أصدرت خمس منظمات حقوقية مصرية بياناً مشتركاً أعربت فيه عن بالغ قلقها من تصريحات وزير العدل المصري في لقاء تلفزيوني، 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أجاب فيه عن بعض التساؤلات التي تخص منظومة التقاضي المصرية، والحديث عن بعض تطورات المنظومة في الآونة الأخيرة، وقد وجدت المنظمات في حديث الوزير عدة نقاط تستوجب الرد والتفنيد، من بين هذه النقاط بالأخص حديث الوزير عن عقوبة الإعدام والحبس الاحتياطي المطول ونظام تجديد الحبس عن بعد، وفيما يلي تعليق على بعض مما ذكره الوزير في ذلك اللقاء.
وأرجع الوزير الدعوات الحقوقية الداعية لإلغاء عقوبة الإعدام إلى أنها دعوات تخدم الإرهابيين، وتحاول "إبعادهم عن حبل المشنقة" على حد قوله، في محاولة شديدة السطحية لتبرير التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام من خلال ربطها بالإرهابيين والأعمال الإرهابية، واعتبرت المنظمات أن الوزير تجاهل عمداً أن المطالبات الحقوقية بإلغاء الإعدام في مصر هي مطالبات تتعلق بإلغاء العقوبة ذاتها، وليس على فئة معينة، والمطالبة بتعديل عقوبة الإعدام فيما يعرف بـ "الجرائم الجسيمة"، حيث ما تزال القوانين المصرية تتيح عقوبة الإعدام على مرتكبي مائة وخمس جرائم، من بينها جرائم المخدرات.
وتعبر رؤية الوزير لعقوبة الإعدام، أيضاً، عن تجاهل عمدي لتطورات النقاش العالمي حول المنظومة العقابية الحديثة، حيث إن الدعوات لإلغاء الإعدام في الأساس هي دعوات عالمية وأممية، آخرها قرار صادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام بهدف إلغاء العقوبة، وبتصويت 123 دولة خلال عام 2020.
وقالت المنظمات "بالطبع لم يتطرق مروان إلى غياب ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا الإعدام كنتيجة للعديد من الانتهاكات والإخلال المروع بحقوق المتهمين، خاصة في قضايا العنف السياسي، كما وثقت منظمات حقوقية".
وفيما يتعلق بظاهرة الحبس الاحتياطي المطول، ورغم استمرار حبس آلاف المتهمين احتياطياً في مئات القضايا لمدد طويلة، تجاوز بعضهم الحبس لمدة عامين، قالت المنظمات "لقد انتقد وزير العدل البند القانوني الذي ينص على وجود حد أقصى لمدد الحبس الاحتياطي في القضايا وفقاً للجرائم، معللاً ذلك بأن تجديد الحبس الاحتياطي يرتبط بوجود مبرراته، ويختلف من قضية لقضية وفقاً للتحقيق والتحريات الأمنية، واحتمالية تأخر تقارير الخبراء أو الطب الشرعي".
وتابعت "ومن المؤسف أن وزير العدل، وهو رأس المنظومة القضائية في مصر، لا يكترث بالمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنظم الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطي وفقاً لطبيعة الاتهام، 6 أشهر للجنح، 18 شهراً في الجنايات، 24 شهراً (إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام) وهو القانون الواجب تطبيقه لا مخالفته، كما أنه بحديثه عن تحمل المتهم عبء إجراءات التحقيق البطيئة وتقاعس مؤسسات أخرى عن إرسال التقارير الخاصة بها بالقضية، يفتح الباب لاستباحة حريات الأفراد وإهدار المبدأ القانوني بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إضافةً إلى إغفال مبدأ أن عبء الإثبات يقع على النيابة وجهة التحقيق، وليس على المتهم".
