مقابر خانيونس.. أطفال ينامون بين الأموات

01 اغسطس 2024
مقابر خانيونس الملاذ الأخير للنازحين الفلسطينيين، 27 يوليو 2024 (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

باتت مقابر خانيونس في جنوب قطاع غزة مأوىً لعدد من النازحين الفلسطينيين في ظل هجمات إسرائيل على المناطق الشرقية للمدينة وتدمير منازلهم وتركهم يصارعون الحياة وسط الجوع والعوز وأزمة المياه وانتشار الأمراض.

الطفلة الفلسطينية نفيسة كوارع (11 عامًا)، ليست كغيرها من أطفال العالم، فهي لا تستطيع اللجوء إلى مدينة الملاهي لقضاء وقت ممتع أو النوم على فراش مريح دافئ، لأنها في قطاع غزة الذي يشهد حربا إسرائيلية مدمرة للشهر العاشر. اتخذت الفتاة برفقة عائلتها المكونة من ثمانية أفراد مقبرة في مدينة خانيونس مأوىً لهم، وبرفقة شقيقتها وصديقاتها تلهو الطفلة بين القبور والشواهد وتلعب بالرمال، في مشهد يعكس مدى المعاناة التي تعيشها العائلات الفلسطينية النازحة في ظل الحرب.

في هذا المكان المكتظ بالقبور والنازحين، الذي كان من المفترض أنه مخصص للأموات، تعثر الطفلة وأحباؤها على لحظات من البراءة واللعب ومكان مؤقت للسكن، بينما تعصف بهم الظروف القاسية والمستمرة.

مقابر خانيونس ملاذ النازحين

واضطر النازحون من منازلهم قسرا للعيش بين قبور الأموات، وهو ما يعكس حجم مأساة الحرب المستمرة للشهر العاشر على التوالي وآثارها الإنسانية المدمرة على الفلسطينيين، في ظل انتشار الأمراض والأوبئة.

مقبرة في خانيونس تصبح مأوى لعائلات فلسطينية نازحة

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي سكان مناطق وأحياء سكنية بإخلائها استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل بداخلها. ويضطر الفلسطينيون خلال نزوحهم للجوء إلى بيوت أقربائهم أو معارفهم، والبعض منهم ينصب خياما في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى، مثل السجون والمقابر ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة، حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية وتنتشر الأمراض.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مليوني شخص.

بين الجثامين

وقالت الطفلة نفيسة، لـ"الأناضول": "نزحنا بفعل الحرب الإسرائيلية من منزلنا إلى المقبرة". وأضافت: "نزحنا إلى المستشفيات والمقابر وكثير من الأماكن، كل يوم نسمع أصوات الطائرات والبكاء والصراخ على الشهداء، ونرى الجنازات، نشعر بخوف كبير". وتشعر الطفلة بالخوف والقلق أثناء اللعب بين قبور الأموات والشهداء، لكنها تحاول التعايش مع هذا الواقع المؤلم.

فيما قال الفلسطيني أحمد كوارع، الذي لجأ إلى مقبرة في خانيونس برفقة عائلته: "نحن كائنات ميتة تتنفس وتعيش في المقابر بجوار الأموات". واضطر أحمد لنصب خيمة داخل المقبرة التي دفن فيها اثنان من أبناء عمه، بعد مقتلهما في قصف إسرائيلي استهدف تجمعًا للمواطنين في منطقة جورة اللوت، ونام بالقرب منهما في محاولة للبقاء على قيد الحياة.

وأضاف متحدثا لـ"الأناضول": "نزحنا من خانيونس بعد إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء بذريعة أن المناطق الشرقية هي مناطق قتال خطيرة، فاضطررنا للبحث عن مكان يؤوينا".

ولم تنجح محاولات عائلة أحمد في إيجاد مأوى في منطقة المواصي وقرب شاطئ البحر غربًا، فقد كانت جميع الأماكن ممتلئة ولا يوجد متسع لوضع خيمة جديدة، وتابع: "دفنّا أنفسنا مع الأموات ونحن لا نزال على قيد الحياة، لم تعد لدينا أي مشاعر أو أحاسيس؛ فالحالة النفسية صعبة للغاية والحرب أنهكتنا"، وتساءل: "هل يمكنك أن تتخيل نفسك تنام داخل مقبرة وبجوار قبر؟! قبل الحرب كنا نسرع في المشي بمجرد وصولنا إلى جانب المقبرة لتجاوزها بسرعة من هول الموقف فقط".

الأموات لم يسلموا

ولا يختلف الوضع بالنسبة للفلسطينية رحاب كوارع، التي نزحت عدة مرات وتعيش في المقابر في أوضاع كارثية وصعبة. وقالت رحاب لـ"الأناضول": "هذه الحرب هي الأصعب، الجيش يقول لنا اذهبوا إلى المناطق الآمنة، ثم يقوم بقصف واستهداف المدنيين فيها، فأين الأمن والأمان الذي يدّعيه الجيش؟". وأضافت: "نزحنا إلى المقابر وهي غير آمنة، فالجيش اجتاحها بريًا وجرفها وعاث فيها خرابًا وتدميرًا، فلا الأحياء سلموا ولا الأموات".

وفي مقبرة أبو جزر المجاورة، يصف الفلسطيني فتحي محارب الوضع قائلاً: "يصل النازحون إلى المقابر بلا مأوى ولا مكان بديل، فيضطرون للجلوس فوق القبور وداخل المقابر للاحتماء فيها هم وعائلاتهم".

نزحنا إلى المقابر وهي غير آمنة، فالجيش اجتاحها برياً وجرفها وعاث فيها خراباً وتدميراً، فلا الأحياء سلموا ولا الأموات

وأضاف متحدثا لمراسل "الأناضول": "جميعنا أموات هنا، لا فرق بيننا وبين الأموات". وأشار فتحي إلى أنهم يقدمون المساعدة للنازحين في حفر وتجهيز القبور، لأن كثيرين لا يستطيعون تحمل تكاليف ذلك.

أما الفلسطيني منار كوارع، فقال لمراسل "الأناضول": "نحن أحياء، لكننا فعليًا أموات، لا نريد شيئًا من هذا العالم، نريد فقط البقاء في بيوتنا وأن نعيش آمنين". وأضاف النازح: "نعيش في أكواخ لا تصلح للعيش الآدمي وهي أقرب لعيش الدواجن والحيوانات، لا مياه ولا طعام".

ويعاني النازحون من صعوبة بالغة في توفير المياه الصالحة للشرب، حيث يقطعون مسافات طويلة للحصول على بضعة لترات منها. ويقنن السكان استخدامهم لمياه الشرب خشية من انقطاعها وعدم الحصول على كميات جديدة. ويواجه المواطنون تفاقمًا في أزمة شح الطعام التي تهدد حياتهم بسبب استمرار الحرب وما رافقها من تشديد للحصار ومنع أو تقنين إدخال المواد الغذائية التي كانت محدودة أصلًا.

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل بدعم أميركي حربا على قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 130 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال. وتواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون