في إجراء يوحي بوجود أمل في إمكان سير حركة "طالبان" التي استعادت الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب الماضي، رويداً رويداً، على طريق تغيير سياستها الخاصة بعمل النساء، عينت حكومتها الدكتورة ملالي فيضي رئيسة لمستشفى "ملالي زيكنتون" المتخصص في معالجة النساء والأطفال، ويعتبر أحد أكبر المنشآت الصحية في العاصمة كابول.
خلال مسيرتها المهنية، عملت فيضي بعدما تخرجت من كلية الطب في جامعة كابول عام 1995، لمدة 4 سنوات بصفة طبيبة أطفال في مستشفى "أتاتورك" بكابول. وبعدها انضمت إلى مؤسسة "أي إيم سي إن"، حيث شاركت طوال 5 سنوات في مهمات لتوفير رعاية صحية لأطفال ونساء، قبل أن تعمل لحساب منظمة الصحة العالمية، وفي مستشفيات خاصة مختلفة، ثم عينتها حكومة "طالبان" أول رئيسة لمؤسسة صحية.
"العربي الجديد" حاورت ملالي لمحاولة معرفة حال المرأة في أفغانستان، وتداعيات الوضع الجاري عليها بعد عقود من المعاملة السيئة، وإصرار حكومة "طالبان" على إخضاع النساء لمبادئ الشريعة، وكذلك استطلاع رأيها في مستقبل النساء في أفغانستان.
وتقول ملالي: "لم أتوقع تعييني في المنصب، في ظل معطيات الوقائع الجديدة التي تشهدها أفغانستان، وسياسات طالبان تحديداً التي لم تسمح للنساء في الأشهر الأخيرة حتى بالعمل حتى ضمن الدوائر الحكومية. لكن حين أفسحت طالبان في المجال أمام تلقي طلبات لشغل منصب رئيس مستشفى ملالي زيكنتون، قدمت أوراقي مع أربعة أو خمسة آخرين. وشكلت وزارة الصحة في حكومة طالبان لجنة لتعيين رئيس المستشفى، والتقت بي على غرار باقي المرشحين ثم إختارتني للمنصب".
وتؤكد ملالي أنّ تعيينها "قد يعكس بعض ملامح الدور المستقبلي للمرأة في ظل قوانين طالبان وعقائدها، وبينها حاجة الحركة الملحة إلى توظيف النساء عاجلاً أم آجلاً، لأنها لا تستطيع تجاهل كونهن نصف المجتمع الأفغاني، وحقيقة أن قطاعات كثيرة تتطلب عاملات منهن تحديداً. من هنا أرى أن طالبان تسير رويداً رويداً على طريق تغيير سياستها، وأتوقع بالتالي مستقبلاً أفضل للنساء في البلاد، استناداً إلى قوانين جديدة ومبادئ الشريعة الإسلامية التي لا تتنازل عنها طالبان".
تضيف: "من المعروف أنّ الأفغان شعب مسلم يريد تطبيق الإسلام، ونساء بلدنا يطالبن طالبان بأن تسمح لهن بالعمل وفق الشريعة الإسلامية، لذا أرى أنّ الأيام المقبلة ستشهد تغيرات جذرية على صعيد وضعهن في أفغانستان، خصوصاً في مجالي الصحة والتعليم".
وحول ظروف منصبها الجديد، تشدد ملالي على أنّها تملك إحساساً جيداً، ولا تواجه أيّ نوع من العوائق من حكومة "طالبان" أو أي جهة أخرى. وتعلّق: "لدي تجربة كافية في المجال الصحي، والحاجة ماسة اليوم للعمل مع النساء والأطفال، ما يجعلني أبذل جهداً اكبر وأقوي نفسي للمضي إلى الأمام والإفادة من الفرصة التي أتيحت لي، والتي أنظر إليها باعتبارها ثمينة جداً ومهمة لإبراز دور النساء الذي ظلّ مهمّشاً طوال عقود، ويعتبر الأكثر تضرراً من الحرب المستعصية التي عانت منها أفغانستان، وخلّفت آثاراً سلبية مضنية على كلّ القطاعات، خصوصاً تلك التي تعنى بشؤون النساء".
وتعتبر ملالي أنّ تعليم النساء أساس تغيير وضع المرأة الأفغانية في المجتمع، وترحب بقرار "طالبان" فتح الجامعات للنساء والرجال في بعض الولايات، علماً أن استقبال الجامعات والمدارس الفتيات يشكل نواة تغيير وضع المرأة ودورها في المجتمع الأفغاني. كما أن التعليم ركيزة إخراج أفغانستان من المأزق الحالي، والمرأة أثبتت حنكتها في هذا المجال".
وتصرّ ملالي على أنّ الحق يسترد ويؤخذ، وتطالب المرأة الأفغانية "بعدم الصمت على واقعها الصعب، وأن تواصل جهودها في إطار الشريعة الإسلامية والأعراف الوطنية من أجل الحصول على مطالبها وحقوقها الأساسية، خصوصاً الحق في التعليم والعمل ونيل رعاية صحية. وإلى تغيير سياستها، يجب أن تبذل حكومة طالبان جهوداً كبيرة لتحسين حال المرأة في القرى والأرياف التي تحرم فيها من كل حقوقها منذ زمن طويل، وكذلك في المدن التي حققت فيها المرأة تقدماً كبيراً خلال عقدين ماضيين، ولا أعتقد بأنّ طالبان تعارض تقدم المرأة ورقيها ما دام يخضع للشريعة الإسلامية".
وفي شأن القطاع الصحي في أفغانستان عموماً وجوانبه الخاصة بالمرأة تحديداً، تؤكد ملالي أنّ "القطاع تأثر إلى حدّ كبير بالتغييرات الأخيرة التي شملت مغادرة متخصصين كُثر البلاد، ومحاولة البعض الخروج حالياً. كما أثر الوضع الاقتصادي العام السائد في البلاد على القطاع الصحي الخاص، ما أدى إلى إغلاق مستشفيات عدة في العاصمة والأقاليم". وتشيد بالدور الذي يقوم به المجتمع الدولي في المجال الصحي من خلال المساعدات التي وصلت إلى أفغانستان لترميم القطاع وتحسينه، ما أفضى إلى تغييرات كثيرة. لكنّها تستدرك أنّ القطاع ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل من أجل إزالة المشاكل التي يعاني منها.
وتطالب ملالي المجتمع الدولي بأن يخاطب "طالبان" ويقول لها إنّ "النساء هن نصف المجتمع الأفغاني، ما يعني أنّ تهميشهن يعطل نصف المجتمع، ما يخالف كل القوانين والأعراف. والأكيد أنّ الاهتمام الكامل بالنساء يشكل الطريق الذي يجب على حكومة طالبان أن تسلكه كي تكسب الاعتراف الداخلي والدولي".