استمع إلى الملخص
تقع جنوب الموصل وتضم آلاف الجثث لضحايا "داعش" بين 2014 و2017. الحكومات العراقية لم تتخذ خطوات جادة لفتحها وانتشال الجثث.
- **التحديات السياسية واللوجستية لفتح المقبرة**
تعزو السلطات عدم فتحها لنقص المعدات، بينما يرى آخرون أن الأسباب سياسية. العملية تتطلب ضغطاً سياسياً وشعبياً، وتنسيقاً دولياً، ومخصصات مالية كبيرة.
- **الجهود والمبادرات لفتح المقبرة**
في يونيو 2023، وجه رئيس مجلس النواب العراقي الجهات المعنية لتقديم طلبات لفتح المقبرة، لكن المبادرة لم تصل لمرحلة التنفيذ. التقديرات تشير إلى أن عدد الضحايا قد يتجاوز 4 آلاف.
لا تزال مقبرة الخسفة جنوب مدينة الموصل بمحافظة نينوى العراقية تضم آلافاً من جثث الموظفين المدنيين والعسكريين الذين قتلهم تنظيم "داعش". وفتح المقبرة حكاية إخفاق سياسي.
علمت الحكومات العراقية التي توالت بين عامي 2014 و2017 بأن حفرة "الخسفة" جنوب مدينة الموصل بمحافظة نينوى، تحوّلت إلى مقبرة حين احتل تنظيم "داعش" المحافظة. وهي لا تزال تحتوي حتى اليوم على آلاف الجثث لمدنيين وعسكريين وموظفين كانوا في الموصل، من دون أن يقترب منها أحد تمهيداً لدفن ضحايا إرهاب "داعش" بطريقة لائقة، وكشف تفاصيل عمليات القتل. ويشكل ذلك إخفاقاً حكومياً حقيقياً رغم عدم وجود عراقيل تمنع فتح المقبرة.
و"الخسفة" التي تعرف بـ"الخفسة" محلياً، حفرة جيولوجية عميقة تبعد نحو 20 كيلومتراً من جنوب الموصل، مركز محافظة نينوى شمالي العراق، وتعد واحدة من المقابر الجماعية التي استخدمها "داعش" لتغييب جثث ضحاياه خلال سيطرته على الموصل بين يونيو/ حزيران 2014 ويوليو/ تموز 2017. ويقدر عدد الذين أعدمهم "داعش" وألقاهم في الحفرة نحو 3 آلاف. ويتحدث البعض عن أعداد مضاعفة مرتين أو ثلاثة.
ومن الواضح منذ سنوات عجز السلطات العراقية عن دخول حفرة "الخسفة"، وانتشال الرفات منها، في حين تبرر هذه السلطات الأمر بعدم وجود معدات ووسائل مناسبة لتنفيذ عمليات النزول إلى الحفرة وإخراج الجثث. لكن آخرين يعتبرون أن الأسباب الحقيقية سياسية لأن ضحايا الحفرة من سكان الموصل، وهناك جهات لا ترغب في الاعتراف بأن التنظيم الإرهابي وزع جرائمه على كل العراقيين بلا تمييز، وأن ضحاياه من سكان المناطق التي احتلها تحديداً أكثر من غيرها.
يقول مصدر عايش فترة احتلال "داعش" للموصل لـ"العربي الجديد": "فتح مقبرة الخسفة مطلب شعبي في مدينة الموصل، لكن الحقيقة أن لا أحد يستطيع الحديث عنها خشية أن يطاولهم بطش جهات سياسية وفصائل مسلحة تتحكم بالقرار في المحافظة".
ويوضح أن "إخراج الجثث أو دخول الخسفة سيُسكت من يتهمون أهالي الموصل بأنهم كانوا يؤيدون داعش، فالحقيقة أن آلافاً من أبناء المدينة عارضوا الإرهاب، وقتِلوا بأبشع الطرق".
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى مروان الطائي لـ"العربي الجديد": "قضية حفرة الخسفة المشؤومة من أولويات عمل مجلس المحافظة، وتحظى بأهمية كبيرة في الشارع الموصلي، لكن الانشغال بأمور سياسية وإدارية أرجأ فتح المقبرة. ونحن سنرتب هذا الملف في الأيام القليلة المقبلة بالتنسيق مع لجنة الأمن والدفاع في البرلمان والجهات المعنية، وستُكشف الحقائق وعدد الضحايا ويجري تعويض أهالي المتضررين".
من جهته، يتحدث الناشط السياسي في محافظة نينوى، يحيى الأعرجي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "إخراج آلاف الجثث في الخسفة يتطلب ضغطاً سياسياً وشعبياً من داخل الموصل أولاً، ثم عبر وسائل إعلام ومنظمات دولية في الخارج. ويجب أن تتبع المنظمات الحقوقية نفس الطريقة التي أفضت إلى فتح المقابر الجماعية الخاصة بضحايا داعش من الأيزيديين".
ويُشير إلى أن "نحو 98 بالمائة من جثث حفرة الخسفة من أهالي الموصل الذين وقفوا في وجه الإرهاب وعارضوه، ما ينفي الاتهام الأبرز الذي يوجه إليهم بأنهم كانوا موالين للإرهاب، فالحقيقة أن الإرهاب قتلهم وغيّب كثيرين منهم في حفر ومقابر".
وفي يونيو/ حزيران 2023، أصدر رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي توجيهاً إلى الجهات المعنية بتقديم طلبات بالاحتياجات الخاصة بفتح مقبرة "الخسفة".
وأعلن أن خطة العمل لفتح مقبرة الخسفة ستوضع بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والصحة، وهيئة الهندسة العسكرية في وزارة الدفاع، ومجلس القضاء الأعلى، والصليب الأحمر، واللجنة الدولية لشؤون المفقودين، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وفريق التحقيق الدولي لجرائم داعش"، لكن هذه المبادرة لم تبلغ مرحلة التنفيذ على الأرض.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، توقع مدير عام دائرة شؤون المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء العراقية، ضياء كريم، أن يستغرق فتح مقبرة "الخسفة" 5 سنوات على الأقل. وقال: "تعد المقبرة تحدياً كبيراً جداً للجهات المعنية بالموضوع، ولم يسبق لأي فريق في العالم أن عمل على مقبرة جماعية مماثلة عبارة عن حفرة كبيرة جداً تنتهي بنهر من كبريت، وكانت تعرضت إلى عمليات هدم وردم من قبل عصابات داعش الإرهابية، وتوجد وثائق وصور وخرائط جوية تؤرخ عمليات الدفن وتاريخها".
وكانت دائرة شؤون المقابر قدمت اقتراحين في شأن مقبرة "الخسفة"، أولهما الاكتفاء بجمع رفات جنب المقبرة، وتخليد باقي الرفات وفق بانوراما ونماذج معينة بسبب صعوبة فتحها، أما الثاني فشمل تضافر جهود قطاعات عدة مثل الطب العدلي في وزارة الصحة، ومؤسسة الشهداء، والهندسة العسكرية في وزارة الدفاع، والدفاع المدني في وزارة الداخلية، لفتح المقبرة الذي قد يستغرق 5 سنوات على الأقل، لأن العملية غير سهلة وتحتاج إلى مخصصات مالية كبيرة. وجرى التوجه إلى تنفيذ الاقتراح الثاني ما استدعى تقديم الجهات الأربع قوائم بالاحتياجات المالية واللوجستية إلى مجلس النواب الذي لم يرد بأي جواب.
ويقول الباحث إياد الدليمي إن "مجزرة الخسفة من أكبر المجازر التي حصلت في العراق، إذ تشير معلومات إلى أن التنظيم كان يرمي ضحاياه من أهالي الموصل في حفرة كبيرة تقع جنوب الموصل. وحتى الآن لا يعرف إجمالي عدد الضحايا الذين جرى التخلص منهم في هذه الحفرة التي تمثل أكبر مقبرة جماعية في العراق. وكل ما يعرف أن التنظيم تحدث بنفسه عن أنه قتل أكثر من ألفي شخص من معارضيه ورماهم في الحفرة، بينما تشير تقديرات إلى أن عدد الضحايا قد يتجاوز 4 آلاف".
ويلفت الدليمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "لا أحد من الجهات الرسمية أو المنظمات الحقوقية الدولية معني بفتح تحقيق حول ما جرى في تلك المنطقة، وبالتالي كشف تفاصيل تلك الفترة، كما أن الحكومات العراقية تلتزم الصمت منذ ذلك الحين حيال مجزرة الخسفة، وأعتقد بأن الأمر يتعلق بالطريقة الطائفية والإقصائية التي تحاول الحكومات بناء رواياتها عليها، فالخسفة مجزرة والجهات الدولية الحقوقية لا يمكن أن تباشر أي تحقيق من دون أن تحصل على إذن رسمي. من هنا أرى أن الخسفة ستبقى شاهدة على التمييز في تعامل الحكومات مع العراقيين، في حين يفترض أنها تمثل الجميع".