لم تنفع العلاجات التي تفتقت عنها أفكار حكومة تصريف الأعمال في لبنان ورئيسها ووزير التربية والتعليم العالي في إيجاد حل لقضية المعلمين والأساتذة في المدارس الرسمية. كذلك، لم ينجح مجلس النواب في إنصاف معلمي المدارس الخاصة الذين يتابعون التدريس بخلاف زملائهم في المدارس الرسمية، والذين فشلت الاجتماعات المتتالية في إقناعهم بالعودة إلى التدريس لإنقاذ العام الدراسي.
وكان مجلس الوزراء قد أقرّ في جلسة انعقدت في 27 فبراير/ شباط الماضي تقديم بدل 5 ليترات بنزين عن كل يوم عمل للمعلمين من أجل تسهيل وصولهم إلى المدارس، ومنح نظرياً حتى الآن الإدارات العامة وأساتذة التعليم الرسمي "تعويض إنتاجية عن كل يوم حضور فعلي"، وهو بمثابة زيادة مالية على الرواتب، لكن لا تدرج ضمنها، ولا تحتسب بالتالي في تعويض نهاية الخدمة.
وقد رَحَّبَ معلمو المدارس الرسمية بليترات البنزين الخمسة التي ستُعطى وفق آلية تصدر بقرار مشترك بين وزراء الطاقة والمال والتربية، لكنهم اعتبروا أنها لا تكفي لحل المعضلة التي سبَّبَت إعلانهم الإضراب، لأن البنزين مدخل للحل يرتبط بباقي البنود، ومنها بدل الإنتاجية والاستشفاء والحوافز بالدولار التي وعدَ بها وزير التربية، وغيرها.
وهكذا لم يرفع المعلمون إضرابهم المستمر منذ نحو شهرين ونصف شهر، علماً أن بدل الإنتاجية الذي أرجأ مجلس النواب تحديد قيمته بعدما طالب وزارة المال بإجراء مزيد من البحث لا يشمل الموظفين المتقاعدين، بخلاف الزيادات التي كانت تُقَر سابقاً.
وسيحصل الموظفون بموجب مرسوم بدل الإنتاجية الذي أرجئ إصداره لأنه استثنى المتقاعدين المدنيين والعسكريين، عن كل يوم حضور تبعاً لرتبهم ومترتباتهم، وعليه، تتفاوت قيمته بحسب الفئات الوظيفية. فالموظفون في الفئة الأولى يحصلون على 800 ألف ليرة (يساوي سعر صرف الدولار نحو 80 ألف ليرة في السوق السوداء)، وموظفو الفئة الثانية 700 ألف ليرة، وموظفو الفئة الثالثة 600 ألف ليرة، وموظفو الفئة الرابعة 500 ألف ليرة، وموظفو الفئة الخامسة ومقدمو الخدمات الفنية 400 ألف ليرة.
ويؤكد قرار المعلمين رفضهم العشوائية التي لا تحمي رواتبهم من التآكل، خصوصاً أنّ قفزات الدولار (وصلت إلى 90 ألف ليرة وتراجعت لاحقاً إلى نحو 80 ألفاً) يستتبعها غلاء في أسعار المواد الأساسية، كالمحروقات والخبز والأدوية وتكاليف العيش كالاستشفاء والخدمات.
وفي الأصل، يرفض المعلمون مبدأ بدل الإنتاجية لصالح المطالبة بتحريك الرواتب بحسب سعر صرف الدولار، في وقت يؤكدون أنّ من غير المفهوم كيف تحدّد الدولة سعراً رسمياً عند 15 ألف ليرة، وتعطي الموظفين رواتب وفق سعر رسمي عند 1500 ليرة.
ومع ذلك، تبدو المشكلة أكثر تعقيداً، ويدخل فيها ملف الاستشفاء من خلال وزارة الصحة أو الصناديق الضامنة بعدما باتت تقديمات الوزارة وتعاونية الموظفين تساوي أقل من ربع قيمة الفاتورة الصحية، وأصبحت "مدولرة" بنحو شبه كامل.
من هنا يطالب الأساتذة بـ"دولرة" رواتبهم أسوةً بباقي القطاعات، باعتبار أن رواتبهم ما زالت على سعر صرف الـ1500 ليرة لبنانية مضروبة بثلاثة أضعاف، فيما يصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 80 ألف ليرة.
وأعلنت لجان المعلمين بعد قرارات مجلس الوزراء أن "إقرار الحكومة دفع بدل نقل 5 ليترات بنزين عن كل يوم حضوري، هو أحد المطالب، لكنه جاء ناقصاً". وذكّرت أن "مجلس الوزراء أقرّ في جلسة سابقة مرسوم بدل نقل للمتعاقدين يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من مارس/ آذار، وهو عن ثلاثة أيام كحد أقصى أسبوعياً. والمرسوم ذاته أقرّ في 10 فبراير/ شباط 2022، ما يعني أنهم سلبوا المتعاقد بدل نقل العام الماضي، وبدل نقل الفصل الدراسي الأول".
وليس ذلك إلا جزءاً من مشكلات المتعاقدين الذين يتقاضون بدل ساعات عملهم متأخرة، وكانوا قد اتفقوا مع الحكومة على قبضها شهرياً لتجنب تآكل قيمتها الفعلية، وعوَّلوا على إعداد الحكومة مرسوماً بهذا الشأن، لكنها أقرّت هذا الحق لمتعاقدي الجامعة اللبنانية من دونهم. أما المشكلة الأبرز، فتتمثل بطلبهم الحصول على حوافز بالدولار الأميركي، وليس بالليرة.
