مستشفيات منبج السورية... واقع سيئ

27 ديسمبر 2021
لا خدمات تلبّي حاجة كلّ السكان (مصطفى بطحيش/ الأناضول)
+ الخط -

يشكو سكان مدينة منبج الواقعة في الريف الشرقي لمحافظة حلب شمالي سورية من سوء الخدمات الطبية للمرضى في المؤسسات الاستشفائية، ومن استغلال المستشفيات الخاصة التي يُتّهم عدد كبير من كوادرها بعدم الكفاءة وبالخبرة غير الكافية للعمل في المجال الصحي، لا سيّما بعد وفاة طفلة ورجل في شهر واحد. ويعيد عضو مكتب منبج الإعلامي حامد العلي أسباب سوء الواقع الصحي وسوء الخدمات في مستشفيات مدينة منبج إلى "خروج عدد كبير من أطباء المدينة منها إلى مناطق أخرى في الشمال السوري وتركيا وبعض الدول الأوروبية، بالإضافة إلى تدنّي الأجور في مستشفيات المدينة وسوء المعاملة التي يلقاها الأطباء من قبل الإدارة الذاتية الكردية وجناحها العسكري "قسد" ولجنة الصحة التابعة للإدارة. بالتالي، يُسجَّل غياب للخبرات والكوادر المختصة".
وفي المدينة مستشفى عام وحيد هو "مستشفى الفرات" الذي كان سابقاً "مستشفى منبج الوطني" قبل أن تحوّله الإدارة الذاتية إلى ما هو عليه اليوم، بالإضافة إلى خمسة مستوصفات مجانية. أمّا المستشفيات الخاصة فهي "بركل" و"أحمد بالي" المعروف بـ"مستشفى الأمل"، و"الحكمة"، و"المدينة"، و"منبج التخصصي"، و"خشمان"، و"تشرين".

ويلفت العلي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحالات الطبية الصعبة توجَّه إلى مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة حلب لتلقي العلاج أو مستشفيات العاصمة دمشق بعد الحصول على موافقة أمنية للعبور من معبر التايهة. وثمّة أشخاص ممّن يحتاجون إلى علاج يسلكون طرق التهريب إلى مناطق جرابلس وأعزاز والراعي والباب في ريف حلب الشمالي". يضيف العلي أنّ "المستشفيات الخاصة تستغل الأهالي، نظراً إلى فقدان الأطباء وعدم توفّر التجهيزات الطبية في المراكز الصحية المجانية ومستشفى الفرات، بالإضافة إلى عدم إجراء عمليات جراحية في المراكز الصحية المجانية وفي مستشفى الفرات".
ومن ضحايا مستشفيات منبج الطفلة أسيل غنيمة التي شُخّصت بطريقة خاطئة وساءت حالتها قبل أن تُنقل إلى "مستشفى الشهباء" في مدينة حلب، حيث بيّنت نتيجة التحاليل الطبية أنّها تعاني من هبوط في الصفائح الدموية من جرّاء أدوية الالتهاب غير المجدية التي تلقّتها الصغيرة خلال الفترة السابقة. وبعد ثلاثة أيام من نقلها إلى مدينة حلب، فارقت الطفلة الحياة. وقع ذلك في أواخر يونيو/ حزيران الماضي.
من جهته، يؤكد الناشط بكر المحمد ابن مدينة منبج لـ"العربي الجديد" أنّ "قوات سورية الديمقراطية (قسد) صادرت مستشفى الفرقان وهو مستشفى خاص حديث بالمدينة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وحوّلته إلى مستشفى عسكري تعالِج فيه المصابين بكوفيد-19 التابعين لها".

طفل مريض في مستشفى في محافظة حلب (أشرف موسى/ الأناضول)
أخطاء طبية عدّة سُجّلت أخيراً (أشرف موسى/ الأناضول)

ويلفت إلى أنّ ذلك يأتي "من ضمن الممارسات التي تمنع تحسّن الواقع الطبي في المنطقة"، مبيّناً أنّ "اللجنة الطبية في المدينة التابعة للإدارة الذاتية لا تضمّ أطباء اختصاصيين، إذ إنّ الأفراد فيها صيادلة وممرّضون فقط، وأساس الاعتماد عليهم هو الولاء لها". يضيف المحمد أنّ "فواتير العلاج مرتفعة جداً في المستشفيات، ومن يراجع مستشفى ويحصل على علاج يفاجأ بفواتير إضافية غير المتّفق عليها، وتوضَع تلك المصاريف الإضافية تحت بنود العناية المركز والخدمة وغيرها".
في سياق متصل، يقول مصدر طبي من مدينة منبج فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إنّ "خدمات المستشفى العام الوحيد في المدينة أي مستشفى الفرات ضعيفة جداً، ولا تلبّي حاجة 10 في المائة من سكان المدينة"، لافتاً إلى أنّ "قسم الولادة فيه يستقبل عدداً قليلاً جداً من النساء الحوامل بسبب سوء الخدمات". ويشرح المصدر أنّ "سبب عدم ثقة الأهالي بالكوادر الطبية هو التشكيك في حصولهم على شهادات تخصصية حقيقية"، مؤكداً أنّ "الكوادر بمعظمها لا تملك شهادات حقيقية". كذلك يتحدّث عن "مبارزة يجريها الأطباء في ما يتعلق بالعمليات الجراحية، إذ يضطر الأهالي إلى البحث عن السعر الأنسب لهم".
ويشدّد المصدر الطبي ذاته على "الفساد في لجنة الصحة بالمدينة التي تُدار من قبل ممرّضين لا يملكون شهادات ولا يتدخلون قط في وضع حلول حقيقية لتحسين الواقع الصحي في المدينة". ويحكي عن "شاب توفي العام الماضي في مستشفى الحكمة نتيجة خطأ طبي، وكان ردّ الفعل حينها ختم المستشفى بالشمع الأحمر لأيام عدّة قبل أن يفتح أبوابه من جديد من دون عقوبات ولا مشكلات".
وتُثار تساؤلات كثيرة حول أهلية الأطباء في مستشفيات منبج، كون الأخطاء الطبية تتكّرر بشكل غير مبرر. ففي عام 2019 سُجّلت في المستشفيات الخاصة بالمدينة أربعة أخطاء طبية، نتيجة قلة خبرة الأطباء العاملين وعدم ممارسة المهنة بشكل تخصصي، لا سيّما من قبل الجرّاحين وأطباء العظام.

وفي منتصف نوفمبر الماضي، توفيت طفلة رضيعة نتيجة خطأ طبي في "مستشفى بركل"، حيث وقعت كذلك حادثة ابتزاز لذوي حسين الحسن الذي توفّي من جرّاء إصابة بلغم أرضي. فقد طالب المستشفى عائلته بدفع 2000 دولار أميركي كبدل عملية جراحية أُجريت له، ليثبت لاحقاً أنّها عملية احتيال. ويُجبَر أهالي المدينة على التوجّه إلى المستشفيات الخاصة لقلّة البدائل وفقدان كثير من الخدمات في "مستشفى الفرات" الذي تشغّله الإدارة الذاتية. وبات من الشائع وصف مستشفيات المدينة بـ"المسالخ"، فيما يؤكد كثر أنّ مهنة الطب تحوّلت إلى تجارة في المدينة تفتقد الإنسانية.

المساهمون