"معجزة" البقاء على قيد الحياة تحت الأنقاض لأكثر من أسبوع

بيروت

سارة مطر

avata
سارة مطر
15 فبراير 2023
HGJ
+ الخط -

منذ وقوع الزلزال الكارثي، فجر يوم الاثنين في السادس من فبراير/شباط الجاري، والذي ضرب تركيا وسورية، راحت تكثر الأسئلة والتحاليل حول المدة الزمنية القصوى لصمود الإنسان تحت الأنقاض. وبعد أكثر من أسبوع على الفاجعة، ما زالت الأخبار ترد عن عمليات إنقاذ أشخاص صمدوا على قيد الحياة أكثر من 200 ساعة.

وفي حين يخلص أطباء ودراسات علمية إلى أنّ قدرة الإنسان على العيش من دون مياه لا تتجاوز أسبوعاً واحداً كحدّ أقصى، فإنّ ما شهدناه بعد الزلزال الأخير في جنوب تركيا وشمال سورية والذي صُنّف "معجزات"، يدفع في اتّجاه فرضيات عديدة حول الموضوع. ومن بين تساؤلات كثيرة: هل توفّرت مصادر مياه أو شراب أو طعام إلى جانب العالقين تحت الأنقاض، ليساهم ذلك في نجاتهم؟ وهل أنّ عدم إصابتهم بأيّ كسور أو جروح بليغة أو نزيف داخلي ساهم كذلك في الأمر؟

"متلازمة الهرس" تتسبّب في وفاة ناجين

يقول الطبيب المتخصّص في طبّ الأطفال والخدّج وسيم بكراكي لـ"العربي الجديد" إنّ "الموضوع يشمل أكثر من جانب. ففي حال كان الشخص جريحاً تحت الأنقاض، تكون مدّة خلاصه أقلّ بكثير من سواه، إذ إنّه يفقد كميات من السوائل والدم، وبالتالي تكون مدّة الحياة قصيرة، لا تتعدّى أحياناً 24 ساعة". يضيف أنّ "التنفّس عامل آخر مهم جداً، علماً أنّ المدّة المتوقعة لعدد الأيام التي يمكن للإنسان أن يصمد خلالها من دون مياه وطعام وشراب هي عادةً سبعة أيام كحدّ أقصى، أي نحو 168 ساعة"، لكنّه يشير إلى أنّه "من الممكن أن تختلف هذه المدّة لدى الأطفال وأولئك الذين يعانون من مشكلات صحية. وأيّ شخص يتمّ إنقاذه بعد هذه المدّة، يعني أنّه قد تخطّى المتوقّع".

ويشرح بكراكي أنّه "عند نقص المياه، تبدأ خلايا الجسم في الجفاف وتقلّ كمية البول كثيراً وتبدأ آلام الرأس وينخفض ضغط الدم وتقلّ الحركة، وينتاب المرء شعور بالإرهاق أيضاً. أمّا أبرز العوامل التي تؤثّر في مسألة البقاء على قيد الحياة فهي الوصول إلى المياه والهواء، نسبة الجروح الموجودة والنزيف، حالة الطقس، الوضع النفسي ومدى الإصابة بمتلازمة الهرس أو متلازمة السحق التي تُعَدّ بالغة الأهميّة، حتى بعد إنقاذ الأشخاص".

الصورة
طفل سوري نجا من تحت الأنقاض في زلزال فبراير 2023 (محمد سعيد/ الأناضول)
بعد نحو 4 أيام أُنقذ هذا الصغير السوري من تحت الأنقاض في شمال غرب سورية (محمد سعيد/ الأناضول)

ويوضح بكراكي أنّ المتلازمة المذكورة "تأتي في حالات الصدمات أو البقاء مدّة طويلة بلا حراك، إذ تبدأ الخلايا في الموت وتتعرّض العضلات للضمور. ومع خروج الإنسان من تحت الأنقاض وحصوله على السوائل والتغذية، تبدأ الخلايا الميتة بالتحرّك وتتجمّع السوائل في العضلات المتضرّرة، فيصل الأمر به إلى حالة الصدمة والفشل الكلوي وارتفاع نسبة الحموضة في الدم وفرط البوتاسيوم في الدم. وهذه كلّها عوامل خطرة تجتمع من ضمن ما يُسمّى بمتلازمة الهرس التي قد تتسبّب في وفاة بعض الناجين، لا سيّما في حال انعدام الخبرة الطبية والمعدّات اللازمة. فعندما يُصاب المرء بالفشل الكلوي إلى جانب التسمّم من جرّاء الخلايا المتضرّرة، فقد تحصل وفاة مفاجئة".

وعن صمود بعض الأشخاص، يقول بكراكي: "أظنّ أنّ أحجام الأطفال الصغيرة ساعد في عدم تعرّض بعضهم للرضوض وفي بقاء أجسادهم سليمة، فصاروا بالتالي قادرين على الصمود أكثر. وثمّة حالات كان الأطفال فيها يواصلون الرضاعة الطبيعية، لكنّنا لا نعلم من أين جاء حليب الأمّهات فيما هنّ من دون طعام أو شراب". ويتابع: "كذلك لا نعرف إذا كان في جوار بعض العالقين ما يقتاتون عليه. وثمّة أشخاص علقوا في أماكن سمحت لهم بالتحرّك قليلاً، ولم يتعرّضوا للإصابة بكدمات أو جروح، وهذا عامل إيجابيّ. في الإطار نفسه، قد تؤثّر الحرارة المتدنية إيجاباً في حال لم تكن شديدة البرودة. فقد ساعدت حالة الطقس الباردة في تركيا وسورية على النجاة، لا سيّما أنّ الحرارة المرتفعة تتسبّب في التعرّق وتؤدّي بالتالي إلى خسارة الجسم كميات أكبر من السوائل".

