- الاحتجاج يعبر عن رفض السياسات الأوروبية تجاه الهجرة وينتقد تحويل تونس إلى حارس للحدود الأوروبية، مما يضع ضغوطاً على المجتمع التونسي ويغير أولوياته الأمنية.
- تم التأكيد على فشل السياسات الأوروبية في التعامل مع الهجرة والدعوة إلى ضرورة اعتماد سياسات جديدة تحترم حقوق الإنسان وتعالج جذور المشكلة، مع التنديد بزيارة ميلوني والسياسات الأوروبية الحالية.
نفّذت منظمات وعائلات مفقودي قوارب الهجرة السرية في تونس، اليوم الأربعاء، وقفة احتجاجية أمام سفارة إيطاليا تزامناً مع زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى البلاد، مطالبين بكشف مصير أبنائهم.
وتحدثت الأمّ ليلى صالح، من منطقة النفيضة بالعاصمة تونس لـ"العربي الجديد" عن ابنها المفقود منذ 27 يوليو/تموز 2022، بالقول: "أشعر بأنني مكسورة الجناح منذ فقدان ابني العشريني بدر الدين الحسين في مركب هجرة سرية منذ عامين، لقد تغيّرت حياتي، وجفّت دموعي، وأنا لا أعرف إن كان ميتاً لأدفنه أو حيّا لا أعرف الوصول إليه". وطالبت المتحدثة بـ"تحرك السلطة في تونس، وتفعيل القوانين الخاصة بالهجرة للعثور على ابني وسائر المفقودين في إيطاليا"، خاصة أن لديها معطيات عن وصول ابنها إلى التراب الإيطالي، مشيرة إلى أن "بدر الدين هاجر من منطقة قليبيا بالشمال التونسي".
ولا تُعتبر ليلى الأم الوحيدة التي تنتظر خبراً عن ابنها المفقود في أحد قوارب الهجرة السرية، فتونسيات أخريات يعشن على أمل انتظار خبر أو اتصال. بدورها، أكدت رشيدة الباجي، والدة الشاب أيمن العياري (المفقود منذ مارس/آذار 2011)، أن ابنها غادر من محافظة صفاقس، مشيرة إلى أنها "تلقت يوم خروجه اتصالا منه على الساعة التاسعة ليلا إذ أعلمها أنه وصل إلى إيطاليا، ولكن إلى غاية اليوم لم تتلق أي اتصال آخر منه".
وبينت المتحدثة أن "ابنها كان برفقة 46 شخصاً هاجروا في المركب نفسه، وسافرت إلى إيطاليا بحثاً عنه وعثرت على أحد أصدقائه في أحد السجون الإيطالية، ولكنها لم تعثر على أيمن، فعادت إلى تونس بعد رحلة بحث مضنية لم تتوصل فيها إلى أي معلومات".
أما رحاب فقيرة من ملولش بالمهدية، فقد قدمت اليوم إلى العاصمة تونس من أجل إيصال صوتها بخصوص شقيقها المفقود، موضحة أنه لا يزال يافعاً وعمره 17 عاما، غادر في 29 إبريل/نيسان 2023، وكان طالباً بمستوى التاسعة إعدادي، مبينة أنه ستمر سنة تقريبا ولا أخبار عنه".
وأضافت أن "هناك عدة مؤشرات تفيد بأن شقيقها وصل إلى إيطاليا ولكن لا يمكنهم التواصل معه، حتى أن الرقم الذي يتصلون به كثيرا ما يجيبهم صوت موزع هاتف إيطالي"، مشيرة إلى أن "القارب كان على متنه 14 شخصا أغلبهم أطفال قصّر منهم من لم يتجاوز الـ12 عاما، غير أنه لا جثث تم العثور عليها لمن كانوا فيه، ولا ظهرت أخبار عن القارب أيضا، وهو ما يجعل العائلات تعيش لوعة لا مثيل لها" .
من جهتها، قالت نعيمة سلام إن "ابنها حبيب هو بحار فُقد في جزيرة بنتاليريا الإيطالية وكان معه أربعة بحارة عادوا إلى تونس ولكنه لم يكن معهم، مبينة أنه مضت سنة ونصف ولا أخبار عنه، ولا تريد سوى الحقيقة خاصة أنه يتقن السباحة بحكم عمله كبحار، وبالتالي فإنها تستبعد فرضية غرقه لكن هناك غموضا كبيرا حول هجرته واختفائه".
زيارة ميلوني مرفوضة
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، أنّ وقفة اليوم أمام سفارة إيطاليا بتونس تأتي احتجاجاً على زيارة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني إلى تونس، لأنها تبحث عن تلميع صورتها من خلال استغلال ملف الهجرة السرية، خاصة وأن هناك انتخابات في إيطاليا خلال الصيف، موضحا لـ "العربي الجديد"، أن "اليمين المتطرف في أوروبا يسعى إلى تسويق سياسات الهجرة السابقة نفسها في تونس، وهناك سعي لتقديم نموذج للناخب الأوروبي على أن الاتفاقية الخاصة بالهجرة مذكرة ناجحة، وهي التي بُنيت على نقطة وحيدة وهي الحدّ من الهجرة السرية، مشيراً إلى أنهم في إيطاليا يقيّمون نجاحها ونجاعتها بعدد الواصلين إلى إيطاليا".
وأضاف أنه "تم تصدير الأزمات وخيبات هذه السياسات إلى تونس، فأصبحت موجودة في العامرة وجبنيانة بمحافظة صفاقس والتي يوجد بها مهاجرون من جنوب الصحراء، وبالتالي تدفع اليوم الثمن"، مبينا أن "تونس وافقت على لعب دور الحارس وأن تكون هناك منظومة أمنية ناجعة في البحر المتوسط".
وتابع المتحدث أنّ "هناك رهانات أخرى مفروضة على الأمن التونسي، وهي حماية الحدود البرية ومكافحة الجريمة والعنف بدل تركيز الجهود على حراسة الحدود البحرية ومقاومة الفوضى في صفاقس"، مشيرا إلى أن "مثل هذه السياسات غيّرت الأولويات الأمنية، وجعلت تونس مجرد حارس للحدود البحرية، وقد تم منع 80 ألف شخص من العبور العام الماضي، ومنع نحو 21 ألفا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري".
وقال بن عمر في كلمة له: "إنهم يحتجون على زيارات كل المسؤولين الإيطاليين إلى تونس، لأن هؤلاء يحملون السياسات والخيارات نفسها التي تتعلق بتحويل تونس إلى داعم لهم لمنع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا وتحويل البلاد إلى مجرد نقطة حدودية، في وقت إن الجنسية التونسية عند الوصول مهانة ومستباحة، فالتونسيون يتعرضون هناك للطرد على أساس الهوية، ويحتلون المرتبة الأولى في المطرودين من أوروبا، كما أنهم يتعرضون في مراكز الإيواء لسوء المعاملة والإهانات، وهذا لا يتم لولا التعاون التام من قبل السلطات التونسية مع إيطاليا".
من جانبه، أكد رئيس جمعية "الأرض للجميع"، عماد السلطاني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنهم "يُنددون بزيارة ميلوني إلى تونس ولا بد من سياسات أخرى في التعامل مع ملف الهجرة، لأن تونس ليست حارساً أميناً لحدودهم الإيطالية"، مؤكدا أن "الاتحاد الأوروبي هو المتسبب الأصلي في أزمة وتهجير المهاجرين". وبيّن السلطاني أن "سياسة إيطاليا وكل دول الاتحاد الأوروبي هي فاشلة لا تحترم حقوق المهاجرين وبعيدة عن حقوق الإنسان".