تزداد هموم اللبنانيين يومياً، وترتفع حدّة الشعور بالقلق، مع كلّ استحقاقٍ جديد وحدثٍ سياسيّ، مالي، اقتصادي، وحادث أمني، يرتدّ مباشرة على الشعب الغارق في الأزمات والانهيارات النقدية والمعيشية، والخائف على مصيره من "يوم غدٍ" وغدر أهل السلطة الذين حوّلوا أحلامهم إلى كوابيس وعرقلوا طموحاتهم بمستقبلٍ مشرقٍ.
وأمام الواقع الكارثي وارتفاع معدّلات البطالة والفقر والجوع، يُسجّل لبنان أرقاماً خطرة في معدّلات الجرائم التي تختلف بأنواعها، بحسب مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، من عمليات تزوير للعملة، ونصب واحتيال، وترويج المخدرات، والانتحار، وابتزاز إلكتروني، وقتل، وعلى رأسها جرائم السرقة.
ويشير المصدر إلى أنّ جرائم السرقة ارتفعت هذه السنة مقارنة مع عام 2019، وخصوصاً في الأشهر الأربعة الماضية، وبعد انفجار مرفأ بيروت الذي وقع بتاريخ الرابع من أغسطس/آب الماضي، في تداعيات متوقعة بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها اللبنانيون، علماً أنه لا تبرير للقيام بأعمال خارجة عن القانون، لكنّ ردود الفعل تتسع رقعتها عندما يجد المواطن نفسه أمام حائط مسدود.
يُسجّل لبنان أرقاماً خطرة في معدّلات الجرائم، التي تختلف بأنواعها،
ويلفت المصدر إلى أنّ جرائم السرقة، وخصوصاً حوادث سرقة السيارات وعمليات السلب، هي الأكثر ارتفاعاً، وتخطّى عدد الموقوفين على ذمة التحقيق في جرائم سرقة في بيروت، بعد الانفجار، مئتي شخص، علماً أنّ هذه الجرائم ارتكبت من أفرادٍ وأحياناً شخص واحد، وكذلك من جانب عصابات مؤلفة من عدّة أشخاص محترفين وأصحاب سوابق، واللافت أن غالبيتهم بأعمار شابة نسبياً.
ويقول المحامي أشرف الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الجرائم بشكل عام زادت 132 في المائة، مقارنة مع السنوات الماضية، إذ زادت عمليات السلب والسرقة والسطو المسلّح، سواء على الطرقات العامة أو على صعيد المنازل أو السيارات أو الصيدليات والسوبرماركت، وغيرها، نتيجة الانفلات الأمني، وبتقديري فإنّ جرائم السرقة والسلب تخطّت ألف عمليّة هذه السنة وحتى اليوم.
ويشير الموسوي إلى أنّ عمليات المداهمة مقبولة، لكن يفترض أنّ تكون أكثر فعالية ونوعية، خصوصاً للأشخاص المعروفين بالأسماء ومكان الإقامة، حيث إنّ هناك من 15 إلى 20 شخصاً، يتوزعون بين بيروت والشمال والبقاع، من أصحاب الهويات المعروفة، ولم يتم توقيفهم وإلقاء القبض عليهم بعمليات دقيقة ونوعية. لافتاً إلى أنّ جرائم السرقة المرتكبة من عصابات منظّمة تفوق تلك الفردية.
ويلفت المحامي أشرف الموسوي إلى أنّ الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية يجب أن تفرض إجراءات مشدّدة، لناحية الملاحقة والتدابير الأمنية والتوقيفات والمحاسبة، خصوصاً أنّه في ظلّ الوضع الأمني والسياسي والأزمة الاقتصادية، فإنّ الأمور ذاهبة إلى مزيدٍ من العمليات والجرائم.
ويقول الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّ نسبة البطالة وصلت إلى 40% أي نحو 600 ألف عاطل عن العمل في لبنان، في حين أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ارتفعت جرائم السرقة بنسبة 48 بالمائة، وجرائم القتل بنسبة 104 بالمائة.
وطاولت عمليات السرقة المنازل باعتبار أنّ الناس، ونتيجة القيود المصرفية، اتجهت إلى وضع أموالها في البيت، وهناك أحياء شعبية وفقيرة لا تتوفر فيها أنظمة الحماية والرقابة، ويُسهل تنفيذ عملية سرقة فيها، كما شملت محلات سوبرماركت، وأحياناً كانت المضبوطات مواد وسلعا غذائية وليس فقط مبالغ مالية، إضافة إلى صيدليات، سواء أدوية أو أموال.
وأطلق الصيادلة صرخة في مراحل ماضية لحمايتهم نتيجة عمليات غالباً ما تكون من مسلّحين، وصولاً إلى سرقة السيارات بهدف بيعها أو تهريبها، أو سرقة ما بداخلها بعد كسر زجاجها، وسرقة دراجات نارية، تبعاً لشكاوى المواطنين وبيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
ويقول موظف في إحدى شركات استيراد المنتجات الغذائية، لـ"العربي الجديد"، إنّ العمل على الطرقات وتوزيع المواد الغذائية على محلات السوبرماركت لم يعد بهذه السهولة، وسبق أن تعرّضنا لمحاولة سرقة وسلب، لكننا نجونا بأعجوبة، كوني تحكّمت سريعاً بالسيارة ونجحت في الابتعاد عن السيارة التي تلاحقنا، للأسف، الأمن والأمان مفقودان في لبنان، حتى في وضح النهار، حيث إن الجرائم باتت ترتكب على مدار الساعة وليس فقط في الليل.
من جهتها، تعبّر رونا بعقلين، وهي تعمل بدوام ليلي في أحد المطاعم في جونية، لـ"العربي الجديد"، عن أنّها تعيش حالة من الخوف كلّ ليلة في طريق عودتها إلى المنزل، نتيجة الأخبار التي تسمعها والعمليات التي تحصل أخيراً، وترتفع نسبتها في الأشهر القليلة الماضية، وتقول، "بمجرّد صعودي إلى السيارة أعمد سريعاً إلى إقفال الأبواب، والقيادة بتركيز عال، حتى في بعض الأوقات إن صادف مرور سيارة تسير ببطئ، تخطر ببالي مائة فكرة أو رواية، وكأن هذه السيارة تبطئ عن قصد لتوقيفي على الطريق، واعتراضي، فأسارع لتخطّيها، لدرجة أن الشك بات يطاول كلّ سيارة موجودة على الطريق أو الأوتوستراد السريع، وهذا الشعور مخيف جداً، ومقلق للغاية هذه أوّل مرّة ينتابني في حياتي، وأثّر أيضاً على عائلتي، وأمي التي لا تنام قبل وصولي إلى المنزل الذي أيضاً لم يعد آمناً نظراً لكثرة عمليات سرقة المنازل، ولأجل ذلك قمنا بتركيب بوابة حديدية من باب الأمان والاحتياط.
وتشير بعقلين إلى أنّ "حياتنا باتت عبارة عن قلقٍ متواصلٍ، وشعور بانعدام الأمان، وضرورة التصرف بشكل فردي، لحماية أنفسنا، في ظلّ تدابير أمنية خجولة، للأسف لا تظهر إلّا بعد وقوع (الكارثة)".