيف، ونقضي يومنا خارجها بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي يضاعفها سقف الخيمة البلاستيكي. غالبية الخيام أصبحت مهترئة، ومع ارتفاع الحرارة تفاقمت المعاناة، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن الذين لم يعد بوسعهم التحمل. نتمنى أن يكون هذا الصيف نهاية المعاناة، فهناك من تسلموا منازل في إطار إعادة الإعمار، والكثيرون لا يزالون ينتظرون دورهم في الخيام".
يضيف: "حاولت إنهاء معاناة عائلتي باستئجار بيت في شيشاوة اعتماداً على مبلغ الدعم الشهري (نحو 250 دولاراً) الذي تقدمه الحكومة إلى متضرري الزلزال، لكني فوجئت بارتفاع الإيجارات بشكل قياسي إلى نحو ألفي درهم (200 دولار تقريباً). بات الحل الوحيد تسريع إعادة الإعمار".
بدورها، تقول فاطمة إيشو (51 سنة) المتحدرة من منطقة أمزميز، إنها كابدت معاناة مضاعفة خلال فصل الشتاء البارد، وحالياً تحاول عائلتها النوم ليلاً داخل الخيمة البلاستيكية، فلا يستطيعون بسبب درجات الحرارة المرتفعة، ويضطرون نهاراً إلى الاحتماء بالأشجار هرباً من أشعة الشمس الحارقة. توضح: "لا يمكن وصف حجم معاناة العيش في خيام تفتقر إلى أبسط مقومات مواجهة الحر، ونحاول التكيف مع الأوضاع عبر البحث عن حلول لتخفيف المعاناة. هناك من أصيبوا بضربات شمس، ومن أصيبوا بأمراض جلدية، وهناك من تعرضوا للدغات العقارب والأفاعي لوجود الخيام في منطقة جبلية".
ويقول الناشط المدني المتحدر من مدينة تارودانت، مولاي المهدي غرايبة، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ وقوع الزلزال الكبير، تعيش العديد من العائلات في خيام مؤقتة، وتجد أنفسها الآن في مواجهة حرارة الصيف القاسية. هذه الظروف تفاقم معاناة من أجبروا على مغادرة منازلهم، بخاصة الحوامل والأطفال. المناطق المتضررة في تارودانت والحوز وشيشاوة تتعرض سنوياً لموجات حرارة مفرطة خلال الصيف، ما يجعل السكان يبنون منازلهم بالطين لتخفيف وطأة الحر، وهو تقليد أثبت فعاليته، بينما الخيام التي لا توفر الراحة نفسها، ولا تضم مقومات العيش الأساسية، مثل المرافق الصحية ووسائل النظافة الشخصية".

معاناة متضرري الزلزال متواصلة (فاضل سنا/فرانس برس)
معاناة متضرري الزلزال متواصلة (فاضل سنا/فرانس برس)

يتابع غرايبة: "رغم الجهود المبذولة في إعادة الإعمار التي شارفت على إنهاء عامها الأول، فإن المعونات المخصصة للمتضررين لا تزال غير ملائمة، والخبراء ومراقبو الشأن العام يكررون تأكيد خصوصية المنطقة والمتغيرات الجغرافية التي تختلف باختلاف التضاريس، ويؤكدون ضرورة تبني حلول مستدامة تأخذ بالاعتبار هذه الخصوصية".
يأتي ذلك، في وقت أكد فيه رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في 15 يوليو/ تموز، أن أكثر من 56 ألف أسرة متضررة من زلزال الحوز استفادت من الدعم المخصص لإعادة بناء وتأهيل منازلها بنسبة إنجاز تبلغ 95%، وأفاد في مجلس النواب، بأن عدد رخص البناء الممنوحة للأسر المستهدفة بلغ أكثر من 53 ألف رخصة بنسبة 90% من المتضررين الذين أُحصوا في كل من أقاليم الحوز، وشيشاوة، ومراكش، وتارودانت، وأزيلال، وورزازات.
ويؤكد رئيس "الائتلاف المدني من أجل الجبل" (غير حكومي)، محمد الديش، أنه "رغم الجهود المهمة التي بذلت، سواء من المجتمع المدني أو المؤسسات الحكومية والجماعات المحلية، إلّا أنّ الأمور تسير ببطء شديد يضر بمصالح السكان ولا يراعي الحدود الدنيا لكرامتهم. المنطقة لا تزال تعاني من آثار الزلزال المدمر، ولا يزال سكان المناطق الجبلية المتضررة يجدون صعوبات كبيرة في توفير أبسط مقومات الحياة، وتعاني هذه المناطق تعثراً في عملية إعادة الإعمار والتأهيل".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويضيف الديش لـ"العربي الجديد": "صحيح أن توفير الاستقرار للمتضررين وإعادة الإعمار لن يتحققا في ظرف شهر أو ستة أشهر، لكن بعد ما يقارب السنة لم يُوفَّر السكن لكلّ المتضررين، كذلك إنّ الوكالة التي أُعلن استحداثها لتنمية الأطلس الكبير لم ترَ النور إلى حد الساعة، ما يجعل مصالح وزارة الداخلية مسؤولة عن تدبير ملف إعادة الإعمار، علماً أنّ العمل يتسم بالارتباك ونقص الموارد البشرية، وعدم وضوح الرؤية في ما يخص إحصاء المتضررين، أو تقديم الدعم، وتسليم رخص إعادة الإعمار وتأهيل المساكن".
ووضعت الحكومة برنامج طوارئ لإعادة إيواء المنكوبين، والتكفل بالأسر الأكثر تضرراً عبر مساعدات مالية طارئة بقيمة 30 ألف درهم مغربي (3000 دولار)، و140 ألف درهم (13,500 دولار) تعويضاً عن المساكن التي انهارت بالكامل، و80 ألف درهم (7700 دولار) لتغطية أعمال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئياً، وأعلنت الحكومة إطلاق ورش لإعادة إعمار القرى التي دمرها الزلزال بميزانية قدرها 120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، وهي تستهدف 4.2 ملايين شخص.

المساهمون