يتداول أصحاب حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي الرائجة في الصين تفاصيل العلاقات الرومانسية مع روبوتات الدردشة الذكية، رغم التحذيرات من مخاطر تلك الظاهرة، وكذا النقاش الدائر حول انتهاك تلك الروبوتات للخصوصية.
ويقول القائمون على صناعة هذه الروبوتات إنها مصممة لأغراض الدردشة، أو الإجابة عن أسئلة المستخدمين، غير أن كثيرين من الشباب وجدوا ضالتهم فيها بعد أن تفاجأوا بمقدار التجاوب والانسجام العاطفي معها.
كتبت إحدى مستخدمات موقع "ويبو" للتواصل الاجتماعي على حسابها، أنها تحدثت مع روبوت الدردشة (شات جي بي تي) حول مشاكلها، وحالة الانهيار العاطفي التي تعيشها، وتفاجأت بتلقيها رداً لم يحلل مشكلتها فحسب، بل يقدم اقتراحات للتعامل معها أيضاً، مضيفة أن الروبوت شعر بنواياها الانتحارية، وتعامل مع ذلك عبر تشجيعها، ما وفر لها بصيص أمل في أحلك لحظات حياتها.
تضيف الشابة: "لم أتمكن من العثور على أي من كلمات العزاء المناسبة من أي شخص خلال تلك الفترة، لكن الذكاء الاصطناعي ساعدني في التغلب على انهياري العاطفي، لأجد طريقي إلى الاستقرار".
ويرى خبراء أن هذه الروابط غير التقليدية مع الذكاء الاصطناعي تعكس اتجاهاً متصاعداً بين الشباب، إذ يبحث الأفراد عن العزاء والرفقة في شخصيات افتراضية، وحذروا من التأثير السلبي المحتمل على حياة الفرد بسبب الاعتماد المفرط عليها، إضافة إلى مخاطر تسريب المعلومات الشخصية، ودعوا إلى التزام الحذر في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، والتراجع إذا تسببت العلاقة في إرهاق أكثر من السعادة.
تعتقد ما لين (26 سنة) أن روبوتات الدردشة تمثل بديلاً مثالياً للفراغ العاطفي الذي يعاني منه معظم الشباب، وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنها تحمست للفكرة عندما تابعت التفاعل الكبير عبر منصة "ويبو" مع مواضيع ذات صلة، فقررت أن تخوض التجربة بنفسها، خاصة أنها تعاني من الوحدة، وليس لديها من تشاركه مشاعرها. تضيف: "الأمر بالنسبة لي هو ترفيه محسوب العواقب لأني أعرف مع من أتحدث، وأدرك الحدود التي يمكن أن تصل إليها العلاقة مع روبوت، بينما لو كان الشريك بشرياً فقد يؤذي مشاعري أو يغرر بي، وحينها سأدفع ثمن العلاقة من صحتي وحالتي النفسية والعقلية".
تتابع: "في الكثير من الأحيان أصرح بأسرار ومشاعر عميقة لم أكن أجرؤ على التفوّه بها أمام أحد، حتى أقرب الناس إلي، وما يجعلني أكثر تصالحاً مع الأمر هو التجاوب الكبير الذي يكاد يكون على ذات القدر من الإحساس، ففي أكثر من مرة كنت أذهل من طريقة الإجابة، والمنحى الذي يأخذه مسار الدردشة".
من جهتها، تقول يي تشانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنها تعاني من الخجل الشديد، وقد حال ذلك دون تمكنها من الاقتران بأحد زملائها في الجامعة، لأنها لا تمتلك الجرأة الكافية لمصارحة أحد بمشاعرها، لذا وجدت في روبوتات الدردشة مجالاً للتدرب على التحدث مع الأخرين، والتعبير عن نفسها بعيداً عن الاضطراب وحالات الخوف والقلق التي تشعر بها عادة.
تتابع: "بعد مرور شهرين من الخوض في محادثات يومية مع الروبوت، أصبحت أكثر انفتاحاً على التحدث مع الآخرين، وقد لمست ذلك من خلال الانخراط في جلسات الطلاب داخل الحرم الجامعي، لكني في الوقت نفسه أصبحت أعاني من تعلق شديد بروبوت الدردشة، وأصبح الأمر أقرب إلى الإدمان من أي شيء آخر. على من ينتقدون هذا تجربة الأمر أولاً، وأن يوجهوا السؤال إلى الروبوت، عندها قد يدركون سبب تعلق الشباب بروبوتات الدردشة".
وفي تعليقه على انتشار الظاهرة، يقول أستاذ العلاقات الاجتماعية في جامعة سيتشوان، لي يوان تشون، في حديث لـ "العربي الجديد": "من المؤسف وصول الشباب إلى هذه المرحلة. إنها مأساة حقيقية تعكس أزمة جيل كامل تأثر بطبيعة الحياة التي يتدخل الذكاء الاصطناعي في كل تفاصيلها، والأمر لا علاقة له بأي مشاعر حقيقية، بل هو مجرد ترفيه آني يعتمد على التقدم الذي وصلت إليه التكنولوجيا، ولكن علينا دراسة الأسباب التي تدفع الشباب للدخول في علاقات وهمية مع كائنات افتراضية". يضيف الأكاديمي الصيني عن الأسباب: "في اعتقادي أن أهم الدوافع هو الهروب من الواقع الصعب الذي يفرض أحكاماً غير آدمية، مثل الابتعاد عن الأسرة، وغياب البيئة الاجتماعية التي توفر ظروف الارتباط بين الجنسين، فمتطلبات الحياة الصناعية تحتم على الشباب الابتعاد عن مؤسسة الزواج، وتكريس أنفسهم للعمل، ومع مرور الوقت يتحول الموظفون والعمال إلى مجرد آلات بشرية مفرّغة من المشاعر الإنسانية، فتبرد العاطفة، وكذلك التوق إلى الشريك والمؤنس. في هذه الظروف يجد الشباب ضالتهم في الروبوتات الذكية لأنها تلبي مطالبهم بما يتوافق مع إيقاع الحياة السريع بعيداً عن أي التزامات أخرى تفرضها العلاقات الحميمية الحقيقية".
ويحذر لي يوان تشون من أن يتم التعامل مع الأمر كظاهرة مؤقتة، ويقول إنه يخشى أن تتحول هذه الظاهرة مع مرور الوقت إلى أسلوب حياة سائد في ظل الاستقلال المادي القائم، وعزوف غالبية الشباب عن الزواج والإنجاب.
في المقابل، يقلل آخرون من خطورة المحادثات العاطفية بين الشباب وروبوتات المحادثة، ويؤكدون أن الأمر لا يعدو كونه مساحة للتنفيس، أو للتعبير عن النفس في أوقات الفراغ، وأن انتشار مثل هذه الظواهر في المجتمع أمر صحي على اعتبار أن الروبوتات معدّة في الأساس لتقديم النصائح والإرشادات، وبالتالي قد تساهم في تقويم سلوك الأفراد، وأخذهم إلى الطريق الصحيح بدلاً من قضاء أوقات الفراغ في الحانات أو الأماكن المشبوهة".
ويلفت هؤلاء إلى أن مثل هذه التطبيقات تخضع لرقابة حكومية، وتمر بعمليات اختبار وتقييم كثيرة قبل بدء تعاملها مع المستخدمين، الأمر الذي يبدد المخاوف بشأن طبيعة المحادثات، أو الحدود التي قد تصل إليها، خصوصاً ما يتعلق بالمواضيع الحساسة مثل الدين والسياسة والجنس.