مستشفيات شمال غزة... تهديد إسرائيلي جديد بإعدام المرضى والجرحى

09 أكتوبر 2024
جرحى نُقلوا إلى مستشفى كمال عدوان (أسامة عبد الوهاب أبو ربيع/ الأناضول)
+ الخط -

يستمرّ الاحتلال الإسرائيلي، بعد مرور أكثر من عام على بدء عدوانه على قطاع غزة، في تدمير القطاع الصحي وها هو اليوم يُحاصر المستشفيات الثلاثة المتبقية في شمال القطاع وسط أوامر بالإخلاء.

يتوسع العدوان الإسرائيلي على شمال قطاع غزة من خلال استهداف المنظومة الصحية التي تشكل العصب الرئيسي للحياة، بالإضافة إلى تقليص إدخال المساعدات الغذائية بشكل كبير خلال الفترة الماضية، ما انعكس سلباً على الأمن الغذائي لنحو 400 ألف نسمة يعيشون في مدينة غزة وشمال القطاع، وقد عانوا طوال عام من عمر الحرب من التجويع. 
ومع تواصل العملية العسكرية البرية والجوية على شمال القطاع، دعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى إخلاء المستشفيات الرئيسية في شمال القطاع، وهي كمال عدوان، والإندونيسي، والعودة التي تمثل عصب المؤسسات الصحية في مناطق الشمال منذ بدء العدوان الإسرائيلي (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) الذي دخل عامه الثاني على التوالي.
وتعرّض مستشفى كمال عدوان للاستهداف مرات عدة خلال الأيام الماضية، عبر قذائف دخانية أطلقتها مدفعية الاحتلال نحوها أو في المنطقة الملاصقة لها، من أجل ترهيب العاملين فيها ودفعهم إلى إخلاء المستشفى.
يشار إلى أن مستشفى كمال عدوان هو المجمع الطبي الأول في الشمال والخاضع جغرافياً لمنطقة مشروع بيت لاهيا، وتأسس عام 2002، ويقدم الخدمة إلى مئات الآلاف من السكان في مختلف التخصصات الصحية. وطلب الاحتلال الإسرائيلي من إدارة المستشفى إخلاءه من جديد، وهي المرة الثانية التي يطلب الاحتلال إفراغ المستشفى من المرضى والكوادر الطبية، إذ سبق أن طلب ذلك في 14 أكتوبر 2023، تمهيداً لقصفه. حينها، استهدف منزلاً إلى جواره، وقصف بوابة المستشفى الشمالية في 3 ديسمبر 2023، قبل أن يقتحم في 12 ديسمبر المستشفى ويستهدفه مرات عدة.
وأعلن المدير العام للمستشفى، الطبيب حسام أبو صفية، في نداء استغاثة خاطب فيه وسائل الإعلام، طلب الاحتلال منه إخلاء المستشفى من جديد، علماً أن الاحتلال أعاق عمليات نقل مرضى، واعتقل أحد المسعفين خلال عمليات الإجلاء التي جرت لبعض الأطفال الموجودين في الحضانة.
وشدد أبو صفية، في التسجيل الصوتي، على أن الأطباء سيظلون يقدمون الخدمة إلى المرضى، في ظل وجود عشرات الآلاف شمالي القطاع، وعدم استجابتهم لطلبات الإخلاء التي وجهتها القوات الإسرائيلية، ولا سيما مع نصب الاحتلال حواجز واستهداف أي شخص يتحرك في مختلف مناطق مخيم جباليا للاجئين.

