معاً، يعمل الزوجان رامي وحنين، من قطاع غزة، في مشتلهما الزراعي الذي أسساه بجهدهما المشترك وصبرهما، ويؤكدان أنّه، في نظرهما، مشروع العمر
أصبح مشتل زراعي أسسه الزوجان رامي البريم وحنين أبو صلاح، في خان يونس، جنوبي قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، معروفاً بين كثيرين. هذا المشروع - الحلم، جاء بعد تعب طويل منهما، كما دمّر الاحتلال الإسرائيلي مشتلهما الأول، في العدوان الأخير على القطاع. رامي موسى البريم (37 عاماً) كان في بداية حياته يهوى الزراعة، خصوصاً أنّه من منطقة زراعية وعائلة مزارعين. لكنّه، مع ذلك، اختار العمل في الكهرباء، ومع توقف عمله بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، عمل في تجارة الخضروات، ثم في البناء، ثم في التجارة العامة، إلى حين قرر العودة للزراعة. وهكذا أنشأ مشتلاً في محلة الزنة، شرقي خان يونس عام 2013، على أرض مستأجرة. ساءت الظروف، إذ بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عام واحد، وجرفت آليات الاحتلال المشتل بكلّ ما فيه من شتول ونباتات وشجيرات. لكنّه بعد الحرب عاود نشاطه، واستأجر رفقة زوجته حنين، هذه المرة، أرضاً زراعية أخرى، في بلدة بني سهيلا ليقيما عليها مشتلهما المستمر.
لكنّ البريم أصيب بالغضروف في الظهر قبل أربعة أعوام، ما أثّر سلباً في عمله، إذ كان يعتني بالمشتل وينسق الحدائق والمزارع. وهكذا، زادت المسؤولية على الزوجة التي باتت تنجز غالبية المهام، علماً أنّ لديهما بنتين. أصبح المشتل كبيراً قبل عامين، إذ يضم آلاف شتول الأشجار وقوارير الأزهار، وأصبح معروفاً بإنتاجه الذي يصل إلى كثير من مناطق القطاع، ويستعينان ببعض العمال أحياناً. ويزرع الزوجان أنواعاً عدة من أزهار الزينة، والأزهار الطبية، منها ما جلباه من خارج القطاع، كالأزهار الأوروبية والآسيوية، فيما يستطلعان الإنترنت للبحث عن أكثر النباتات والأزهار تميزاً، مما يتداوله الناس لشكلها وعطرها وأغراضها الطبية.
يقول البريم لـ"العربي الجديد": "زرعت كثيراً من الأشجار. الأكثر طلباً من بينها هو الزيتون، فهي أشجار صبورة، مرتبطة ببيئة غزة الساحلية. عندما كان قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر قبل عام 2005، كنا نهرب الأشجار من أراضي الداخل المحتلة، لكنّي لم أكن أعلم أنّني يوماً ما سأعود إلى الزراعة. صحيح أنّني مريض حالياً، لكنّني أنظر إلى الحياة مجدداً من خلال الأشجار والأزهار".
لم يكمل البريم تعليمه الجامعي، وهو حال زوجته حنين (26 عاماً). تزوجا قبل عشر سنوات، وعلى الرغم من أنّ رغبة حنين في متابعة تعليمها الجامعي مستمرة، فإنّ أولويتها كانت منذ سبع سنوات مساندة زوجها في المشتل، علماً أنّها لم تكن تعرف الكثير عن الزراعة، إذ عاشت طفولتها ومراهقتها في دولة خليجية، كان والدها معلماً في مدارسها.
تقول أبو صلاح، لـ"العربي الجديد": "بعد عامين على زواجنا، بدأنا نؤسس مشتلنا في الزنة شرق خان يونس حتى نستقل بمشروع وحدنا، نتيجة الظروف الصعبة وعدم توفر عمل جيد لزوجي. لكن، عندما دمر المشتل تأثرت كثيراً على المستوى النفسي، فكيف لمشروعنا الحلم أن ينتهي بلحظات؟ ثم قررنا العودة للحياة مجدداً في مشتل آخر. وعلى الرغم من أنّني حالياً أقوم بمهام أكثر نتيجة مرض زوجي، فإنّي أشعر بالراحة عندما يكون زوجي وبنتاي معي في مشتلنا".
تتولى أبو صلاح في المشتل مهام الزرع والسقي وتحويل خطوط المياه وإدارة المكان، وفي أوقات كثيرة البيع، فيما يتولى زوجها عمليات البيع وتنسيق المزروعات. وبينما تمضي أكثر أوقات يومها في المشتل، فقد خصصت غرفة فيه لبنتيها، كي تكونا قربها، كما يتسنى لهما بذلك اللعب في المشتل في أجواء الطبيعة والأرض. تقول أبو صلاح: "أفضّل زراعة الأزهار، خصوصاً الغاردينيا، القريبة إلى قلبي، إلى جانب الجوري والياسمين. هناك طلب كبير على الأزهار لتزيين الحدائق ووضعها في القوارير داخل المنازل، كما أنّ هناك إقبالاً على نبات إكليل الجبل (حصى البان) لاستخدامات طبية كحال الشيبة (شيح) والسدابة (فيجل) والألوفيرا (صبر) أيضاً. وبينما أهتم بهذه الزراعات، يتولى زوجي زراعة الأشجار أكثر".
يواجه المشروع صعوبات في تأمين مياه الريّ يومياً، كما توفير الكهرباء الأساسية للمضخات. ولا يتمكن الزوجان من تحمل كلفة السماد الصناعي المرتفعة. لكنّهما مع ذلك، يستخدمانه لبعض النباتات لحاجتها الماسة إليه. ويسعى الزوجان لتطوير المشروع، ففي الوقت الحالي تقوم أرضية المشتل على مساحة دونمين، فيما يسعيان لتوسيعه إلى 3 دونمات. يوضح رامي: "بعدما بدأنا بشتول معدودة على أصابع اليدين، أصبح مشتلنا كبيراً، ومعه يكبر حلمنا في مشروع العمر، الذي أحببنا فيه الزراعة معاً، ونساند فيه بعضنا".