"ذاهبة لزيارة الرؤية الشهرية لزياد. دعواتكم يا طيبين يعدّي اليوم بسلاسة"، رسالةٌ مقتضبة نشرتها الكاتبة الصحافية إكرام يوسف على حسابها الخاص بـ"فيسبوك"، قبل أن تتوجّه لزيارة ابنها الناشط السياسي والمحامي زياد العليمي، لتُرافقها دعوات المُحبّين والداعمين فتُعينها على مشقّة رحلتها القاسية وعلى الحواجز العازلة التي تحرمها من احتضان ابنها.
تعود يوسف من زيارتها فتُطمئن مُحبّيها: "الحمد لله وبفضل دعواتكم أنهيتُ زيارة الرؤية وبلّغتُ زياد سلامات كل الطيبين، وهو يرسل سلامه للجميع.. الحمد لله الجو كمان كان جميل، لكن حرّ قليلًا، لأني مرتدية كنزة صوف. أي أنه يوم ربيعي مشمس بدون عواصف كما حذر خبراء الأرصاد".
اعتادت إكرام يوسف أن تشارك متابعيها وداعميها تفاصيل زياراتها لنجلها، كما اعتادت على كتابة منشور ثابت منذ القبض عليه في يونيو/حزيران 2019، على ذمة القضية المعروفة إعلامياً بـ"قضية الأمل". تقول في هذا المنشور: "صباح الأمل يا عشاق الأمل وحراسه.. ربنا يحميكم ويثبتكم ويقويكم وينجيكم وينصركم، ويسقط أعداء الأمل وسجانكم".
على مدار عامين وأكثر، لم تتخلّف يوسف عن كتابة منشورها الصباحي المعتاد، حتى يوم الحكم على نجلها من قبل "محكمة أمن الدولة طوارئ" في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بالحبس خمس سنوات، وأربع سنوات حبس لكل من الصحافيين هشام فؤاد وحسام مؤنس.
بعد صدمة ذلك الحكم، لم تكتب يوسف منشورها الصباحي المعتاد، لكن المئات من محبيها وداعميها كتبوه نيابة عنها، ليتحوّل هذا المنشور لطاقة أمل دائمة مُستمدة من المرأة الحديدية التي تتمسّك بالأمل في نجاة نجلها رغم التصديق على الحكم الصادر عن "محكمة أمن الدولة طوارئ" التي لا تسمح بالاستئناف ولا يجوز الطعن في أحكامها.
مناسبة للاحتفال بالمرأة
إكرام يوسف نموذج لمئات وربما الآلاف من الأمهات والزوجات والشقيقات، اللائي تضيع أعمارهنّ انتظاراً على أبواب السجون، لدعم أبنائهنّ وأزواجهن وإخوانهن، ومغالبة كل ظروف الحياة في انتظار لحظة خروج ذويهنّ من خلف أسوار السجون.
نستحضرهنّ مع عودة "اليوم العالمي للمرأة" الذي يُحتفل به سنوياً في الثامن من مارس/آذار بما يحيله إلى أحداث وقعت عام 1856 عندما تظاهرت آلاف النساء في نيويورك احتجاجاً على ظروف العمل اللاإنسانية التي كنّ يعشنها. وشكّلت هذه المظاهرة التي تكرّرت لاحقاً مقدمة لحصول المرأة على المزيد من الحقوق وبات تاريخها مناسبة للاحتفال بإنجازات المرأة والتعبير عن تقديرها واحترامها. لكن مشاهد الكثير من المصريات على بوابات السجون يعيدنا إلى ما عاشته وتعيشه المرأة من تضييقات.
إلى جانب إكرام يوسف، هناك أخريات دفعن ثمن حبس أزواجهن وأبنائهن في قضايا سياسية على مدار السنوات الماضية، من بينهنّ السيدة بهيرة، زوجة رجل الأعمال المصري المعتقل، صفوان ثابت، ووالدة سيف ثابت، المعتقل أيضاً، وقد خضعت للتحقيق لمدة ثماني ساعات، قبل صدور قرار بإخلاء سبيلها بكفالة مالية على خلفية مطالبتها وأسرتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بالحرية لزوجها وابنها.
زوجة صفوان ثابت ووالدة سيف ثابت، ترقد حالياً في أحد المستشفيات بعد تدهور حالتها الصحية نتيجة علاجها من أورام سرطانية في وقت تخوض فيه محاولات مستميتة للإفراج عن زوجها ونجلها المحبوسين، لأنهما رفضا الانصياع لإجبار السلطات على مقاسمتهما شركتهما المتخصّصة في صناعة منتجات الألبان.
السجن لوقف فضح الانتهاكات
هناك أيضاً هدى عبد الحميد، 56 عاماً، والمقبوض عليها منذ 27 إبريل/نيسان 2021 بسجن النساء بالقناطر في زنزانة انفرادية، لدفاعها عن ابنها عبد الرحمن جمال الشويخ، 30 عاماً، المحبوس في سجن المنيا شديد الحراسة، بعد تعرّضه لتعذيب وانتهاكات جنسية في محبسه.
اختفت هدى عبد الحميد، قسراً مع زوجها وابنتها، قبل أن تظهر على ذمة قضية رقم 900 لسنة 2021 بتهمة "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة"، ورُحّلت إلى سجن القناطر.
القبض على هدى عبد الحميد، جاء على خلفية نشرها مقاطع فيديو تتحدّث فيها عن انتهاكات مورست ضد نجلها عبد الرحمن جمال متولي الشويخ، المحبوس في سجن المنيا من بينها تعرّضه للتعذيب والاعتداء الجنسي، وهي الانتهاكات التي تقدّمت بخصوصها شكوى إلى نيابة المنيا ضد إدارة السجن وكل المتورطين في تعذيب نجلها.
جدير بالذكر أنه تم كذلك التحقيق معها داخل مقر جهاز الأمن الوطني عن الحملة الإلكترونية التي قامت بإطلاقها على مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بوقف الانتهاكات التي يتعرّض لها نجلها داخل سجن المنيا.
أسرة منى سيف الإسلام
ومن الأم والزوجة إلى نضال الشقيقة، ومنهن منى سيف الإسلام، شقيقة الناشط السياسي البارز، علاء عبد الفتاح، التي لا تكلّ عن توثيق كل ما تلمحه من انتهاكات في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية سواء لشقيقها أو لأي سجين آخر.
في كل حدث كبير .. مفتقداك 💙#FreeAlaa https://t.co/GegTzKo2cD
— Mona Seif (@Monasosh) March 4, 2022
المتابع لحسابات منى سيف الإسلام، على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، سيكتشف أنها تحوّلت إلى مدوِّنة تعمل على توثيق وفضح انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
وُلدت منى حين كان والدها أحمد سيف الإسلام معتقلاً في السجن. وكانت هي الوحيدة بجوار والدها في آخر لحظات حياته، بينما كانت أخواتها في السجون. حملت راية والدها أحمد سيف الإسلام، المحامي الحقوقي الذي نشأ على يديه جيل كامل من الحقوقيين في مصر، ولم تتخلف يوماً عن استكمال مسيرة نضال عائلتها الحقوقية.
تنتمي سيف لأسرة كانت وراء بعث العديد من المؤسسات الحقوقية، فقد أطلقت منى سيف الإسلام "حركة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين"، ووالدتها ليلى سويف، أستاذة الرياضيات وعضو "حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات"، وشقيقتها الصغرى، سناء، ناشطة سياسية سبق اعتقالها وأفرج عنها بموجب عفو رئاسي.
وجميعهن يمشين على خطى والدهنّ المحامي الحقوقي البارز، أحمد سيف الإسلام الملقب بـ"محامي الفقراء"، الذي كان أول اعتقال له سنة 1972 إثر مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء، ثم اعتقل سنة 1973 وقضى في السجن ثمانية أشهر، على خلفية مشاركته في الاحتجاجات على خطاب الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، وتأخره في اتخاذ قرار بالحرب مع إسرائيل، وأفرج عنه مع زملائه قبل حرب أكتوبر بأيام. واعتقل أيضًا ليومين سنة 2011. كما أن خالتها هي الكاتبة الصحافية أهداف سويف.