في 21 فبراير/ شباط 2020، بدأت معركة لبنان مع فيروس كورونا الجديد. يومها أعلن وزير الصحة العامة حمد حسن عن تسجيل أول إصابة رسمياً، قبل أن يتحرّك عدّاد الإصابات والوفيات صعوداً بوتيرةٍ بطيئة، فكان التصريح الأشهر "لا داعي للهلع" الذي حاول من خلاله حسن طمأنة اللبنانيين إلى أنّ الوضع تحت السيطرة، وهو ممتاز مقارنة بدول أخرى، قبل أن تصعب المواجهة في مراحل لاحقة، وتسقط البلاد في فخّ الإهمال وسوء الإدارة والتفلّت وعشوائية القرارات والجهوزية الزائفة لدى المعنيين على صعيد المستشفيات.
اليوم، فقد لبنان السيطرة على فيروس كورونا الجديد، وبدأ حالة الطوارئ الصحية في 14 يناير/ كانون الثاني الجاري في ظلّ تخطي عدد الإصابات عتبة ستة آلاف إصابة يومياً، مقابل عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى، لا سيما على صعيد الأسرّة في العناية المركزة، فكانت مشاهد مصابين بحالات حرجة ينتظرون في مواقف السيارات وعلى المداخل شغور غرفة واحدة وأحياناً يضطرّون الى اختيار مستشفيات بعيدة جداً لاستقبالهم على الرغم من خطورة وضعهم وإمكان فقدان حياتهم على الطريق. برزت فضيحة تجهيز المستشفيات التي دائماً ما كانت تترافق كوعودٍ مع كلّ إقفال، قبل أن يكسرها تقاعس الجهات المعنية وتمرّد بعض المستشفيات، تحديداً الخاصة التي ترفض في نسبة لافتة منها فتح أقسام لكورونا.
يقول مصدر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إنّ الوزارة واجهت صعوبة كبيرة مع المستشفيات الخاصة لإقناعها بفتح أقسام مخصصة لمرضى كورونا، فكان الرفض مسيطراً، لكنّ الوضع كان تحت السيطرة، يوم كان عدد الإصابات بالمئات وكان معظم المرضى يختارون أساساً المستشفيات الحكومية لعدم قدرتهم على تغطية نفقات المستشفيات الخاصة باعتبار أنّ كلفة النهار الواحد تتجاوز مليون ليرة لبنانية (665 دولاراً بسعر الصرف الرسمي)، لكنّ الوضع اختلف تماماً مع ارتفاع عدد الإصابات ووصوله إلى أرقام قياسية وصلت إلى أكثر من ستة آلاف إصابة في اليوم الواحد، بينما قسم كبير منها حالات حرجة تستدعي نقلها إلى المستشفى والعناية المركزة، فكان الارتفاع أيضاً في عدد الوفيات الذي تخطى الستين يومياً.
يضيف المصدر أنّه تبعاً لهذا السيناريو الكارثي، كانت هناك ضرورة لفرض إجراءات وتدابير صارمة على المستشفيات الخاصة لإلزامها بفتح أقسام لكورونا، وكذلك زيادة عدد الأسرّة، لا سيما في غرف العناية المركزة، مقابل استحداث مراكز خاصة وتجهيز مستشفيات، تحديداً في القرى البعيدة عن العاصمة والمناطق المحيطة بها، نتيجة الكثافة الكبيرة والضغط الهائل على مستشفيات بيروت وجبل لبنان (المحافظة المحيطة ببيروت)، وفي مرّات كثيرة تمّ على سبيل المثال نقل مرضى من بيروت إلى البقاع بسبب القدرة الاستيعابية التي وصلت إلى حدّها الأقصى.
من جهته، يقول نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون لـ"العربي الجديد"، إنّ 90 مستشفى خاصاً من أصل 127 مستشفى أصبحت تستقبل مرضى كورونا، فيها نحو 620 سريراً في العناية المركزة مخصصة للحالات الحرجة، و1150 سريراً في الغرف العادية، موضحاً أنّ وضع المستشفيات الخاصة صعبٌ جداً، لأنّ الأسرّة المخصصة لمرضى كورونا امتلأت، كما أنّ غرف الطوارئ لم تعد تتسع نتيجة الاكتظاظ. يتابع هارون أنّ ثلاثة أسباب تقف عائقاً أمام المستشفيات الخاصة التي لا تستقبل مرضى كورونا أو تفتح أقساماً لهم، الأول هو السبب المادي، بالإضافة إلى النقص في الطواقم الطبية والتمريضية، أما الثالث، فيرتبط بهندسة المستشفى فهناك مستشفيات لم تستطع تخصيص قسم معزول لكورونا. ويرفض النقيب الحملات التي تُشنّ على المستشفيات الخاصة، والقول إنّها ترفض استقبال مرضى كورونا، إذ إنّ كلّ سرير لمريض بالفيروس يُكلف نحو 40 ألف دولار نقداً، ما يحول دون فتح قسم خاص بكورونا، مشيراً إلى أنّ المستشفيات الخاصة تمكنت في خلال ثلاثة أسابيع من رفع جهوزيتها لاستقبال مرضى كورونا، مستبعداً في المقابل، أن يتخطى عدد المستشفيات الخاصة التي تجهز أقساماً لديها لكورونا حاجز التسعين نظراً للعوائق الثلاثة المذكورة.