وفي إشارته لنظام تجديد الحبس عن بعد، والمتوقع تطبيقه تدريجياً في المحاكم خلال الفترة القادمة، عدد الوزير مزايا هذا النظام، مشيرا إلى أنه من ناحية السلطات الأمنية، وهي المستفيد الأكبر من تطبيق هذا النظام، سيوفر هذا النظام ما كانوا يتكبدونه من عناء تكاليف التنقل وواجبات تأمين تحركات المتهمين من محبسهم للسجن والعكس. أما بالنسبة للمتهم فأشار الوزير بأن هذا النظام سيقلل المشقة الجسدية للمتهم نتيجة تنقله من السجن إلى المحكمة في ظروف الطقس المختلفة والزحام، والمرور على العديد من الأقسام والمحاكم حتى عودته إلى السجن مرة أخرى، لكنه لم يشر إلى ما قد يمثله تطبيق هذا النظام من تأثير على كفاءة عملية التقاضي والإخلال بحقوق المتهمين، بحسب البيان.
وقالت المنظمات "يواجه تطبيق هذا النظام عدداً من الانتقادات، أهمها افتراض أن الأصل في الأمور هو تجديد الحبس، وغياب احتمالية إخلاء سبيل المتهم، وأن المتهم في كل الأحوال يعود إلى محبسه بعد جلسة النظر في تجديد حبسه، وفي حين أن المواد 271 و388 من قانون الإجراءات الجنائية توجب حضور المتهم أمام قاضيه والاستماع لأقواله في مرحلة المحاكمة، فإنه من الأفضل أيضاً إحضار المتهمين أمام القاضي في مرحلة ما قبل المحاكمة خصوصاً، وأنها مرحلة تكون فيها الاتهامات أولية وقابلة للتغير نتيجة لمجريات التحقيق، وتقتضي بلا شك أن يُتاح للمتهم التحدث إلى القاضي دون أي قيود، أو مراقبة من جهات السلطة التنفيذية ومن بينها إدارة السجن".
وبالتالي فإن غياب هذه المساحة الحرة للتحدث إلى القاضي يمثل انتهاكًا لحقوق المتهمين في اللجوء لقضاء مستقل. ومع الأخذ في الاعتبار أنه في عدد غير قليل من القضايا يقوم المتهم بالعدول عن اعترافاته التي أقر بها في الجلسة الأولى، والتي كان قد أدلى بها على إثر الانتهاكات التي مورست في حقه من قبل الأجهزة الأمنية، فإن المتهم بنسبة كبيرة لن يتمكن من تغيير أي أقوال في ظل هذا النظام الجديد، خاصة في ظل التوسع في ظاهرة تجديد الحبس في النيابة على الأوراق، حيث سيجد المتهم نفسه في حوزة السلطة التنفيذية منذ لحظة التحقيق لأول مرة إلى مدة غير معلومة، وذلك قبل أن يستطيع التحدث بحرية أمام أي سلطة قضائية حول ما تعرض/ يتعرض له من انتهاكات، ومن بينها أوضاع احتجازه، حسب المنظمات.
وأخيراً قالت المنظمات "يؤدي تطبيق هذا النظام إلى جعل المتهمين أكثر انعزالاً عن العالم الخارجي، بعد أن كانت جلسات التجديد تعد فرصة للمتهمين للتواصل مع أسرهم أو محاميهم، خاصة للمحتجزين في السجون المشددة والذين يعانون من الحرمان التعسفي من حقهم في الزيارة وأحياناً التريض".
وأشارت المنظمات إلى أن حديث وزير العدل جاء متماشياً مع ممارسات السلطة القضائية المصرية والتي ترى المنظمات الموقعة أدناه أنها تحتاج إلى كثير من التقويم خاصة في تعاملها مع الحبس الاحتياطي كعقوبة لحبس المعارضين فترات طويلة بمخالفة القانون، وعلى ما يبدو أنه لن تكون هناك انفراجة قريبة في هذه المسألة إذا كانت رأس السلطة القضائية تُلمح إلى إمكانية مخالفة قانون الإجراءات الجنائية.
وكانت المنظمات تنتظر من الوزير، الذي كان رئيساً للوفد المصري المشارك في الاستعراض الدوري الشامل لمصر في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أن يناقش دعوات إلغاء عقوبة الإعدام من منظور حقوقي أو من منظور حديث للسياسة العقابية، لكنه اكتفى بترديد خطاب السلطة التنفيذية وربط عقوبة الإعدام بالإرهابيين.
المنظمات الموقعة هي الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز النديم ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير ومبادرة الحرية.