وسبق أن أقرّت الدولة حصولهم على حوافز 390 دولاراً عن الفصل الدراسي الأول، بمعدل 130 دولاراً شهرياً. لكن خلال أشهر الإضراب وما سبقها، لم يتلقوا دولاراً واحداً، ثم تراجع المبلغ الشهري إلى حدود 5 دولارات عن كل يوم تدريس، ما أثار حملة رفض عارمة.
ويحدد هؤلاء مطالبهم بإدراج مشروع العقد الكامل في أول بنود أي جلسة نيابية تشريعية، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تمديد العام الدراسي لتعويض الطلاب، ودفع الحوافز عن كل شهر تعليمي من العام الدراسي، وتحديد سعر صيرفة خاص بالقطاع التربوي، وقبض مستحقات بدل النقل عن العام الماضي، ومفعول رجعي لبدل النقل عن العام الحالي، ووضع القبض الفصلي حيّز التنفيذ فور العودة إلى التعليم.
وبالانتقال إلى معلمي المدارس الخاصة، تشمل همومهم انهيار أجورهم، رغم أن بعض المؤسسات باتت تدفع نسبة معينة منها بالدولار، وهو ما تحاول هذه المؤسسات عدم تعميمه لأنه يحمّلها أعباءً مالية سترتد على الأهالي الذين يعجز نحو 60 في المائة منهم عن دفع الأقساط .
وتطالب نقابة معلمي المدارس الخاصة مجلس النواب "بتصحيح الخطأ الوارد في قانون موازنة عام 2022 الذي حرمهم الاستفادة من زيادة راتبين بالعملة الوطنية على الراتب الأساس، واعتباره بنداً طارئاً للحفاظ على مبدأ وحدة التشريع بين معلمي القطاعين العام والخاص، ومن أجل تحسين الراتب الأساسي للمعلم، ولا سيما في صندوق التعويضات"، وتدعو إلى "وضع اقتراح تغذية صندوق تقاعد المعلمين على جدول الأعمال، واعتباره اقتراحاً طارئاً من أجل تحسين رواتب المتقاعدين"، لكن مجلس النواب منقسم حول مبدأ "تشريع الضرورة" الذي يقترحه البعض ويرفضه آخرون.
وفيما يبدو الخلل واضحاً، تمارس مدارس القطاع الخاص التعليم على نحو شبه طبيعي، في مقابل توقف المدارس الحكومية، بينما لا يعقل أن تجري الوزارة امتحاناً لطلاب المدارس الخاصة، بينما يواصل زملاؤهم في القطاع الرسمي انقطاعهم عن الدروس.
وفي حال الاكتفاء بإعطاء إفادات مدرسية أو من الوزارة لطلاب صفوف الشهادات الرسمية، سيطعن ذلك بالوزارة وبالتعليم، ويُدخل الطلاب في مأزق رفض الاعتراف بما حصلوا عليه كجواز مرور للدراسة الجامعية. ويتحدث البعض عن إلغاء امتحانات الشهادة المتوسطة والاكتفاء بامتحان الثانوية العامة، لكن المعضلة أكبر، فالطلاب في القطاعين يعانون من قصور في مستواهم التعليمي.
ويجهد أساتذة الجامعات لرفع مستوى طلابهم من دون أن يحققوا نجاحاً كبيراً، باعتبار أن الضعف في كفايات الطلاب في الثانوية العامة مرده ضعف سابق في المرحلة المتوسطة، وقبلها في التعليم الأساسي. وهكذا يُصدَّر الضعف في المستوى من مرحلة إلى مرحلة دون علاج للوضع.
وحالياً، يعد معلمو القطاع الرسمي بأنه في حال موافقة الحكومة على مطالبهم، سيعمدون إلى تكثيف الدروس للتعويض على ما فات طلابهم الـ 400 ألف، باعتبار أن الـ800 ألف طالب وتلميذ في القطاع الخاص تابعوا الدراسة على نحو عادي. لكنهم في الوقت نفسه يطالبون الوزارة بتقليص المقررات الدراسية كي يتمكنوا من تحقيق ما وعدوا به. لكن ما يجب ذكره، أن معلمي القطاع الخاص ليسوا أفضل حالاً على الصعيد المعيشي بكثير من القطاع الرسمي. بالطبع، هناك فوارق بين مدارس الخمسة نجوم والمدارس العادية. في الأولى يحصل المعلمون على جزء من رواتبهم بالدولار، لكن في سواها لا تزال رواتب بعضهم في حدود المليوني ليرة، أي ما يساوي حوالى 25 دولاراً.
ومع أن معلمي القطاع الخاص يلوّحون بالدخول في إضراب لنيل حقوقهم، إلا أن النقاشات التي تشهدها الجمعيات العمومية تحاول الحفاظ على شعرة معاوية التي تُشَد وتُرخى من باب الحرص على الحقوق وإنقاذ العام الدراسي في الوقت نفسه، علماً أن المدارس الخاصة تستقطب حوالى 75 في المائة من عدد طلاب التعليم العام. وتكمن المشكلة في انهيار قيمة الليرة، بينما أسعار أساسيات العيش تتصاعد يومياً على وقع تحليق الدولار عالياً.