بدوره، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ عدد المستشفيات الحكومية التي تستقبل كورونا هو عشرون من أصل سبعة وعشرين مستشفى، فيما تخطى عدد الأسرّة الشاغرة فيها 300 سرير، مشيراً إلى أنّ الانتشار السريع لفيروس كورونا في لبنان جعل الوضع صعباً جداً لا سيما على المستشفيات، وقد تزداد الأمور صعوبة في الأسابيع المقبلة. ويشير في المقابل، إلى أنّ القطاع الطبي والتمريضي يواصل الصمود في وجه هذه الكارثة وهناك ضغوط تمارس من الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الصحة على المستشفيات الخاصة لفتح أقسام لكورونا، بالترافق مع أزمة نقص في الأدوية، مضيفاً: "كلنا أمل في الوصول في الأيام المقبلة إلى تجهيز أكبر عدد من المستشفيات والأسرّة لمعالجة المرضى".
من جهته، يقول الدكتور محمود حسّون، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى "رفيق الحريري" الحكومي في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إنّ مستشفى الحريري أوّل مستشفى جهّز نفسه بقسم خاص بكورونا، معزول عن المستشفى العادي، فكان الجندي الأول الذي يقف في المعركة بطاقمه وعماله ومتطوعيه. يتابع: "نحن من قدم مهلة لبقية المستشفيات للتجهيز، لكن للأسف المشكلة الأساسية وقعت وأصبحت أعداد المصابين بالآلاف، فيما عدد الأسرّة الموجود لا يكفي لاستقبال جميع المرضى، حتى أنّ الأسرّة الجديدة التي تستحدث في العناية المركزة ليست كافية نظراً للحالات الطارئة والحرجة المتزايدة، والآن نحن بحاجة إلى 1200 سرير إضافي للعناية المركزة". ومن أبرز المشاكل التي تواجه المستشفى، يشير حسّون إلى النقص في الكوادر البشرية، خصوصاً أنّ هناك هجرة كبيرة على صعيد الطاقم الطبي والتمريضي نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان وتردي الأوضاع المعيشية. ويلفت في هذا الإطار، إلى أنّ "في مستشفى الحريري نحو 120 ممرضاً لكورونا، وأحياناً نستعين بعدد أكبر، فيما الطاقم الطبي لا يتجاوز 25 طبيباً، وهذه الأعداد ليست كافية في ظلّ الوضع الصحي الراهن، من دون أن ننسى الضغط الكبير الذي يتعرّضون له بدنياً ونفسياً. ففي كثير من الأحيان يعمل الطاقم لأكثر من 24 ساعة بشكل متواصل من دون راحة". ويتحدث حسّون عن أزمة خطيرة أخرى تتمثل في النقص بالأدوية، وهي أزمة ممتدة على مستوى جميع المستشفيات.
هذه الأزمة يتوقف عندها أيضاً رئيس قسم القلب في المركز الطبي لـ"الجامعة اللبنانية الأميركية (مستشفى رزق)" الدكتور جورج غانم. يقول لـ"العربي الجديد": "للأسف، نعاني من اختفاء الأدوية في السوق، ففي كلّ مرة يضع المجتمع الطبي الأمل في دواء معيّن لعلاج مرضى كورونا، سريعاً ما ينقطع من الأسواق، لنجده بعد أيام قليلة في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً نظراً لأزمة الدولار، وعدم قدرة المستشفيات خصوصاً على الشراء بالعملة الصعبة". من ناحية أخرى، يقول غانم إنّ "هناك 12 سريراً مشغولاً في العناية المركزة في مستشفى رزق، ولا مكان لاستقبال المزيد، بل أحياناً نضطر لوضع مرضى في غرف عادية إذا كان وضعهم حرجاً ويعانون من مشاكل في التنفس أو الأوكسجين، فيما بقية الحالات تعالج في المنازل وتجري متابعتها من قبل فريق طبي لعدم وجود أماكن لها".
من أبرز المشاكل في مستشفى "رزق"، الإصابات التي تطاول الطاقمين التمريضي والطبي، فهناك نحو 20 في المائة من الطاقم التمريضي مصابون بالفيروس، ونحو 15 في المائة من الأطباء. كذلك، يتحدث غانم عن المشاكل في التجهيزات والتي تحتاج كلّها إلى مبالغ تدفع بالدولار الأميركي أو بالليرة وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء (الدولار بـ8800 ليرة)، فالمستشفيات الخاصة خصّصت ميزانيات كبيرة لتجهيز أقسام لكورونا، وزيادة القدرة الاستيعابية إلى جانب الكلفة التمريضية. والأهم من ذلك، أنّ هناك مشكلة في غياب السياسة الصحية الواضحة على صعيد تغطية مرضى كورونا مادياً، والقسم الأكبر من الناس ليس بمقدورهم تحمّل النفقات، بحسب غانم.