الخلاص مرتبط بحالة كلّ فرد

من جهتها، تقول المتخصّصة في الطب العام روزيت دعبول لـ"العربي الجديد" إنّ "مسألة الخلاص تعتمد على ظروف كلّ فرد وحالته، فلكلّ واحد حكايته". تضيف أنّ "كلّ الفرضيات واردة"، شارحة أنّ "الطعام والمياه قد يكونان توفّرا لبعض العالقين، بعد الدمار الذي وقع وتناثُر مقتنيات المنازل. وقد يكون آخرون تمكّنوا من شرب مياه الأمطار، فيما الأطفال كانوا يرضعون من أمّهاتهم". وتلفت إلى أنّ "ثمّة من قال إنّه شرب بوله، لكنّ لهذا مضاعفات صحية بالتأكيد، مثل التسمّم".

وتوضح دعبول أنّه "في حال كان الأشخاص العالقون تحت الأنقاض بكامل صحتهم، فإنّ قدرة الجسم على تحمّل العطش والجوع في غياب المياه والطعام تتراوح ما بين ثلاثة أيام وسبعة كحدّ أقصى. لكنّ الطفل والمسنّ والمصاب بفقر الدم أو الفرد الذي أُصيب بنزيف أو جروح أو كسور، يخسر مقوّمات الصمود وقد يفقد ضعف جسمه، لذلك تصير قدرة التحمّل أقلّ بكثير".

الصورة
عملية إنقاذ ناجية من زلزال فبراير 2023 في تركيا (كريس ماكغراث/ Getty)
من عملية إنقاذ ناجية من الزلزال في تركيا (كريس ماكغراث/ Getty)

البرد ساهم في نجاة عدد أكبر

بدوره، يقول الطبيب المتخصّص في العناية المركّزة والإنعاش الطبي بدر علي إنّه "في حال لم يتعرّض الشخص لأيّ أذى فإنّ احتمال نجاته من تحت الأنقاض تكون أكبر مقارنة بالذين تعرّضوا لكسور أو نزيف داخلي من شأنهما أن يؤدّيا إلى تدهور حالاتهم ثمّ وفاتهم". ويؤكّد علي أنّ المعطيات العلمية المتوفّرة تفيد بأنّ "المياه حاجة أساسية، وبالتالي يستطيع الإنسان البقاء على قيد الحياة من دون مياه لفترة تتراوح ما بين ثلاثة أيام وسبعة على الأكثر، في حين يستطيع البقاء من دون طعام لمدّة أسابيع. كذلك، فإنّ القدرة على وصول الهواء إلى هؤلاء وعلى التنفّس يساعدان على الصمود، في حين تزداد خطورة اختناق الأشخاص الموجودين في أماكن مغلقة".

ويلفت علي إلى "اختلاف الحالات بحسب اللياقة البدنية لكلّ شخص وكميّة الشحوم في جسمه وبنيته الغذائيّة. لكنّ ثمّة عوامل عديدة، من بينها درجات حرارة الجوّ المنخفضة التي تمكّن الجسم من تحمّل البقاء بلا مياه أكثر من درجات الحرارة المرتفعة التي تسبّب التعرّق وبالتالي تناقص السوائل في الجسم، فيُصاب بالتجفاف وتتضاءل قدرة المرء على الصمود وتتدهور حالته الصحية سريعاً. وفي المنطقة المنكوبة في تركيا وسورية، ساهمت درجات الحرارة الباردة في عدد أكبر من عمليات الإنقاذ".

ويستذكر علي "نجاة بعض الأشخاص خلال الزلزال الذي ضرب هايتي في عام 2010، بعد أربعة أسابيع تحت الأنقاض، نظراً إلى أنّهم كانوا يشربون مياه الصرف الصحي التي كانت تجري بمحاذاتهم. لكنّ هذا يبقى بالتأكيد ظرفاً استثنائياً مكّنهم من الصمود والنجاة".

ذات صلة

الصورة
ناج من زلزال سورية (العربي الجديد)

مجتمع

بعد نجاته من الموت الذي خطف أفراد أسرته، بات حلم حمزة الأحمد (17 عاماً)، أن يكون لديه طرف اصطناعي ذكي عوضاً عن القدم التي فقدها في زلزال فبراير.
الصورة
مبادرة التبرع بالدم في شمال سورية (العربي الجديد)

مجتمع

تتواصل لليوم الثاني على التوالي مبادرة "ومن أحياها" للتبرّع بالدم، شمال غربي سورية، أطلقها الدفاع المدني السوري بالتعاون مع منظمة وطن
الصورة
عائلة غنام في عزمارين السورية تعيش ألم الزلزال (عامر السيد علي/ العربي الجديد)

مجتمع

مضى عام على كارثة الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية والجنوب التركي، وخلف معاناة لدى الناجين منه، خاصة العوائل التي فقدت أفراداً منها.
الصورة
نازحان في غزة (العربي الجديد)

مجتمع

يحاول النازح الفلسطيني أبو أحمد أبو القمبز من حي الشجاعية شرق مدينة غزة التخفيف من آلام صديقه الجديد أبو مصطفى سالم، الناجي الوحيد من مجزرة إسرائيلية.
المساهمون