- اعتقالات متزايدة لنشطاء وسياسيين بارزين بتهم مشابهة تتعلق بمناقشة الاختراقات الأمنية، مما أثار قلقًا على مصير المحتجزين ودعوات للتحقيق في ظروف وفاة دغمان والإفراج عن الآخرين.
- تصاعد الانتهاكات الحقوقية والحريات في ليبيا، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري، وسط دعوات محلية ودولية للتحقيق في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين، في ظل استمرار الإفلات من العقاب.
أعاد اعتراف الأجهزة الأمنية التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر بوفاة الناشط السياسي الليبي سراج دغمان في سجونها ملف انتهاك الحريات إلى واجهة المشهد في البلاد.
وجرى تداول أنباء في الأوساط المحلية الليبية، السبت، عن مقتل دغمان المحتجز منذ ستة أشهر في سجون بنغازي، قبل أن ينشر جهاز الأمن الداخلي في بنغازي بياناً يؤكد فيه وفاته "إثر سقوطه على رأسه عن جدار عالٍ خلال محاولته الهرب من السجن".
وبرر البيان الأمني اعتقال دغمان بمشاركته في اجتماعات لإسقاط الأجسام السياسية والعسكرية في البلاد، وقال إنه أُحيل بعد التحقيق معه من قبل النيابة القضائية على الاحتجاز لدى الأمن الداخلي، وهو ما نفته أسرة دغمان في تصريحات لوسائل إعلام محلية، مؤكدة أن دغمان ورفاقه اعتقلوا من قبل الأمن، ولم يعرضوا على النيابة.
وعبّر كثير من النشطاء والحقوقيين عن قلقهم البالغ على مصير رفاق دغمان المحتجزين، وهم سفير ليبيا السابق لدى كندا، فتحي البعجة، والناشط السياسي طارق البشاري، والناشطان ناصر الدعيسي، وسالم العريبي، وقد اعتُقلوا جميعاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عند وصولهم إلى بنغازي قادمين من خارج البلاد، ووُجهت إليهم اتهامات على خلفية مشاركتهم في اجتماعات ناقشت الاختراقات الأمنية التي ترتكبها أجهزة حفتر الأمنية.
وتكاد تجمع شهادات النشطاء المهتمين بقضية وفاة سراج دغمان على أنه تعرّض للتصفية الجسدية خلافاً للبيان الأمني الذي يزعم مقتله خلال محاولة الهرب، في حين يطالب عدد منهم بضرورة فتح تحقيق في مقتله.
ووصفت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (أهلية) بيان الجهاز الأمني بـ"الكاذب"، مشيرة إلى أن دغمان "توفي في ظروف غامضة بعدما اعتقل من دون عرض على النيابة العامة". واعتبرت، في بيان، أن رواية جهاز الأمن التي تشير إلى وفاة دغمان بسقوطه عن جدار "غير مستساغة لملابسات وأسباب الوفاة، وهي تبرير غير مقبول للقتل، كما أنها رواية الطرف المتهِم الذي لا يمكن أن يكون القاضي والحكم والجلاد"، مذكّرة بواقعة سابقة مشابهة لمقتل لاعب الكرة في بنغازي، عادل قادير، الذي قضى تحت التعذيب خلال الشهرين الماضيين.
وقوبل اعتقال دغمان ورفاقه باهتمام واسع في الأوساط الليبية، إذ أكد وزير الداخلية الأسبق، عاشور شوايل، براءتهم من الاتهامات التي نسبت إليهم على إثر تنظيمهم ورشة عمل في بنغازي، تحدثوا فيها عن حادثة انهيار سد درنة، كذلك طالب بيان مشترك لأحزاب ليبية قيادة قوات حفتر بضرورة إطلاق سراحهم.
ويقول الناشط الحقوقي رمزي المقرحي إن "الغموض لا يحيط بظروف مقتل دغمان ومصير رفاقه الآخرين فقط، بل أيضاً بأسباب اعتقالهم"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "يبدو أن ورشة العمل التي ناقشت انهيار سد درنة، والكارثة التي سبّبها، لامست قضية التعاطي الأمني من جانب قوات حفتر مع القضية، وهو موقف غامض أيضاً، إذ شنّت أجهزة حفتر الأمنية وقتها حملة اعتقالات بحق من شاركوا في تظاهرة نظمت في مدينة درنة للمطالبة بالتحقيق في انهيار السد".
ويشير المقرحي إلى أن "واقعة مقتل دغمان تفتح الكثير من الملفات التي من الضروري اضطلاع النيابة العامة والقضاء بالتحقيق فيها، وهي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تجري في بنغازي، وفي أنحاء البلاد كافة".
وشهدت ليبيا خلال عام 2023 الماضي، وقوع 276 شخصاً ضحية انتهاكات ارتكبتها مجموعات مسلحة، وتعرّض بعض الضحايا لأكثر من انتهاك، وفقاً لتقرير لمنظمة رصد الجرائم في ليبيا (أهلية). ويذكر التقرير الذي صدر في مطلع إبريل/نيسان الحالي، أن العدد الإجمالي للانتهاكات يشمل مقتل 20 مدنياً خلال عمليات عسكرية دارت داخل مناطق مأهولة بالسكان، كذلك فإن 13 شخصاً راحوا ضحيّة للقتل خارج نطاق القانون، وعُثر على 12 رفات بشرية مدفونة في مقابر جماعية، وتعرّض 90 شخصاً على الأقل للإخفاء القسري لمدد مختلفة، إضافة إلى فقدان 148 مهاجراً حياتهم، أو تعرّضهم للاستهداف بالخطف والاعتقال التعسفي.
ويؤكد التقرير أن "الأرقام المذكورة لا تشكل سوى جزء بسيط من واقع وحشي لم نتمكن في ظلّه من توثيق حالات عديدة"، مشيراً إلى استمرار "الإفلات من العقاب، واستفحال الجرائم والانتهاكات الممنهجة التي تسعى السلطات والجماعات المسلحة في ليبيا للتعتيم عليها من خلال تقييد المجتمع المدني واستخدام سبل العنف والترهيب كافة".
ويؤكد المقرحي استمرار الانتهاكات من دون أي متابعة أو معاقبة، قائلاً إن "الإشكال الأكبر يتمثل بكون الجماعات المنتهكة للحقوق والحريات تعمل تحت مسميات أمنية أو حكومية، وتتخذ من ذلك ستاراً للتعمية على جرائمها، وكذلك جرائم أطراف الصراع السياسي. آخر الانتهاكات كانت اعتقال زعيم قبلي في الجنوب الليبي، وهو مصباح أبو سبيحة، وهو من أنصار نظام معمر القذافي، على خلفية تأييده لانخراط رموز النظام السابق في الانتخابات، وقد نُقل إلى سجون بنغازي، ومصيره لا يزال مجهولاً".