مسيرة البحث المؤلمة عن المفقودين إثر الاشتباكات في السودان

02 مايو 2023
جنود سودانيون يستريحون قرب مدرّعتهم في الخرطوم (فرانس برس)
+ الخط -

عندما توقف الشاب السوداني أيمن أبو عركي وعمّه حسام عن الردّ على هاتفيهما، لجأت عائلتهما إلى فيسبوك، وسرعان ما وصلت إليها عبر الموقع صورة لسيارة اخترقها الرصاص من كلّ مكان، وبداخلها جثّتان.

وعلى هذه الصورة التي تلقّتها الأسرة من أحد المدوّنين، كان رقم السيارة واضحاً، وهو مطابق لرقم تلك التي استقلّها الرجلان "وذهبا بها لشراء مياه" وسط المعارك في 16 إبريل/ نيسان، بحسب ما قال لوكالة "فرانس برس" قريب لهما، طالباً عدم الكشف عن هويته.

قُتل الرجلان غداة اندلاع المعارك بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتّاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو الملقّب بـ"حميدتي".

في العشر الأواخر

واندلعت المعارك بين حليفي الأمس وعدوّي اليوم في العشر الأواخر من رمضان من دون سابق إنذار، الأمر الذي لم يمكّن الأسر السودانية من التزوّد بما يكفيها من مؤونة كافية من الطعام والمياه.

وبسبب نفاد المياه، لم يجد الشاب وعمّه بدّاً من المخاطرة بحياتَيهما والخروج تحت الغارات الجوية ونيران المدفعية والبنادق الآلية لجلب الماء لعائلتهما.

وفي خضمّ المعارك في الخرطوم، المدينة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، وحيث انقطعت الكهرباء والمياه الجارية بصورة شبه تامّة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي أداة تواصل ثمينة للسكان المحبوسين داخل منازلهم خوفاً من الأعيرة الطائشة.

وعلى فيسبوك وتويتر، أصبحت الأسر التي انقطعت الاتصالات بينها وبين أبنائها، تطلق نداءات استغاثة ودعوات للمساعدة، على أمل أن تجد من لديه أيّ معلومة عن أحبّائها المفقودين.

من بين هؤلاء الطبيبة هبة التي فقدت والدها في 23 إبريل/ نيسان بعدما "خرج لشراء بعض الأدوية الضرورية من الصيدلية لأنّه مصاب بأمراض مزمنة، لكنّه لم يعد".

وتضيف الطبيبة لـ"فرانس برس"، أنّ والدها "شخص مسالم ولا ميول سياسية له"، مشيرة إلى أنّ "عمليات البحث عنه ما زالت مستمرة، وأتمنّى أن يكون بخير وفي مكان آمن".

وتظهر منشورات على موقعي فيسبوك وتويتر عشرات الإعلانات عن مفقودين، معظمهم لرجال وأطفال فقدوا في ظروف مختلفة منذ اليوم الأول للاشتباكات.

وإزاء العدد الكبير لهذه الأسر، قرّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان قبل أيام تخصيص خط هاتفي للإبلاغ عن المفقودين.

منيرة فقدت شقيقها الأكبر بابكر أدوين الذي يعمل في مصنع بمنطقة الخرطوم بحري (شماليّ العاصمة)، في اليوم الأول للاشتباكات. وتروي لـ"فرانس برس" أنّ آخر تواصل بينها وبين شقيقها كان عبر مكالمة هاتفية يوم السبت 15 إبريل/ نيسان، طلب منها خلالها إبلاغ زوجته وأطفاله الستّة بأنّه بخير وسيغادر المصنع للعودة إلى منزله بأمّ درمان. لكنّه لم يعد، وظلّت أسرته بلا أخبار عنه.

 "مفقود" 

إزاء هذا الوضع، قرّرت منيرة تبليغ "مفقود"، وهي مبادرة عبر الإنترنت لمساعدة الأسر على معرفة مصير أبنائها المفقودين.

وبعد أن أبلغت "مفقود" بشأن شقيقها، تلقّت في 27 إبريل/ نيسان اتصالاً هاتفياً من المبادرة.

وتقول: "لقد أبلغوني بأنّه عُثِر عليه مقتولاً برصاصتين، ولم نستطع تسلّم جثمانه المتحفّظ عليه حتى الآن في المسجد الكبير بمنطقة السوق العربي، وذلك لصعوبة إخراجه من هناك، لكنّنا على تواصل مع إمام المسجد".

وتوضح أنّ "قوات الجيش في إحدى نقاط التفتيش أرغمت اثنين من أشقائي على العودة في أثناء محاولتهما الذهاب لتسلّم الجثمان ودفنه بسبب صعوبة الأوضاع والاشتباكات".

وتشكّلت مبادرة "مفقود" في عام 2019 لمساعدة أسر المتظاهرين الذين فُقد أثرهم في أعقاب قمع الجيش وقوات الدعم السريع لاعتصام نظّمه يومها متظاهرون مطالبون بالديمقراطية أمام مقرّ القيادة العامة للجيش في العاصمة.

وتقدّر أعداد المفقودين المدنيين حالياً في ولاية الخرطوم منذ اندلاع القتال بـ250 شخصاً، معظمهم من كبار السنّ وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال، بحسب المتحدث باسم المبادرة مصعب كمال.

وأوضح كمال أنّه "خلال الأسبوع الأول من الاشتباكات نشرت حالات لمفقودين "يقدّر عددهم بحوالى 100 إلى 150 شخصاً يومياً، خصوصاً أنّ المعارك بدأت بصورة مفاجئة من دون تحذير".

وأضاف أنّ "هؤلاء لا تنطبق عليهم شروط المفقودين، بل تقطّعت بهم السبل وحالت الاشتباكات دون وصولهم إلى ذويهم ومنازلهم بسهولة". وتابع أنّه "خلال الأسبوع الثاني من الاشتباكات نشرت حالات للمفقودين بصورة أكثر دقة، بواقع 10 إلى 15 مفقوداً يومياً".

وأوضح أنّ "بعضاً ممّن عُثِر عليهم كانوا معتقلين" لدى قوات الدعم السريع أو الجيش. وتعمل المبادرة حالياً على توسيع جهودها للبحث عن المفقودين، إلا أنّ الظروف الراهنة تمنعها من العمل بكفاءة، خصوصاً أنّ هناك أعداداً كبيرة من الجثث في الشوارع لا يمكن الوصول إليها، وبالتالي يستحيل إحصاؤها.

(فرانس برس)

المساهمون