وشمل التهديد بالإخلاء أيضاً مستشفى الإندونيسي الذي تأسس عام 2014. وهي المرة الثانية التي يطلب فيها إخلاء المستشفى بعدما كان قد تعرّض للاستهداف في نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، ما تسبب حينها بإخراج المستشفى عن العمل لفترة، عدا عن استشهاد وإصابة أكثر من 20 شخصاً، بينهم نساء مرضى ومرافقون لهم في المستشفى.
في السياق نفسه، يواجه مستشفى العودة خطر الإخلاء. وسبق أن تعرّض المستشفى لعدة استهدافات خلال العدوان المتواصل، في 19 ديسمبر 2023. وخلال العملية العسكرية في الشمال، حولت قوات الاحتلال المستشفى إلى ثكنة عسكرية، واحتجزت القوات الإسرائيلية خلالها 240 فلسطينياً، بمن فيهم الموظفون والمرضى داخلها، مع منع الدخول والخروج منه.
ويقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن ما يجري يندرج في إطار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني عبر السعي لإسقاط المنظومة الصحية. يضيف في حديث لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال تجرأ على تكرار جريمة تهديد المستشفيات والإصرار على إسقاطها وإخراجها عن الخدمة، وهي بمثابة حكم بالإعدام على أكثر من 400 ألف مواطن في مناطق شمال القطاع و300 ألف في منطقة مدينة غزة.
ويوضح الثوابتة أن الاحتلال بدأ بحصار مستشفى كمال عدوان وأطلق النار على مكتب إدارة المستشفى، بالإضافة إلى منع الوقود عن المستشفى، ما ينذر بتوقف الخدمات الصحية في المستشفى، أو ما تبقى من المستشفيات التي أعادت تقديم الخدمة، ما ينعكس سلباً على 700 ألف نسمة في شمال القطاع ومدينة غزة. ويشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي طلب من إدارة المستشفيات الثلاثة في شمال القطاع إخلاءها، وإلا فإنها ستواجه التدمير والاستهداف كما جرى في مجمع الشفاء الطبي خلال العمليتين العسكريتين اللتين نفذهما الاحتلال فيها. ويطالب الثوابتة المؤسسات الدولية بتوفير الحماية اللازمة والكافية للمنظمات الصحية في القطاع ووقف تدمير المستشفيات والقطاع الصحي والعمل على إمداد هذه المؤسسات بالمعدات الصحية والمستهلكات الطبية.

مستشفى العودة شمال القطاع (معز صالحي/ الأناضول)
مستشفى العودة شمال القطاع (معز صالحي/ الأناضول)

ومن خلال طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاء المستشفيات الثلاثة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عمله على إسقاط المنظومة الصحية شمالي القطاع، لتطبيق خطة "الجنرالات" أو ما يعرف بخطة تهجير من تبقوا من سكان الشمال نحو جنوبي القطاع.
وعانت المستشفيات الثلاثة على مدار الأيام الماضية عجزاً شديداً في الوقود جراء منع الاحتلال إدخاله إليها، وهو ما يؤكده  مدير الهندسة والصيانة في وزارة الصحة علاء عودة، الذي توقع توقف المستشفيات خلال وقت قريب بفعل غياب إمدادات الوقود.
وفي وقت سابق، قال عودة لـ "العربي الجديد" إن مستشفيات القطاع تحتاج نحو 24 ألف لتر من الوقود يومياً، وهي 12 ألف لتر لمستشفيات الشمال وغزة، ومثلها في مستشفيات الوسطى والجنوب. أما المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، فأعلن الإجبار على إغلاق عدد من مراكز الوكالة للإيواء للمرة الأولى منذ بدء الحرب في غزة. وقال لازاريني في تصريحات عممتها الأونروا على وسائل الإعلام، إن أوامر الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة تجبر الناس على الفرار مراراً وتكراراً، وخصوصاً من مخيم جباليا شمالي القطاع، مشيراً إلى أن العملية العسكرية الأخيرة تهدد بتنفيذ المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة، ولا سيما أن هناك ما لا يقل عن 400 ألف شخص محاصرين في الشمال.
والعملية العسكرية الحالية في منطقة جباليا ومخيمها هي الثالثة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حرب الإبادة، وتعرضت المنطقة لشتى أنواع الاستهداف العسكري، بالإضافة إلى منع الغذاء والوقود.

بدورها، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إنّ دعوة القوات الإسرائيلية الناس من شمال غزة إلى جنوبها لن يتسبب إلا بتفاقم الكارثة الإنسانية، حيث تتسبب هذه الإخلاءات الجماعية القسرية للمنازل وقصف الأحياء السكنية من قبل القوات الإسرائيلية بتحويل شمال غزة إلى أرض قاحلة غير صالحة للعيش، ما يؤدي فعلياً إلى إفراغ شمال القطاع بأكمله من الحياة الفلسطينية.
وأوضحت المنظمة أن ما يزيد الوضع تأزماً، منع دخول أي إمدادات إنسانية إلى المنطقة منذ الأول من أكتوبر الجاري، مطالبة القوات الإسرائيلية بوقف أوامر الإخلاء التي تتسبب في التهجير القسري للأشخاص، وأن تضمن حماية المدنيين. وقالت إن عياداتها استقبلت في مدينة غزة 255 مريضاً يومي الأحد والاثنين الماضيين فقط، إذ تتقلص يوماً بعد يوم خيارات حصول الناس على الرعاية الطبية، والوصول إلى المرافق الصحية القليلة الموجودة أمر مستحيل بالنسبة إلى بعض الناس. وتلقت فرق المنظمة تقارير عن جرحى توفوا لعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية. 

المساهمون