مسلمو الصين... قبعة بيضاء ولحية

17 يوليو 2021
مسلمون يصلون في بكين (نويل سيليس/ فرانس برس)
+ الخط -

تقدّر إحصاءات غير رسمية عدد المسلمين في الصين بمائة مليون، بينما تشير تقارير حكومية إلى أن عددهم لا يتجاوز 23 مليوناً. ورغم أن دخول الدين الإسلامي إلى الصين يعود إلى أكثر من 1350 عاماً، لا يزال عامة الشعب الذي ينحدر أكثر من 91 في المائة منهم من قومية الهان، يجهلون أتباع هذا الدين حتى اليوم. تعتبر الصين دولة ملحدة في ظل نظام الحكم الشيوعي، لكن حوالي 18 في المائة من مواطنيها من أتباع البوذية، وهناك نسبة 5 في المائة من المسيحيين، وأقل من 2 في المائة من المسلمين. أما السكان فيتوزعون على 56 قومية، بينها 10 قوميات مسلمة، أكبرها الهُوِي والأويغور
قومية الهوي هي أكبر مجموعة عرقية مسلمة، وثالث أكبر مجموعة عرقية في الصين، وتضم نسل مسلمين صينيين تحولوا إلى الإسلام، أو آخرين تزوجوا من مهاجرين مسلمين. أما معظم الأقليات المسلمة الأخرى فتتحدر من نسل الشعوب التركية، وتلك في آسيا الوسطى. 

إرث ثقافي 
رغم الاضطرابات العرقية التي شهدتها الصين خلال العقود الماضية، حافظ المسلمون على تمسكهم بهويتهم، وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة، ما ساهم في إدراج العديد من عناصر التراث الديني للقوميات المسلمة في قوائم التراث الوطني للصين، مثل مساجد قديمة وأضرحة، إضافة إلى المقامات الموسيقية الـ 12 الخاصة بقومية الأويغور التي ضمتها قائمة التراث الإنساني الخاص بمنظمة "اليونسكو" التابعة للأمم المتحدة. 
ويتجلى الإرث الثقافي الإسلامي في عدة مجالات، مثل مراسم الزواج والجنازات وفن الخط والهندسة المعمارية التي تمزج بين التصاميم الإسلامية والصينية، إلى جانب الموسيقى والطب التقليدي وثقافة الحلال التي تؤثر في المطبخ الصيني. 
ويعتبر فن الخط أحد أقدم الفنون بالنسبة إلى المسلمين الصينيين الذين أعجبوا به منذ أن دخل الإسلام بلدهم، واطلعوا على نسخ من القرآن مكتوبة بخط اليد، وحاولوا إتقان كتابته، لكنهم واجهوا صعوبة لأن اللغة العربية تكتب من اليمين إلى اليسار بخلاف اللغة الصينية التي تكتب على هيئة رموز من أعلى إلى أسفل.

وكان الحل في مزج الطريقتين، ما أضفى بعداً جمالياً على الخط الجديد. وينظر إلى المقامات الموسيقية الـ12 للأويغور باعتبارها هوية ثقافية لسكان إقليم شينغيانغ (شمال غرب)، حيث لا يخلو نشاط فني في الإقليم من مراسم عزف هذه المقامات والرقص على أنغامها التي تمثل قصة أقرب إلى قصيدة ملحنة على 12 سلماً موسيقياً، وتشبه إلى حد بعيد المقامات العربية والفارسية، لكن خصوصيتها تتمثل في المزج بين الثقافتين الإسلامية والتركية. 
وتبدو ثقافة الأكل الحلال وفق الشريعة الإسلامية الأكثر تأثيراً في حياة المسلمين الصينيين، علماً أن كلمة حلال باللغة الصينية هي تشينغ جن، وتعني "واضح وحقيقي"، واستخدمت في فترة السلالات الإمبراطورية الحاكمة للدلالة على طهي الطعام وفق الضوابط والمعايير الإسلامية، وانتشرت بعدها لتصبح رمزاً للديانة الإسلامية، خصوصاً في الحقبة الشيوعية. ومنذ قرون لا يزال المسلمون الصينيون يلتزمزن بفقه الطعام الإسلامي، ويتجنبون أكل الخنزير في بلد يعتبر الأكثر استهلاكاً للحومه. 

