تزداد معاناة السوريّين من جراء تدهور القطاع الصحي في دمشق يوماً بعد يوم. ولا يجد الكثير من المرضى من يساعدهم داخل المستشفيات، كما لا تؤمّن لهم احتياجاتهم من أدوية ومستلزمات طبية، أو حتى أسرّة في أقسام العناية المشددة. ففي غالبية المستشفيات العامة، خصصت تلك الأسرة للمصابين بفيروس كورونا الجديد، ما يجعل الكثير من المرضى ينتظرون الموت بصمت.
ويزدحم قسم الإسعاف في مستشفى المواساة في دمشق بالمرضى والمرافقين والممرضين والأطباء، الذين اعتادوا أن يحيط بهم الألم والموت. ويتشارك مرضى كورونا المكان مع مرضى آخرين، في حين يتنقل الكادر الطبي والخدماتي في ما بينهم، لتقتصر الوقاية على وضع جزء من الكادر الطبي كمامات طبية. أما المرافقين والمرضى الذين يفترض بهم شراء كمامات عند الباب الرئيسي، فتجدهم ينزعونها داخل المستشفى.
ويستلقي رجل خمسيني يرتدي ثيابا رثة على سرير الإسعاف في مستشفى المواساة، يبحث عن شخص ما يأخذ أنابيب تحليل الدم إلى المختبر. وتنتهي مهمة الممرضات في القسم بسحب الدم أو إعطاء عبوة تحليل البول ليتدبر المريض نفسه. وصودف أن وصل الرجل إلى المستشفى من دون مرافق، وقد طلب المساعدة أكثر من مرة حتى استجاب له أحد الموجودين في القسم لإيصال الدم إلى مختبر التحليل. وبالكاد استطاع النهوض ليأخذ تحليل البول ويجلب تحاليل الدم.
إلى جانبه، كان مريض ستيني يدعى أبو محمد بالكاد يلتقط أنفاسه. وقال الطبيب لذويه إنه يشتبه بوجود نزيف دماغي، لكنه يحتاج إلى تصوير طبقي محوري. وبدأ أهله البحث عن أحد العاملين المكلفين بنقل المرضى. وبعد أكثر من ثلث ساعة، أخبرهم أحد العاملين أن جهاز الطبقي المحوري معطل، في وقت لا تسمح حالة المريض بنقله إلى مستشفى آخر. دفعوا المال لأكثر من شخص في المستشفى ليؤمن لهم إجراء الصورة، علماً أن المعاناة لا تنتهي هنا، إذ تتطلب حالته البقاء في قسم العناية المركزة. ترفٌ لم يكن متاحاً لهذا المريض بسبب عدم توفر أسرة. انتظر المريض حتى منتصف الليل ما أدى إلى نقص في الأوكسجين حتى فقد حياته".
ويقول شقيق أبو محمد، ويدعى فؤاد، وقد طلب عدم ذكر اسم عائلته، لـ"العربي الجديد": "واقع المستشفيات في سورية كارثي. ويتوجب على مرافقي المريض القيام بالكثير من المهام التي يفترض أنها من مهام كادر المستشفى، كأخذ التحاليل والمريض للتصوير، في حين أن الكثير من الأدوية غير متوفرة في المستشفى، بالاضافة إلى المستلزمات الطبية مثل القسطرة الوريدية المركزية. وغالباً ما تكون الأجهزة في المختبر متوقفة عن العمل، ما يجبر المرضى على التوجه إلى المختبرات الخاصة، الأمر الذي يفوق طاقة أهل المريض".
يضيف: "ليس لدى العائلات ذات الوضع المادي السيئ فرصة للحياة. شقيقي كان بحاجة إلى جهاز تنفس اصطناعي إلا أن الأجهزة في المستشفى معطلة". ويقول: "تواصلت مع شركات تبيع وتؤجر مثل هذه الأجهزة، لكن سعرها مرتفع. كذلك بالنسبة للإقامة في قسم العناية المركزة في المستشفيات الخاصة، ما جعلنا عاجزين عن فعل أي شيء".
من جهته، يقول طبيب في المستشفى طلب عدم ذكر اسمه، إن وضع المستشفيات إلى تدهور مستمر. والأخطر هو نزيف الكادر الطبي إذ يزداد أعداد المهاجرين منهم إلى دول أخرى وخصوصاً الصومال وليبيا. كما أن إمكانيات المستشفيات تنهار يومياً. هناك نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يجبرنا على طلب هذه الاحتياجات من ذوي المريض حفاظاً على حياته".
يضيف: "المستشفيات الحكومية تزدحم بمرضى كورونا، وغرف الإنعاش مشغولة 100 في المائة. وغالباً ما يكون أكثر من مريض في انتظار أن يفرغ سرير حتى يشغله. هنا أيضاً نضطر إلى أن نفاضل بين المرضى بحسب العمر والحاجة والجدوى. وبعض الحالات التي تصلنا ميؤوس منها".
يشار إلى أن التلفزيون الرسمي التابع للنظام كان قد نقل عن مسؤول في وزارة الصحة قبل أيام قوله بأنه جرى البدء في نقل مرضى كوفيد-19 من مستشفيات العاصمة دمشق إلى مستشفيات محافظة حمص، ونقل من يتلقون العلاج من الفيروس في اللاذقية إلى مستشفيات محافظة طرطوس. ويأتي ذلك عقب إشغال كامل القدرة الاستيعابية للمستشفيات في تلك المناطق بسبب الارتفاع الحاد في عدد حالات فيروس كورونا.