استمع إلى الملخص
- **أهمية مناجم الحديد**: كانت مليانة معروفة بثرواتها المنجمية، خاصة الحديد الذي استخدمه الأمير عبد القادر لصناعة الأسلحة. استغل الفرنسيون مناجمها لبناء برج إيفل وتهيئة شوارع باريس، وقدموا للمدينة ساعة كبيرة مصنوعة من حديد البرج.
- **معالم مليانة التاريخية**: تضم مليانة معالم مثل دار السلطان، السور القديم، ومسجد البطحاء. السور يعاني من الإهمال ويطالب بتصنيفه كموروث تاريخي، بينما هدم المستعمر الفرنسي معظم المساجد في 1844، ولم يبقَ منها إلا منارة تحولت إلى ساعة.
تعتبر مدينة مليانة من أشهر المدن في الجزائر وأقدمها، وتزخر بتاريخها العريق الضارب في الأعماق. واستعمل الاستعمار الفرنسي مناجم الحديد في مليانة لبناء برج إيفل.
على ارتفاع نحو 800 متر عن مستوى سطح البحر، وفي أحضان جبال زكار بمحافظة عين الدفلى التي تبعد 120 كيلومتراً من غربي العاصمة الجزائرية تقع مدينة مليانة التي تختلف الروايات حول تأسيسها، إذ يقول البعض إنه حصل من قبل الفينيقيين. أما آخرون فيرجحون رواية تأسيس الإمبراطور الروماني أوكتافيوس لها في القرن 27 قبل الميلاد، وأطلق عليها حينها اسم "زوكابار" البربري الليبي.
وبعدما تعاقبت عدة حضارات على المنطقة، مثل المرابطين والزيانيين، استولى عليها الفاتح بولوغين بن زيري الصنهاجي عام 972 ميلادياً، وجعلها عاصمة للصنهاجيين لسنوات طويلة، وأعاد بناءها ما جعلها تستعيد بريقها التجاري والاقتصادي.
أعجب العثمانيون بمليانة وجعلوها مقراً لمكتب الباي، وألحقت بدار السلطان في العاصمة 1715. وعاشت المدينة خلال هذه الفترة أزهى أيامها الاقتصادية والتجارية والثقافية فتحوّلت إلى مقصد للوفود من كل حدب وصوب، ثم اختارها مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر إحدى قلاعه الحصينة المعززة بمنشآت عسكرية، ومركزاً لصناعة الذخيرة والشمع وبعض المواد الأساسية التي كان يرفد بها الأقاليم التابعة لدولته الفتية.
وبمجرد الوقوف في ساحة المدينة ساحة الأمير خالد تحت أشجار البلاطان العملاقة، يمكن مشاهدة دار السلطان أو دار الأمير ودار الخلافة، كما سُميت لاحقاً إثر تحويلها إلى متحف تحكي طوابقه وزواياه للزوار تاريخ المنطقة الضارب في الأعماق، وروايات القائد الذي قرر إنشاء دولة مستقلة ومقاومة الاستعمار الفرنسي بجيش ضم 10 آلاف عسكري أدهش في ذلك الوقت أقوى جنرالات فرنسا.
يقول الباحث والمدير السابق لمتحف مليانة، بن يوسف عباس، لـ"العربي الجديد": "كانت المدينة المعروفة بثوراتها المنجمية، خاصة مادة الحديد، محل أطماع المستعمر الفرنسي، بعدما استخرج الأمير عبد القادر المواد الأولية لصناعة الأسلحة من المنجم، إثر اكتشاف خبير عسكري فرّ من الجيش الفرنسي والتحق بجيشه النوعية الجيدة للحديد في مناجم المدينة". وطوّر الفرنسيون المناجم، وجرى تشكيل هيئة خاصة بمنجم واد الروينة ومنجم زكار اللذين نقلت منهما كميات كبيرة من الحديد والحجارة الى فرنسا بعد تجميعها في ميناء بني حواء وحجرة النص غربي محافظة تيبازة، ثم استعملت المواد في بناء برج إيفل في باريس وتهيئة الشوارع الرئيسية المحيطة به.
وقدم الفرنسيون هدية لمدينة مليانة تمثلت في ساعة كبيرة مصنوعة من حديد برج إيفل نفسه، وجرى تنصيبها في منطقة العبادية، ثم اختفت إثر الزلزال الذي ضرب منطقة الأصنام في ثمانينيات القرن العشرين.
ومن الشواهد التي تحكي تاريخ المنطقة، السور الذي يعشقه الزوار وأبناء المدينة الذين يستريحون فيه مساء كل يوم، وينظرون منه إلى مدن وسهول هي كورنيش طبيعي من الرمال والجبال والنباتات والأشجار النادرة. وعند كثيرين ليس هناك أجمل من المناظر الرائعة التي يمكن مشاهدتها في فصل الربيع بمليانة، والتمتع بنسمات الهواء المنعش الذي يضرب المنطقة كل مساء.
يقول رئيس جمعية أصدقاء مليانة للفن والثقافة، لطفي خواتمي، لـ"العربي الجديد": "السور جزء من بقايا تحصينات المدينة القديمة الرومانية التي أعيد بناؤها على هيئة سور كبير يحميها في الفترة العثمانية، ويطل على جبال وقرى صغيرة كانت تحت عيون حراس المدينة. وقد رُدم جزء من السور مع مسجد البطحاء وجرى تحويله إلى ساحة ومتنزه للعائلات وملتقى لأصدقاء يتخذون من المقاهي البسيطة التي تنتشر على طول مسافته أماكن للراحة والاستمتاع.
ورغم القيمة التاريخية للسور، عرف الإهمال، بحسب ما يقول خواتمي، بعدما سقط جزء منه بسبب الرياح والأمطار عام 2012، وتحوّل جزء آخر إلى مكان لتفريغ النفايات، لذا يطالب بتصنيف السور ضمن الموروث التاريخي والثقافي، وإعادة تهيئته .
أما مسجد البطحاء فيعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة العثمانية حين اتخذ مقراً لإقامة الخليفة. وهو واحد من 25 مسجداً كانت موجودة في المدينة حينها، والتي بقي منها خمسة. وقد هدم المستعمر الفرنسي المساجد عام 1844 وجعل أرضيتها ساحة سميت "ساحة كارنو" لم يبقَ منها أيضاً إلا منارة جرى تحويلها إلى ساعة تشحن كل 72 ساعة. ويوجد تحت المنارة نفق يؤدي إلى خارج الأسوار وجبل زكار الذي كان يستعمله المقاومون أثناء الحروب.