منطقة البحر المتوسط ساحة ظواهر مناخية متطرفة

03 سبتمبر 2024
إعصار يضرب فرنسا ويخلف دماراً (سمير الدومي/ فرانس برس)
+ الخط -

يهدّد تغير المناخ منطقة البحر المتوسط بظواهر مناخية متطرفة، من بينها الإعصار المائي، ما لم يُعمل على الحد من الاحترار.

تشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط تصاعداً ملحوظاً في الظواهر الجوية المتطرفة، وسط ارتفاع مستمر في درجات حرارة البحر. ومن بين هذه الظواهر، يبرز إعصار البحر أو الشاهقة المائية أو عامود المياه، وهو إعصار يتشكل فوق الماء، أو ينتقل من الأرض إلى الماء، ولديه نفس خصائص إعصار الأرض. كما أنه مرتبط بالعواصف الرعدية الشديدة، وغالباً ما يكون مصحوباً برياح شديدة، وحبّات بَرَد كبيرة، وبرق خطير متكرر. لذلك، تعتبر الشواهق الإعصارية من أقوى أنواع الشواهق المائية وأكثرها تدميراً.  
يقول خبراء إن إعصار البحر قد يكون سبباً في الحادث المأساوي الذي أدى إلى غرق يخت "بيزيان" الفاخر قبالة سواحل صقلية قبل أسبوعين، إلا أن التحقيقات لا تزال جارية. في هذا السياق، يقول توم شيلدون من مركز الإعلام العلمي في جامعة ريدنغ، لـ "العربي الجديد"، إنّ "عالم الأرصاد الجوية في الجامعة الدكتور بيتر إينيس قدّم توضيحات حول عامود المياه، وهو عبارة عن عمود ضيّق من الهواء الدوّار، ويتشكّل تحت العواصف الرعدية فوق المسطحات المائية". ويشير إلى أنّ العديد من عواميد المياه تكون غير قوية وتستمر بضع ثوانٍ فقط قبل أن تتلاشى. لكن بعض الأعمدة قد تكون أقوى بكثير. مع ذلك، فإن الأضرار التي تسببها تكون عادة أقل من تلك التي تتسبب بها الأعاصير الأرضية، نظراً لحدوثها فوق الماء. ويوضح أنّ البحر الأبيض المتوسط يُعتبر من أكثر المناطق عرضة لعواميد المياه حول العالم، بسبب دفء سطحه ومناخه الذي يكون عرضة للعواصف الرعدية خلال فصل الصيف والخريف. وعلى الرغم من أن معظم هذه الأعاصير تكون قصيرة الأمد وتسبب أضراراً محدودة، إلا أنه من الممكن أن تتجاوز سرعة بعضها أكثر من 100 كيلومتر في الساعة، ما يشكل خطراً كبيراً على القوارب.

ومع تزايد تواتر الأعاصير في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يشهد خليج المكسيك أيضاً زيادة في الأعاصير القوية من الفئتين الرابعة والخامسة. هذا التحوّل في أنماط الطقس يثير المخاوف من أن تصبح الظواهر الجوية المتطرفة وضعاً طبيعياً جديداً مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة. ويؤكد الخبراء أن ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط ليس حالة معزولة، بل هو جزء من نمط عالمي أوسع من تغير المناخ الذي يؤدي إلى زيادة الأحوال الجوية المتطرفة في مختلف أنحاء العالم.
يقول أنتي كارتينن، من مكتب إعلام الوكالة الأوروبية للبيئة، إن التقييم الأوروبي لمخاطر المناخ يعتَبر جنوب أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط نقاطاً ساخنة للعديد من المخاطر المناخية. ويشير إلى أن هذا التقييم يوفر معلومات مهمة حول آثار تغير المناخ على هذه المنطقة، ويُظهر أن أوروبا هي القارة الأسرع احتراراً في العالم، ما يهدد أمنها في مجالات عدة، مثل الطاقة والغذاء والبنية التحتية وموارد المياه والاستقرار المالي وصحة الناس.

إعصار مائي يضرب تركيا (أورهان سيسيك/ الأناضول)
إعصار مائي يضرب تركيا (أورهان سيسيك/ الأناضول)

وبحسب هذا التقييم، فإن المخاطر المناخية التي تشمل الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات التي شهدناها خلال السنوات الأخيرة ستتفاقم في أوروبا حتى في ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلاً بشأن الاحترار العالمي. وهذه المخاطر قد تصل إلى مستويات حرجة وربما تصبح كارثية إذا لم تُتخذ إجراءات فورية وفعالة.
من جهتها، توضح صوفي ماسون، ممثلة مكتب الاتصالات الاستراتيجية والشؤون الخارجية في "المملكة المتحدة للأبحاث والابتكار" (UKRI)، ردّاً على استفسارات "العربي الجديد" حول الدور الذي تلعبه المؤسسة في التخفيف من آثار تغير المناخ في البحر الأبيض المتوسط، أن "UKRI تخصص جزءاً كبيراً من تمويلها لدعم البحث والابتكار، ما يساعد في فهم تغير المناخ ومعالجته". وتشير إلى أن المؤسسة تستثمر حوالي 800 مليون جنيه إسترليني سنوياً في أبحاث الابتكار المتعلقة بتغير المناخ.
وتوضح ماسون أن التمويل يشمل مشاريع متنوعة تهدف إلى دراسة وتحليل أسوأ السيناريوهات المحتملة لأعاصير البحر الأبيض المتوسط في ظل تغير المناخ، بالإضافة إلى تعزيز البحث والابتكار عالي الجودة ومتعدد التخصصات. وتؤكد أهمية ضمان ارتباط استثمارات المؤسسة بشكل فعال مع أولويات الحكومة البريطانية في مجالي البحث والابتكار، بالإضافة إلى الاستجابة للأولويات والفرص الاستراتيجية.

وبهدف منع تفاقم تغير المناخ ووصوله إلى مستويات خطيرة، اتفقت دول العالم في قمة المناخ على ضرورة إبقاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند أقل من درجتين مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، ومحاولة الحد من الارتفاع إلى 1.5 درجة مئوية. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى خفض انبعاثاته وحث الدول الرئيسية الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة.
في إطار قانون المناخ الأوروبي، أصبح هدف الوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050 ملزماً قانونياً، مع تحديد هدف مرحلي لخفض صافي الانبعاثات بنسبة 55% بحلول عام 2030. ويُعمل حالياً على وضع هدف لعام 2040، وذلك ضمن إطار الصفقة الأوروبية الخضراء (مجموعة من المبادرات السياسية التي تولتها المفوضية الأوروبية تحت هدف شامل يتمثل في جعل الاتحاد الأوروبي محايداً مناخياً بحلول عام 2050). 
في الوقت نفسه، حُدّد موعد لجلسات استماع عامة في محكمة العدل الدولية، التي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تحديد الالتزامات القانونية للدول في مكافحة تغير المناخ. وأعلنت المحكمة العليا للأمم المتحدة أن هذه الجلسات ستبدأ في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول مداولاتها في قضية تهدف للحصول على رأي استشاري حول "التزامات الدول تجاه تغير المناخ". وأحالت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه القضية إلى المحكمة على أمل أن تشجع نتائجها الدول على اتخاذ إجراءات أكثر قوة وبسرعة أكبر في مواجهة التحديات المناخية. 

المساهمون