مصر: سخط نسوي بسبب وقف تنفيذ حكم الحبس على طبيب متهم بالتحرش

26 فبراير 2021
ارتكب الطبيب فعلاً غير أخلاقي أثناء استقلاله ميكروباص (Getty)
+ الخط -

اشتعل غضب نسوي وحقوقي على منصّات التواصل الاجتماعي في مصر، بسبب صدور حكم قضائي على طبيب مصري متّهم بالتحرش الجنسي، ثم وقف تنفيذ العقوبة "رأفةً به"، حسب ما استُنتج من حيثيات صدور الحكم. 

وقضت محكمة جنح مصرية، الخميس 25 فبراير/شباط الجاري، بمعاقبة "ع. م." معيد بكلية الطب في جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"طبيب الميكروباص"، في واقعة اتهامه بالتحرّش داخل سيارة أجرة، في دائرة قسم ثان الزقازيق، بالحبس سنة مع الشغل، وألزمته المصاريف مع إيقاف تنفيذ العقوبة، لمدة 3 سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم. 

وقالت هيئة المحكمة في حيثيات الحكم إنّ "ما لقاه المتهم من إجراءات قبض وضبط وحبس احتياطي كفيلة بردعه وعدم معاودته ارتكاب مثل هذا السلوك، وفقاً لما أحاطت به عن بصر وبصيرة من ظروف وملابسات تلك الدعوى، وباستحضار غاية العقوبة على الجاني، فلم يبتغي منها الإيذاء ولكن كان يقصد الإصلاح والتهذيب".

بينما استأنفت النيابة "لثبوت ارتكاب المتهم الواقعة".

تعود الواقعة إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما اتهمت فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً طبيباً بارتكابه فعلاً غير أخلاقي أثناء استقلال "مكروباص" ووقوفه ناحية المقعد الذي تجلس فيه، وأكدت آنذاك أنها نبّهت المتهم، لكنه لم يستجب، ما دفعها إلى رفع صوتها للاستغاثة بمن حولها ولفت نظر الركاب والسائق، الأمر الذي تسبّب في نشوب مشادة كلامية. فيما حاول الطبيب المتهم مغادرة الميكروباص وقتها، لكن الفتاة لحقت به بمساعدة السائق وعدد من المارّة، الذين منعوه من المغادرة إلى حين حضور الشرطة وتسليمه لرجال الأمن.

وحرّرت الفتاة محضراً بالواقعة، وقرّرت النيابة العامة حبس الطبيب المتهم 4 أيام على ذمة التحقيق، بسبب ارتكاب فعل فاضح، ثم يتمّ تجديد حبسه لمدة 15 يوماً، ثم أمر قاضي المعارضات بإخلاء سبيله، قبل أن توافق غرفة المشورة على استئناف النيابة، ثم قررت المحكمة إخلاء سبيله مرة ثانية على ذمة القضية ومدّ أجل الحكم عليه إلى الشهر الجاري. 

وكان الطبيب المتهم قد اعترف بالاستمناء من دون إرادته نتيجة احتكاكه بمقعد الميكروباص، وفقاً لبيان رسمي أصدرته النيابة العامة فور الواقعة. وبناءً على هذا الاعتراف، سبق أن أجّلت محاكمة المتهم للاستعلام عن التقرير الطبي الذي قدمه الطبيب المتهم، المنسوب صدوره لمستشفى خاص، والذي زعم فيه أنه يُعاني من "الاستمناء من دون إرادته". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وتحتلّ مصر المركز الثاني عالمياً في ظاهرة التحرّش الجنسي، من حيث الكمّ والكيف، بحسب دراسات وأبحاث. وأظهرت نتائج دراسة، أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة عام 2018، أنّ حوالي 99 بالمائة من النساء المصريات قد تعرّضن إلى شكل من أشكال التحرّش الجنسي. كما أنّ القاهرة صنفت عام 2017 أخطرَ مدن العالم بالنسبة إلى النساء.

الاستنكار والاستهجان لم يكن بسبب الحكم الموقوف تنفيذه فقط، لكن على الحملات التي شُنت على مدار الأشهر الماضية، لمحاولة تبرئة الطبيب من تهمة التحرش، والتشكيك في رواية الفتاة، خاصة من قبل النقابة الفرعية لأطباء الشرقية التي أعلنت تضامنها مع الطبيب منذ اللحظة الأولى، ومن دون انتظار حكم القضاء أو نتيجة التحقيقات. 

فضلاً عن استنكار موقف الإعلام المصري من هذه الواقعة، حيث التزمت كافة وسائل الإعلام المصرية بالإشارة إلى الأحرف الأولى فقط من اسم الطبيب المتهم، على خلاف تعاملها مع قضايا أخرى بطلاتها من النساء، مثل القضية الشهيرة بـ"فتيات تيك توك"، حيث كانت تحرص وسائل الإعلام المصرية على اختيار صور محدّدة لإثبات وجهة نظرها في تأييد الاتهامات الموجّهة للفتيات بـ"الاعتداء على قيم المجتمع والإساءة للأسرة المصرية".

يُشار إلى أنه لا يوجد قانون في مصر يمنع نشر صور المتهمين، إنما الأمر متروك لتعليمات النائب العام. لكن القانون ينصّ على أن الصحف ملزمة في حالة نشرها حكماً ابتدائياً أو استئنافياً، بالصورة أو بدونها، أن تنشر الحكم نفسه إذا تغيّر في النقض.

لكن البعض يعارض مبدأ نشر الصور طالما لم يصدر حكم نهائي على المتهمين، إعمالاً للقاعدة القانونية التي تنصّ على أنّ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وأنّ نشر صورة المتهم في الصحف يعتبر عقوبة إضافية، ذات مردود عكسي.

ويبقى الاستثناء الوحيد في القانون الذي يحظر نشر صور المتهمين في المادة رقم 116 في قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، والتي تنصّ على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه، كل من نشر أو أذاع بأحد أجهزة الإعلام أي معلومات أو بيانات، أو أي رسوم أو صور تتعلق بهوية الطفل حال عرض أمره على الجهات المعنية بالأطفال –أقل من 18 عاماً- المعرضين للخطر أو المخالفين للقانون". ومع ذلك فقد تم نشر صور المتهمة منة عبد العزيز (17 عاماً)، الشهيرة بـ"آية"، وهي إحدى فتيات "تيك توك أيضاً" التي تعرّضت للاغتصاب وتمّ تصويرها عارية. وأمر النائب العام المصري استبدال الحبس الاحتياطي لها بأحد التدابير المنصوص عليها بالمادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية كبديلٍ، وهو إلزامها "بعدم مبارحة أحد مراكز الاستضافة المحددة بمشروع وزارة التضامن الاجتماعي".

المساهمون