في يونيو/ حزيران الجاري، استيقظ المصريون على فاجعة مقتل طالبة على يد زميلها بعدة طعنات أمام مقر جامعة المنصورة في وضح النهار وعلناً أمام المارة، وبعدها بساعات قتل شاب أخته بسكين في محافظة الأقصر (جنوب).
وأعقب ذلك بأيام، مقتل مذيعة على يد زوجها القاضي الذي دفنها في حديقة المنزل بعدما شوّهها، وذلك بعد نحو 20 يوماً من تحريره بلاغا زعم فيه اختفائها.
هذه الحوادث وغيرها التي حصلت سابقاً أكدت تزايد جرائم قتل نساء وفتيات في مصر، وأعادت المطالب بإصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء.
وتكثفت هذه المطالب تحديداً عام 2017، في إطار حملة واسعة امتدت 16 يوماً، دعت فيها 9 منظمات حقوقية، إلى "مراجعة الإجراءات والتشريعات غير الكافية في القوانين المصرية لحماية النساء من العنف، ومعالجة وجود مواد تقصّر في تعريف العنف في قانون العقوبات، ووضع نص قانوني لحماية الناجيات من العنف".
وبعدها، ظلت وتيرة المطالب تعلو وتخفت بين حين وآخر، بالتزامن مع أحداث عنف، أو في سياق مناسبات دولية خاصة بالمرأة أو بموضوع مناهضة العنف.
وخلال السنوات الماضية، قدم أكثر من نائب برلماني ومنظمات حقوقية مشاريع قوانين لمناهضة العنف ضد النساء، والتي ظلت جميعها قيد الدرس أو حبيسة الأدراج.
وتكشف إحصاءات أصدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن عدد جرائم قتل النساء والفتيات بلغ 296 عاماً 2021 بنسبة 36.4 في المائة، بينها 214 جريمة نتيجة عنف أسري ارتكبه زوج. واحتضنت الجيزة أعلى عدد جرائم بين المحافظات، والذي بلغ 56، بينما شهدت القاهرة 23 جريمة.
وبالتزامن مع عودة المطالب بتطبيق قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، خرجت عدة منظمات حقوقية بمطالب محددة، منها مؤسسة "القاهرة للتنمية والقانون" التي رأت أنّ "كلّ جرائم العنف ضد النساء في مصر تهدد الأمن القومي والسلم المجتمعي، باعتبار أنها تتكرر طوال الوقت بأشكال أكثر حدة".
وطالبت المؤسسة بضرورة وضع قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء بكل أشكاله، والعمل لتسريع إنشاء المفوضية المستقلة لمناهضة التمييز تنفيذاً للمادة 53 في دستور عام 2014 الذي ينص على أنّ "المواطنين يتساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو أي سبب آخر. أما التمييز والحض على الكراهية فجريمتان فيعاقب عليهما القانون، فيما تلتزم الدولة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
كما طالبت مؤسسة "القاهرة للتنمية والقانون" بإصدار قانون لحماية الشهود الذين يبلغون عن قضايا العنف الجنسي ضد النساء، والخبراء الذين يعطون آراءهم فيها.
إلى ذلك، حدد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دور الأجهزة بتحقيق اﻷمن والأمان للمواطنين، لكنه استدرك بالقول إنه "في سياق هذه الجرائم الجنائية ذات الأبعاد الاجتماعية، نجد تراخياً وعدم جدية في مكافحتها عبر خطوات استباقية، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع الشكاوى المختلفة للنساء، ما يجعل كثيرات منهن يمتنعن عن التوجه إلى مراكز الشرطة بسبب تعقيدات الاجراءات المطلوبة لتسجيل شكاوى، أو بسبب قيام عناصر الشرطة بنصح النساء بعدم ضرورة تقديم شكاوى، وكذلك بسبب سوء المعاملة والإساءات التي تتعرض لها النساء والفتيات اللواتي يقدمن شكاوى ضد أزواجهن أو أحد أفراد أسرهن، أو بسبب إجبارهن على التفاوض للتنازل أمام الجناة. ويتناقض ذلك مع الإجراءات الصارمة الخاصة بحبس النشطاء السياسيين احتياطياً لسنوات طويلة لمجرد التعبير عن آرائهم المخالفة لتوجهات السلطات، وعدم القبول بالتفاوض على إنهاء حبسهم.
وقال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنّ "الجريمتين الأخيرتين اندرجتا ضمن جرائم قتل عدة استهدفت نساءَ وفتيات خلال النصف الأول من العام الحالي، ووصل عددها إلى 72 حتى الآن، منها 54 جريمة نفذها أفراد من الأسرة، و12 على أيدي أشخاص غرباء، فيما عثر على 6 جثث مجهولة ظهرت عليها آثار تعذيب وخنق". وأكد المركز أنّه "رغم إعلان المجلس القومي للمرأة أول استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة عام 2015، والتي وضعها في تصرف العديد من الوزارات والجهات الحكومية بينها وزارتا التعليم والتعليم العالي، وصدور قوانين وقرارات في المسألة، لم تحقق هذه الإجراءات الأهداف المنشودة، علماً أنّه كان سبقها تعديل السلطات مادتين من قانون العقوبات متعلقتين بالعنف الجنسي عام 2014، وأعقبها عام 2021 تشديد العقوبات ضد جرائم العنف الجنسي".
وسبق أن طالب المركز "بسرعة إصدار قانون موحّد لمناهضة العنف ضد النساء، وتفعيل المساواة في التشريعات والقوانين، ومعالجة افتقار التشريعات التي اعترفت بمبدأ المساواة إلى لوائح تنفيذية تساهم في تطبيق هذه القوانين، إضافة إلى وجود العديد من التشريعات المهمة التي تحتاج إلى تغيير لضمان تحقيق العدالة والمساواة، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات". كما دعا إلى الالتزام بضوابط حرية الصحافة والإعلام المقبولة في مجتمع ديمقراطي من أجل حظر انتهاك حقوق وحريات المواطنين أو مسّ في خصوصياتهم، والالتزام بضوابط في نشر أخبار الجريمة والتحقيقات.