مستشفيات هياكل... "أيام سوداء" لمرضى دمشق وريفها

20 ابريل 2023
تعجز مستشفيات في دمشق عن علاج المرضى (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -

وسط عجز المؤسسات الصحية التابعة للنظام السوري عن تقديم الخدمات الصحية المجانية، تزداد معاناة ذوي الأمراض المزمنة والحالات الطبية المعقدة في العاصمة دمشق وريفها، إذ يتوجب أن يشتروا العلاجات ويحضروها إلى المستشفيات، ما يزيد الأعباء، حتى أن بعض المرضى يقررون الامتناع عن التداوي بسبب عدم القدرة على توفير كلفة العلاج.

يعاني الخمسيني محمد الأحمد الذي يقيم في دمشق من مرض السكري منذ عشرين سنة، ما أثرّ على الحال الصحية للشبكية في إحدى عينيه التي تصاب بنزف يتجدد كل فترة. يقول لـ "العربي الجديد": "أصبت بنزيف في عيني اليمنى، وتوجهت لتلقي العلاج في مستشفى ابن النفيس الذي يضم الطبيب الوحيد المتخصص في هذه الحالة. كان لطيفاً ومتعاوناً، وأخبرني أنني أحتاج إلى حقنة عاجلة لعلاج النزيف في عيني، لكن هذه الإبرة لم تكن متوفرة في المستشفى، ويجب بالتالي أن أشتريها من السوق. توجهت إلى صيدلية للسؤال عنها، ففاجأني صيدلاني بأنها غير متوفرة لكنه يستطيع تأمينها خلال يومين بسعر مليون ونصف مليون ليرة (214 دولاراً)، وهو مبلغ لا أستطيع تأمينه بأي حال".
يمسح الأحمد بحزن دمعة سقطت من عينه المصابة، ويعلّق: "لا أستطيع أن أكمل علاجي الضروري في ظل هذه الأسعار الخيالية، وقد يكون العمى أفضل لي من رؤية هذه الأيام السوداء".
في قرية عكوبر التي تبعد مسافة 50 كيلومتراً شمالي دمشق، يقف قاسم فلحة وسط ساحة القرية وعلامات التعب والألم ظاهرة بوضوح على وجهه، وينتظر وسيلة نقل للتوجه إلى مستشفى تشرين القريب من مدينة حرستا، حيث يجري عملية غسل كلى. يشرح لـ "العربي الجديد": "أقوم بعملية غسل للكلى ثلاث مرات أسبوعياً، وأشعر بألم كبير قبلها وخلالها، وأصبح الألم يتضاعف بسبب وقوفي الطويل على قدمي في انتظار وسيلة نقل".

الصورة
تعاني مسشفيات مناطق النظام من نواقص كثيرة (لؤي بشارة/ فرانس برس)
تعاني مستشفيات مناطق النظام من نواقص كثيرة (لؤي بشارة/فرانس برس)

يتابع: "أفكر طوال الأسبوع بالمواصلات التي تعتبر همّي الأكبر في ظل خشيتي من عدم تأمين وسيلة نقل في أحد الأيام، وأن تصبح حالتي الصحية في خطر. يتوجه عدد محدد من الباصات من ضيعتي في ريف دمشق إلى الشام صباحاً، كما هناك بعض السيارات الخاصة".
وعن تكلفة زيارته المستشفى في دمشق يوضح فلحة أنه يحتاج في كل جلسة علاج إلى دفع 15 ألف ليرة سورية (2.14 دولار) أجور تنقلات، ما يعني أنني أحتاج إلى أكثر من 200 ألف ليرة (28.5 دولاراً) شهرياً. ولولا أن خيّرين يتكفلون بتسديد هذه المصاريف لكنت أوقفت العلاج منذ وقت طويل".
وعن حال المستشفيات في العاصمة دمشق، يقول طبيب يعمل في مستشفى المجتهد، طلب إخفاء هويته، لـ"العربي الجديد": "أصبحت المستشفيات في دمشق وعموم سورية مجرد هياكل متآكلة، فهي تخلو من كل مقومات أداء مهماتها الطبيعية على  صعيد استقبال المرضى وعلاجهم، إذ لا تتواجد فيها أجهزة ومعدات، كما تفتقر إلى الأطباء المتخصصين الذين هاجروا إلى الخارج بسبب تلقيهم رواتب متدنية جداً".

الصورة
رفعت حكومة النظام أسعار الأدوية مرات خلال الأشهر الماضية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
رفعت حكومة النظام أسعار الأدوية خلال الأشهر الماضية (لؤي بشارة/فرانس برس)

وفي شأن نقص الأدوية في مستشفيات دمشق، يؤكد هذا الطبيب أن "المستشفيات لا تعاني فقط من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية أو من عدم وجودها مطلقاً، فواضح أن الأطباء في حال عجز ويأس حتى إذا استقبلوا مرضى". ويعزو سبب هذه الحال إلى "الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سورية من جهة، ومن جهة أخرى إلى عوامل مختلفة فاقمت الأزمة المتمثلة في الفساد والسرقات التي لا تخلو منها وزارة الصحة بدءاً من الوزير إلى كثير من موظفيها، وذلك من دون رقيب أو حسيب".
من جهة أخرى، زادت معاناة المحتاجين إلى أدوية يومية بعدما رفعت حكومة النظام أسعار الأدوية مرات خلال الأشهر الماضية، آخرها بداية مارس/ آذار الماضي بنسبة 50 في المائة بعدما انقطعت بعضها لفترة من الأسواق، ما دفع عددا من المرضى إلى المخاطرة بحياتهم والتوقف عن التداوي بأدوية كيميائية مركبة، أو بالانتقال إلى استخدام خلطات لأعشاب طبية لا تؤدي المفعول نفسه.
ويعطي الصيدلاني أنس المحمد في حديثه لـ"العربي الجديد" مثالاً عن حجم  الارتفاع الكبير الذي طاول أسعار الأدوية خلال الفترة الماضية، ويقول: "تجاوز سعر ظرف "أوغمونتان"، وهو مضاد للالتهاب، 15,000 ليرة (دولاران) وظرف دواء "بيزوكاند" للضغط 3200 ليرة (نحو نصف دولار)، وسعر ظرف "باراسيتامول" 2800 ليرة (37 سنتاً).

ويوضح أن "الصيدليات تعاني من أزمة مالية في ظل ضعف الطلب على كثير من الأدوية، وعدم توفر أنواع أخرى، مع إحجام الناس عن شراء الأدوية إلا في الحالات الطارئة والحرجة، أو تحوّلهم لاستخدام وصفات للطب البديل أرخص سعراً".
ويعاني القطاع الصحي في سورية منذ سنوات طويلة من مشاكل كبيرة أثرّت على حياة المواطنين وصحتهم وسط فشل كبير من السلطات القائمة ظهرت أبرز ملامحه أثناء انتشار فيروس كورونا مطلع عام 2020، ثم تلته هجرة الأطباء وارتفاع أسعار الأدوية بنسب عالية جداً، ما يهدد حياة ملايين السوريين الذين باتوا يعيشون وسط ظروف اقتصادية تحتم صب اهتمامهم الأول على تأمين بعض احياجاتهم اليومية من طعام وشراب لعائلاتهم، حتى بات التداوي بالنسبة لهم من الكماليات التي يمكن تأجيلها.

المساهمون