تُعدّ مشكلة النفايات الصلبة إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه سكان قطاع غزة، الأمر الذي حذرت منه مؤسسات حقوقية مؤخراً في ظل عدم إيجاد حلول تتناسب مع الزيادة السكانية وحاجات الأهالي، وعدم إيجاد الجهات الرسمية مطامر آمنة للنفايات.
في بداية يونيو/ حزيران الماضي، حذر مركز الميزان لحقوق الإنسان من تفاقم مشكلة النفايات في القطاع، معتبراً أن القطاع البيئي يعاني من العجز بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ويصعب إدخال مواد متطورة لاستخدامها في حل بعض المشاكل البيئية مثل النفايات، ولا يتوفر في القطاع إلا مكب نفايات واحد آمن للتخلص من النفايات الصحية، ويتبع لوزارة الصحة.
وتنقل النفايات الطبية ضمن معايير صحية وتدفن في مكبات خاصة، على عكس بقية مكبات النفايات غير الآمنة. وتقدر كمية النفايات الصلبة في القطاع خلال عام 2023 بأكثر من 2000 طن في اليوم، بالمقارنة مع حوالي 1500 طن عام 2016، أي بزيادة 25 في المائة، بحسب بيانات سلطة جودة البيئة بغزة.
ويشير المهندس البيئي بشار عوض الله إلى عدم وجود مكبات كافية للتعامل الآمن مع النفايات بشكل يحمي المواطنين من أخطارها وخصوصاً المواد البلاستيكية. يضيف أن محافظة شمال غزة تعاني من مشكلة بيئية خطيرة، وتتراكم أطنان من النفايات الصلبة في مناطق مكشوفة غير مؤهلة، ويحتاج القطاع فعلياً إلى ثلاثة مكبات صحية رئيسية إضافية.
وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلومترا مربعا. وتشير تقديرات وزارة الداخلية إلى تجاوز عدد سكان غزة المليونين ونصف المليون نسمة بعدما كانت آخر إحصائية للتعداد السكاني للقطاع نهاية العام الماضي قد قدرت عدد السكان بأكثر من مليونين و375 ألفا.
يذكر عوض الله أن مكب قرية جحر الديك الذي تبلغ مساحته 220 دونماً هو المكب الرئيسي لمدينة غزة، بالإضافة إلى تراكم النفايات الصلبة في ثلاث عشوائيات كبيرة في الشمال، وهي مكب جباليا الذي تتكدس فيه 700 ألف طن من النفايات الصلبة على مساحة تفوق 80 دونماً، ومكب بيت لاهيا غرب أبراج الندى ويضم أكثر من 350 ألف طن ومساحته تتجاوز 30 دونماً، ومكب ثالث مقام بالقرب من الجدار الفاصل في بيت حانون ويحتوي على نفايات صلبة مكدّسة تزيد على 100 ألف طن. ويبين أن جميعها باتت تهدد حياة سكان شمال القطاع من خلال الروائح والحرق.
ويقول عطا الله لـ "العربي الجديد": "كخطوة أولى، يحتاج قطاع غزة إلى دائرة مخصصة للنفايات وإطلاق حملات توعوية لفرز النفايات، لكن تبقى المشكلة السياسية والحصار الإسرائيلي عائقاً أساسياً. وتحتوي هذه النفايات على 58 في المائة من مواد عضوية، و15 في المائة بلاستيك، و14 في المائة ورق وكرتون، و1.5 في المائة حديد، و0.5 في المائة زجاج، وما تبّقى مكونات أخرى مثل الرمال ومخلفات أبنية وزراعية وغيرها".
وتعمل البلديات على جمع حوالي 85 في المائة من النفايات الصلبة. أما بالنسبة للمخيمات الثمانية في القطاع، تتولى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" جمع 10 في المائة من النفايات، فيما تتولى مؤسسات خاصة جمع 5 في المائة. ويشدد عوض الله على أن البلديات تعمل ضمن سياسة وأدوات قديمة وضعيفة متهالكة، ما يشير إلى الحاجة إلى مشاريع وصندوق وطني خاص لمعالجة النفايات في القطاع كونها تصنف غير آمنة بل إنها شديدة الخطورة.
إلى ذلك، يكثر "النباشون" في النفايات للبحث عن أدوات ومعادن يمكن إعادة تدويرها وبيعها لصالح مصانع ومنشآت في قطاع غزة، الأمر الذي يشكل خطراً على صحة هؤلاء وعلى المكبات، إذ قد يتسبّبون في إشعالها. ويصعب التدخل ومنعهم في ظل الفقر.
ويؤكد المهندس عماد أبو حيلة المتخصص في تطوير البنى التحتية والمرافق والنفايات في بلدية خان يونس، أن "الفقر فاقم حاجة الغزيين إلى مهن خطيرة لطالما كانت موجودة، مثل العمل في الأنفاق الحدودية بين مصر ومدينة رفح جنوب قطاع غزة، بالإضافة إلى جمع الأدوات الصلبة من مصادر عدة".
ويقول لـ "العربي الجديد" إن "أزمة النفايات قد تستمر سنوات، لأننا نحتاج إلى خطة وطنية وليس فقط مشاريع قصيرة الأجل". يضيف أن "قطاع غزة يحتاج الى حل مشكلة الكهرباء والعمران لاستيعاب التمدد السكاني. وبالنسبة إلى النفايات، نحتاج إلى مساحات وآليات جديدة تساعد على جمعها وتصنيفها وأدوات الحرق لاستثمار العدد الهائل منها في المستقبل".