مساهمة الإنسان المدمّرة في التغير المناخي.. كيف نصنع الكوارث؟

26 يوليو 2023
يشهد الكوكب حرائق وفيضانات وموجة حر (فرانس برس/الأناضول/Getty)
+ الخط -

رسم تقرير جديد صورة قاتمة للتغيّر المناخي العالمي، إذ تشهد البشرية في العام الحالي 2023 ما سجّله بعضها في الأعوام الماضية: نسق حرائق الغابات، وارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى قياسي، إلى جانب الفيضانات العنيفة في آسيا، وجفاف ونقص في المياه، تصحر وجفاف ونقص في الغذاء، باتت وغيرها من "ثوابت" السنوات التي أعقبت التحذير الصادر قبل نحو 8 سنوات في اتفاقية باريس المناخية.

وعلى الرغم من تأكيد قمم المناخ المتتالية على مخاطر ارتفاع درجات حرارة الأرض، وضرورة الالتزام الحقيقي بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إلا أن الواقع يشير إلى حالة لم تشهدها الأرض "منذ نحو 100 ألف سنة"، وفقا لخبراء التغيرات المناخية وظاهرة الاحترار.

ومنذ العاشر من يونيو/حزيران الماضي، تم تسجيل 2300 حالة احترار حول العالم، ممتدة من فلوريدا إلى كاليفورنيا الأميركيتين، وإلى جنوب أوروبا والصين. والحرائق المدمرة المنتشرة في الأرخبيل اليوناني، وغيرها في حوض البحر الأبيض المتوسط، تعود لتذكر بأن "تأثير البشر على المناخ يصنع الكوارث"، وهو على الأقل ما استنتجه تقرير صادر أمس الثلاثاء عن مجموعة من الباحثين الدوليين في تقرير جديد لهم، عن تضرر جدي للمناخ.

ويعتبر الباحثون في الشبكة الدولية لأبحاث الطقس (WWA) أنه ما كان يمكن أن تحدث موجات الحرارة العالية التي تضرب مختلف مناطق الأرض لولا تأثير البشر السلبي على حالة المناخ.

ويذهب الباحثون في دراستهم التي تسمى "دراسة الإسناد" إلى فحص دقيق لحالة الطقس منذ الثالث من يوليو/تموز الحالي في ثلاث مناطق مختلفة في نصف الكرة الشمالي: الصين وجنوب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، المكسيك. وبشكل يقيني يرون أنه على سبيل المثال لم يكن هناك احتمال الوصول إلى درجات الحرارة القصوى التي شهدتها الصين في وقت سابق من هذا الشهر (التي عادة تحدث مرة واحدة كل 250 عاما)، ولا ارتفاع الحرارة في الولايات المتحدة، المكسيك، وجنوب أوروبا، لولا ارتفاع درجة حرارة الكوكب، كما سجل الباحثون مساهمة الإنسان في تطرف الوضع المناخي.

ووفقاً للباحثين، أصبح الخطر واضحاً الآن، مع تحول موجات الحرارة إلى أن تصبح أكثر شيوعا، ويشددون على أنها ستصبح أكثر شدة. وهو استنتاج أكده الباحث المشارك في الدراسة من جامعة لوند السويدية ماركو روموكاينين، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "داغسنيهتر" اليومية اليوم الأربعاء.

من ناحية أخرى، يشير علماء المناخ إلى أن درجة حرارة الأرض وصلت إلى مستوى قياسي باعتبارها هذا الصيف (2023) الأكثر سخونة خلال الـ120 ألف سنة الماضية.

وتشير تقاريرهم، وتقارير الأمم المتحدة، إلى أن الكوكب سيشهد المزيد من الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والجفاف، وموجات حرارة يرجعونها إلى ظاهرة "الكوكب المحموم".

واليوم، وفقاً لعديد التقارير، نشهد بالفعل عواقب تغيّر المناخ من صنع الإنسان في جميع أنحاء العالم. فحالة الجفاف وارتفاع الحرارة في إيطاليا أعقبتها أخيرا كوارث هطول أمطار وفيضانات مدمرة تودي بأرواح الناس مثلما تفعل درجات الحرارة المرتفعة، كمؤشر على تطرف الطقس بشكل متكرر عالميا.

