مصر: عقبات أمام تنظيم النسل في الصعيد

18 مارس 2021
"الأولاد عزوة"، هكذا يقول كثيرون (ريتشارد بيكر/ Getty)
+ الخط -

في إطار ما تقول الحكومة المصرية إنّها استراتيجية لكبح الزيادة السكانية بهدف الوصول بمعدل المواليد إلى 2.2 مليون نسمة عام 2025، ومليونين عام 2030، بدلاً من المعدل الحالي 3.4 ملايين مولود حالياً، وتقليص نسبة المواليد لكلّ سيدة، زوّدت وزارة الصحة الوحدات الصحية بالقرى والعيادات المتنقلة بوسائل منع الحمل بمختلف أنواعها، أو ما يطلق عليه "تنظيم النسل". لكن، يغيب الإقبال عليها في قرى في الصعيد، تحت شعار "العيب والحرام" على الرغم من التوصيات عبر مكبرات الصوت في المساجد وسيارات النقل التي تجوب شوارع القرى، والتي تطالب السيدات بالتوجه إلى مراكز تنظيم الأسرة.
وتواجه شريحة واسعة من المواطنين بقرى محافظات الصعيد الإعلان عن وسائل منع الحمل عبر مكبرات الصوت بنوع من السخرية والاستهزاء، رافضين الامتثال لها أو ذهاب زوجاتهم إلى الوحدات الصحية. ويستند البعض من أبناء قرى الصعيد إلى الأمثال الشعبية، ومن بينها "الأبناء عزوة" و"اللي خلف ما متش" و"أعزّ من الولد ولد الولد" و"يغلبك بالمال وتغلبيه بالعيال".
وفي هذا الإطار، رفض محمد إبراهيم، وهو عامل بإحدى شركات قطاع الأعمال بمحافظة الأقصر، ذهاب زوجته إلى الوحدة الصحية لأخذ أي وسيلة لمنع الحمل مهما كانت ظروفه المعيشية. يشير إلى أنّ لديه من الأبناء اثنين فقط، ويقول: "خرجت من الدنيا وحيداً بلا سند بعد وفاة والدي ووالدتي، وأحسست بعدهما بالوحدة بعدما تربيت وسط أعمامي"، لافتاً إلى أنّ الأشقاء عزوة وقوة، مستنداً إلى قوله تعالى "سنشدّ عضدك بأخيك". يعلق: "لذلك، أردت أن تكون لي عزوة". والعزوة في اللغة "قوم ينتسب إليهم الرجل ويشدّون من أزره". 
"الأولاد عزوة"، بهذه العبارة أيضاً تؤكد سماح محمود، وهي ربة منزل في إحدى قرى محافظة الأقصر، ولديها أربع بنات وابنان، رافضة ما يقال عن الزيادة السكانية المفزعة. تقول: "كلّ عيّل (طفل) يجي (يأتي) برزقه"، متسائلة: "كيف أذهب إلى الوحدة الصحية لأخذ وسيلة لمنع الحمل؟ هذا حرام ويخالف الدين".

من جهته، يعبر ناصر عبد الصمد، وهو مزارع في إحدى قرى محافظة قنا، عن سخريته من مكبرات الصوت التي تجوب شوارع القرى للإعلان عن وسائل منع الحمل، موضحاً أنّ تلك السيارات والعاملين عليها هم من الموظفين وليسوا من سكان القرى: "فمن عاداتنا زيادة المواليد". يضيف: "أكبر أولادي بنتان، وكنت أحلم بالذكور كعادة أهل الصعيد. والدي رحمة الله عليه، كان يقول لي ولأشقائي الثلاثة: خلّفوا رجّالة تلاقوهم في ظهركم (يسندونكم في المحن). وأكرمني الله بعد البنتين بابنين، والحمد الله لدينا أنا وأشقائي 18 طفلاً معظمهم في مراحل التعليم المدرسي، ومنهم من وصل إلى الجامعة".
يتعجب عمر نصير، وهو موظف من قنا، من إعلانات تنظيم الأسرة بقرى الصعيد للمرة الأولى بهذه الطريقة، مشدداً على أنّ "الأسرة في قرى الصعيد قوامها العزوة والعيال (الأولاد)، فالأراضي الزراعية والبيوت من يملأها غير هؤلاء الأطفال؟!". يقول: "أمي كانت تردد دائماً: املأ البيت بالعيال".

مساحات واسعة في قرى مصر على العكس من المدن (محمد الشاهد/ فرانس برس)
مساحات واسعة في قرى مصر عكس المدن (محمد الشاهد/ فرانس برس)

الحاجة زينب عبد الحميد، من إحدى قرى محافظة سوهاج، أم لأربعة أبناء وبنتين، ولديها من الأحفاد 12 طفلاً، ترفض تماماً وسائل منع الحمل، وترفض بناتها أو زوجات أبنائها الذهاب إلى الوحدات الصحية، وهي تردد دائماً مقولة "يغلبك بالمال وتغلبيه بالعيال". تقول: "هذه ليست حالي وحدي، بل حال جميع نساء قرى الصعيد". أما حنان رمضان، وهي خريجة جامعية متزوجة في إحدى قرى محافظة سوهاج، فإنّ لديها ولدين فقط. تقول إنّ قرار زيادة عدد الأولاد في الصعيد هو بيد الزوج الطامع في ذلك، وبالتالي، فإنّ معظم سيدات الصعيد مجبورات على الإنجاب، ومعظم أزواج  الصعيد يرفضون وسائل منع الحمل".
يعترف طبيب يعمل في وحدة صحية في إحدى قرى الصعيد بعدم الإقبال على مراكز تنظيم الأسرة في الوحدات الصحية بسبب الثقافة الصعيدية الموروثة حول كثرة الأولاد، موضحاً أنّ البعض يفضل ذهاب زوجته إلى طبيب نساء متخصص، ظناً منه بوجود وسائل لمنع الحمل غير فعالة أو غير جيدة في الوحدات الصحية. يشدد على أنّ الاستجابة لحملات تنظيم النسل بقرى الصعيد ضعيفة، على الرغم من توافروسائل تنظيم النسل كافة، بخلاف السنوات الماضية، وذلك مقابل مبالغ مالية رمزية، بداية من الحبوب والكبسولات والحقن، وصولاً إلى اللولب النحاسي الذي يستمر فاعلاً لمدة 12 عاماً، بالإضافة إلى الواقي الذكري. 

من جانبه، يقول الدكتور عمرو نبيل، اختصاصي أمراض النساء والتوليد بالمركز القومي للبحوث، إنّ وزارة الصحة عازمة على ضبط النسل خلال السنوات المقبلة، مؤكداً أنّه في هذا الإطار، جرى تدريب الأطباء وطواقم التمريض على كيفية إقناع السيدات باستخدام وسائل منع الحمل التي تخصهن بطريقة آمنة، لضمان عدم حدوث الحمل خلال سنوات معينة، إلى جانب تدريب فريق الرائدات الريفيات، ومشرفات على كيفية تنظيم الأسرة. يتابع أنّ هناك العديد من وسائل منع الحمل الجيدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، بخلاف بعض الوسائل القديمة التي لم تكن مُرضية. ويشير من جهة أخرى إلى أنّ أهالي القرى بصفة عامة، بمن فيهم أهالي الصعيد، لديهم قناعة بزيادة عدد الأولاد لاتساع المساحات لديهم، بخلاف أهالي المدن.

المساهمون