مصر: ناشطة نسوية تُعيد قضيّة "نصدق الناجيات" إلى الواجهة

03 سبتمبر 2021
تظاهرة رفضاً للعنف والتحرش ضد المرأة (أحمد إسماعيل/ الأناضول)
+ الخط -

قبل نحو عام، نشرت مدونة نسوية شهادات ناجيات من حوادث عنف وترهيب واغتصاب وتحرش جنسي. وشجعت الكثيرات على البوح بما تعرضن له. أدين في الحملة النسوية التي قادتها المدونة الإلكترونية أسماء صحافيين ونشطاء سياسيين وحقوقيين ومفكرين وسينمائيين وشخصيات عامة. ونجحت المدونة في إجبار بعض المدانين على الاعتذار علناً، وإحالة آخرين إلى التحقيقات في أماكن عملهم.
في المقابل، تمكّن البعض من صدّ الاتهامات التي واجهتهم من خلال تشكيل لجان تحقيق مستقلة مشكّلة من أسماء حقوقيّين، فيما لجأ آخرون للتشكيك في الروايات المجهولة المنشورة على المدونة لصد تلك الاتهامات. وعمد صحافي استقصائي إلى الاستعانة بزميلات نشرن قصصاً مفبركة في المدونة لإثبات عدم صدق الشهادات المنشورة عليها. 
وأدت حملات التشكيك في مصداقية هذه المدونة وغيرها، إلى تراجع حدة بعض الاتهامات، وتراجعت معها معدلات النشر، ليبقى وسم "نصدق الناجيات" وسط حملات التشكيك.
ورد اسم العاصمة المصرية القاهرة بين المدن الخمس الأقل أماناً في العالم، في أحدث تقرير لمؤشر المدن الآمنة الذي تصدره وحدة المعلومات في مجلة "إيكونوميست". وكانت المدن الخمس الأقل أماناً في العالم، إلى جانب القاهرة، بحسب المؤشر، هي كاراكاس (فنزويلا) ولاغوس (نيجيريا) وكراتشي (باكستان) ويانغون (ميانمار) التي احتلت المرتبة الأخيرة في الأمن الرقمي والمرتبة 58 في الصحة وأمن البنية التحتية والأمن الشخصي، وكذلك في المرتبة 54 في مجال الأمن البيئي.
في المقابل، فإن المدن الأكثر أماناً هي كوبنهاغن (الدنمارك) وتورنتو (كندا) وسنغافورة وسيدني (أستراليا) وطوكيو (اليابان).
وحلّت القاهرة في المرتبة 57 لناحية المؤشر العام للأمان، وفي المرتبة 54 في مؤشر الأمن الرقمي، والمرتبة 57 في مؤشر الصحة، والمرتبة 56 في مؤشر البنية التحتية، والمرتبة 51 في مؤشر الأمن الشخصي، والمرتبة 59 في مؤشر الأمن البيئي. وفي عام 2017، أظهر تقرير لمؤسسة "تومسون رويترز" أن القاهرة هي أخطر مدينة على النساء.  

إلى ذلك، كتبت ناشطة سياسية وباحثة على حسابها الخاص على "فيسبوك"، أنها تعرضت للضرب المبرح من شريكها، ليتبين لاحقاً أنه خطيبها. لم تتمكن من إثبات واقعة الضرب نتيجة تأخر إجراء الكشف الطبي، إلا أنها توعدت باللجوء إلى القانون لإثبات الواقعة ومحاسبة الجاني، وخصوصاً بعدما تلقت رسائل هي عبارة عن شهادات من أخريات تعرّضن للعنف من الشخص نفسه.
وكتبت الناشطة منشوراً قالت فيه إنها كانت تتحدث عن النسوية، ودائماً ما كانت تشعر بالأمان بحكم طبقتها الاجتماعية ومحيط عملها، ونشاطها السياسي والنسوي، وأصدقائها المقربين من تلك الدوائر والطبقات. وقالت: "أول مرة أفهم يعني إيه خطر، يعني إيه خوف على مكتسبات وعلى مستحقات.. وأوّل مرة طبعاً أفهم يعني طرف يستضعف الثاني.. أنا آسفة لكل واحدة اضطرت تعدي (تواجه) هذا الموقف.. آسفة لكل واحدة تعرضت للضرب. كل واحدة اتهددت (تعرضت للتهديد)، وكل واحدة لم تجد من يقف معها. النسوية موجودة لأخذ حقنا وليست مادة للسخرية". أضافت: "لا يوجد امرأة تدعي أن أحداً ضربها أو تحرش بها، إلا إذا حدث ذلك بالفعل. نحن لا نستهدف فضح أنفسنا ولا ينقصنا فضائحكم".
شكلت الطبقة الاجتماعية والدوائر المحيطة بالناشطة النسوية درع حماية لها. وخلال ساعات من نشر ما حدث معها، تمكنت من فضح الجاني، وبدأ التحذير على مواقع مواقع التواصل الاجتماعي من التعامل معه في الأوساط الفنية والسينمائية حيث يعمل، على اعتبار أن هذه الدوائر تواجه الدرع الاجتماعي الحامي لكل للمتهمين بالتحرش والمعنفين، والذي يبدأ بالصمت وعدم المبالاة، مروراً بكتم أصوات الضحايا ولومهم، وينتهي بالدفاع عن المتحرشين.
وتشير دراسة بعنوان "العنف الجنسي بين فلسفة القانون وإشكاليات التطبيق"، صدرت عن  نظرة للدراسات النسوية، إلى تعرض النساء في مصر للعنف الجنسي بشكل يومي في الشوارع والمواصلات وأماكن العمل وفي المنازل.

فالعنف في المجال العام لا ينفصل عن العنف في المجال الخاص، بل هو استمرار له ولا يمكن فصلهما. وتستمر تلك الجرائم نتيجة أسباب عدة أهمها الإفلات من العقاب ووجود إشكاليات في القوانين وتطبيقها، ما يشكل تهديداً للسلامة الجسدية والنفسية للناجيات من العنف الجنسي، ويلحق أضراراً جسيمة بهن.
عادت تلك الواقعة، لتعيد معها تداول وسم "نصدق الناجيات"، و"أوقفوا العنف ضد النساء"، وتلقي حجراً في المياه الراكدة. 

المساهمون