الزواج والجنازات 
يعتبر الزواج أحد القرارات الأكثر قدسية لدى المسلمين الصينيين، إذ لا يمكن إنجاز مراسمه من دون حضور رجال الدين الذين يتمتعون بمكانة لا يرتقي فوقها أحد مهما علا شأنه. أما الطلاق فمنبوذ وغير محبذ، تنفيذاً للحديث المأثور القائل إن "أبغض الحلال عند الله الطلاق". ويفسر ذلك ربما تدني حالات الطلاق بين المسلمين مقارنة بقوميات أخرى. وعموماً تختلف تقاليد الزواج بين القوميات المسلمة، لكنها تحصل كلها بحضور رجال الدين وأئمة المساجد. وتجري المراسم في النهار وليس المساء كما الحال في الدول العربية. وبالنسبة لقومية الهوي تجري مراسم الزواج يوم الجمعة، وغالباً في المسجد، ويكون المهر أطعمة ومرطبات وأقمشة حرير، وليس نقوداً. أما العروس التي تنتمي إلى قومية سالار فتخرج من بيت أهلها عبر المشي إلى الخلف حاملة في كفيّها كمية من القمح تنثرها على الأرض مع كل خطوة. ويترافق ذلك مع تكبير وتهليل من الأهل والأقارب. وفي شأن عادات الجنازات فلا تختلف كثيراً عنها في المنطقة العربية.

مسلمو الصين فخورون بهويتهم الوطنية أيضاً (كيفن فريير/ Getty)
مسلمو الصين فخورون بهويتهم الوطنية أيضاً (كيفن فريير/ Getty)

ورغم أن السلطات الصينية لا تسمح بالدفن بسبب استنزاف الأراضي الزراعية، فضلاً عن تأثير البوذية على المجتمع وانتشار عادات حرق الجثث على نطاق واسع، لا يزال المسلمون يحتفظون بمقابرهم الخاصة. وتبدأ مراسم الجنازات بغسل الجثمان والصلاة على الميت في المسجد والدعاء له بالمغفرة، قبل تشييعه إلى المقبرة، ويحرص المسلمون الصينيون على دفن الميت في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، عملاً بمقولة "إكرام الميت دفنه".

افتخار بالجنسية والدين
عن التداخل بين الثقافتين الإسلامية والصينية، يقول الإمام يحيى يوان، وهو من قومية الهوي لـ "العربي الجديد": "استطعنا في بلد متعدد القوميات والديانات أن نتمسك بهويتنا الثقافية، ونتكيف مع ظروف شهدت فيها البلاد اضطرابات بين معتقدات مختلفة". يضيف: الإسلام ديانة. وأنا كمسلم لا يجب أن أتخلى عن هويتي الوطنية لأنني صيني في النهاية. وأيضاً رغم أنني صيني فلا يعني ذلك الانسلاخ عن الثقافة والتراث والتاريخ الإسلامي. من هنا أفتخر بجنسيتي وديني معاً". 

تجدر الإشارة إلى أن المتابع عن قرب لأجواء المسلمين الصينيين يلاحظ جوعاً روحياً كبيراً، وحاجة ماسة للتعبير عن القيم والذات والهوية، علماً أنه في إطار التشدد الذي تمارسه في حق الأديان، سعت السلطات إلى أن تكون الديانات منسجمة مع التوجه الصيني، وقادرة على التكيف في شكل أفضل داخل المجتمع الاشتراكي، لذا يميز مسلمون كثيرون أنفسهم عبر ارتداء قبعات بيضاء وإطلاق اللحى، كي لا ينصهروا في المجتمع الصيني. وجعل ذلك الصينيين غير المسلمين يجهلون تماماً أي شيء يتعلق بالمسلمين في بلادهم. ولو سألت أحدهم عن الإسلام سيظن أنه دولة وليس ديانة، كما أن بعضهم يتعامل مع كلمة حلال على أنها ماركة تجارية على غرار مجموعة مطاعم "ماكدونالدز" وشركة "كوكا كولا"، ولا تدل على طهي الطعام وفق الشريعة الإسلامية، حتى أن بعض الصينيين غير المسلمين يختصر مفهوم الإسلام بثلاث كلمات: قبعة بيضاء، ولحية.

المساهمون