ووصل الأمر في إيطاليا إلى حدّ أن مشافيها عاشت أوضاعاً مماثلة لما عاشته في أعقاب اندلاع كارثة جائحة كورونا في أيامها الأولى ربيع عام 2020، إذ زاد الاستشفاء ومرضى الطوارئ بنسبة 25 في المائة هذا الصيف، ووصلت الحرارة إلى رقم قياسي في العاصمة روما متجاوزة الـ43 في المائة، وبعض المناطق 47 درجة، إذ تأثر المسنون بشكل خاص بموجات الحرارة.

يضاف إلى ذلك أن الجفاف وارتفاع الحرارة ضربا موسم الطماطم والزيتون في البلد، وذلك بعد أن ضربا أيضا موسم صقيع الربيع الموسم السابق، وبالمستوى نفسه تأثرت بهما إسبانيا.

وأصيب إقليم كتالونيا وأقاليم الجنوب بحرارة تذكّر حرفياً بمعنى التغير المناخي، فموسم الزيتون ضرب للمرة الثانية في عامين من الحرارة الشديدة. وحتى كوريا الجنوبية، تأثرت صيف العام الحالي بالتغير المناخي وشهدت بعض مناطقها أمطارا غزيرة تجاوزت 60 سنتيمترا، وتوفي أكثر من 40 شخصا فيها، وجرى إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص نتيجة الفيضانات، إذ جرفت المياه منازل وطرقا لا حصر لها.

ومنذ يوم الاثنين الماضي، تذكّر الحرائق في اليونان الإنسان بالأثر المباشر للاستهتار بالتغيرات المناخية، التي لا تعرف حدوداً ولا وفوارق بين البشر. فمنطقة شمال أفريقيا، وخصوصا الجزائر وتونس، تستشعر أيضا تفلت دول العالم من اتفاقات وقعت عليها للمحافظة على المناخ، وحصر ارتفاع درجات حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، وهو ما يبدو أمرا يجري تجاوزه ببقاء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمستويات مدمرة.

الأمر بالتأكيد ليس أسهل على دول القرن الأفريقي التي تعاني منذ 3 سنوات من الجفاف المستمر. فالمحاصيل ذبلت واختفت المياه وتنفق الماشية، ما يتسبب بمجاعة في أجزاء كبيرة من كينيا وإثيوبيا والصومال، والجفاف هو الأسوأ منذ 40 عاما، وأودى بحياة عشرات الآلاف من الناس، وترك أكثر من 20 مليون جائع.

وخلص تقرير الشبكة الدولية لأبحاث (دبليو دبليو دبليو)، في إبريل/ نيسان الماضي، إلى أن تغير المناخ جعل احتمال وقوع كارثة في القرن الأفريقي أكثر بمائة مرة.

حتى الهند لم تسلم هذا الصيف من الحالة المناخية السيئة، إذ أدت تدفقات المياه وفيضانات الأنهر في شمال البلد إلى مقتل 100 شخص على الأقل، ووصل منسوب المياه يوم الأربعاء إلى تاج محل، وهي ظاهرة نادرة يحذر منها الخبراء.

المسألة لا تتعلق فقط بموسم ارتفاع درجات الحرارة والجفاف فحسب، بل تتعلق بكل التوازن البيئي العالمي، واختلال في حركة التيارات في المحيطات. ويتوقع علماء أن يصبح الجليد البحري في القطب الشمالي شيئا من الماضي مع حلول العام 2030، إذا ما استمر الانحدار على ذات المستوى المتعلق بالانبعاثات الغازية المضرة بالغلاف الجوي، وهو ما أكده الخبراء في دراسة نشرتها المجلة العلمية "نيتشر كومنيكيشنز" Nature Communications في يونيو/ حزيران الماضي. وشدد هؤلاء الخبراء على أن ارتفاع الحرارة المتأتي من صنع الإنسان مسؤولة عن 90 في المائة من ذوبان الجليد، وبأنه نتيجة لذلك تنخفض بنسبة 13 في المائة نسبة الجليد الصيفي كل عقد منذ عام 1979.

المساهمون