مركز الحروق الوحيد في لبنان يحتضن مصابين بغارات إسرائيلية

31 أكتوبر 2024
يستقبل مركز الحروق في لبنان ضحايا العدوان الإسرائيلي، 30 أكتوبر 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت الطفلة إيفانا سكيكي لحروق شديدة نتيجة غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، وتخضع للعلاج في مستشفى الجعيتاوي ببيروت، حيث تعاني والدتها من صدمة نفسية.
- محمد إبراهيم، 11 عامًا، يعالج من حروق في يديه بعد غارة أخرى أودت بحياة والده وشقيقه، ويشير الأطباء إلى الحاجة لمتابعة نفسية للمصابين.
- استقبل مستشفى الجعيتاوي نحو سبعين مصابًا منذ بدء التصعيد الإسرائيلي، ويواجه تحديات في توفير الرعاية بسبب نقص المواد الطبية وزيادة عدد المصابين.

منذ أكثر من خمسة أسابيع، تلازم اللبنانية فاطمة زيون طفلتها إيفانا، الملفوفة بضمّادات بيضاء من جرّاء حروق نهشت جسدها النحيل، تسبّبت فيها غارة إسرائيلية وقعت بالقرب من منزل العائلة في جنوب لبنان فيما كانت تلهو مع شقيقتها رهف. في داخل غرفة في المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي في منطقة الأشرفية شرقي بيروت، حيث يقع مركز الحروق الوحيد في لبنان، تجلس فاطمة (35 عاماً) على كنبة وتبدو آثار الصدمة واضحةً عليها.

على سرير في ذلك المستشفى، بالقرب من كنبة فاطمة، ترقد صغيرتها إيفانا سكيكي التي تبلغ عامها الثاني في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فيما رأسها ويداها وإحدى قدمَيها ملفوفة بضمّادات بيضاء. هي تتعافى من إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة، وفقاً للأطباء الذين يعالجونها.

بصعوبة، تستعيد الوالدة ما جرى صبيحة 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما كانت تستعدّ مع زوجها محمد وطفلتَيها للنزوح من بلدتهم دير قانون النهر التابعة لقضاء صور في جنوب لبنان، على وقع الغارات الإسرائيلية. يُذكر أنّه في ذلك اليوم، صعّدت إسرائيل عدوانها على لبنان مهجّرةً مئات الآلاف من البلدات الجنوبية القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى قتل نحو 500 شخص وجرح 1645 آخرين في الغارات التي استهدفت محافظتَي جنوب لبنان والنبطية (جنوب)، وكذلك محافظتَي البقاع وبعلبك-الهرمل (شرق)، بحسب بيانات وزارة الصحة العامة.

وتخبر فاطمة وكالة فرانس برس: "كنت أعدّ الفطور بينما كانت إيفانا تلهو مع شقيقتها رهف (سبعة أعوام) في الخارج، ووقعت الغارة بالقرب منّا". تضيف أنّ "الصواريخ دخلت إلى منزلنا واندلعت النيران واحترقت ابنتاي (...) لا أعرف كيف سحبتهما ورميتهما من شبّاك" المطبخ.

ونقلت العائلة الفتاتَين الصغيرتَين إلى مستشفى في منطقة الشوف إلى الجنوب من بيروت. وبعد ثلاثة أسابيع، خرجت رهف بعد تعافيها نسبياً من إصابتها، في حين استدعت حالة إيفانا نقلها الى مركز الحروق في مستشفى الجعيتاوي. وتقول الوالدة: "حتى اللحظة، أشعر كأنّني في فيلم. لم أستقرّ في مكان بعد، من مستشفى إلى مستشفى".

الصورة
إيفانا سكيكي طفلة مصابة بحروق في لبنان وسط العدوان الإسرائيلي - 22 أكتوبر 2024 (سامي بودرا/ فرانس برس)
الطفلة إيفانا سكيكي التي أُصيبت بحروق في غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان، 22 أكتوبر 2024 (سامي بودرا/ فرانس برس)

إيفانا أصغر مصابة في مركز حروق لبنان

من جهتها، تراقب إيفانا، بنظرات تائهة، كلّ من يدخل إلى غرفتها في قسم الأطفال، من دون أن تُعير دميةً بالقرب منها أيّ أهمية. ويَظهر جزء من وجه الصغيرة وسط ضمّادات تلفّ رأسها وجبينها، فيما تبدو واضحةً آثار حروق على إحدى وجنتَيها. أمّا ساقاها، فيطغى الاحمرار عليهما.

بفخرٍ، يقول الطبيب المتخصّص في جراحة التجميل والترميم زياد سليمان، على مسامع والدتها فاطمة: "إيفانا بطلة لأنّها هزمت الحرب بنجاتها، ولأنّها تتعافى من إصابتها". ويوضح سليمان، الذي يواكب علاج الطفلة، أنّها وصلت إلى المستشفى مصابة بحروق من الدرجة الثالثة طاولت 35 إلى 40% من جسدها، بالإضافة إلى التهابات.

ومذ وصلت إيفانا إلى مركز الحروق، خضعت لعمليات جراحية أُزيل في خلالها الجلد المتضرّر وزُرع جلد جديد، واليوم تستمرّ عملية تغيير الضمّادات الضرورية في علاج الحروق. ويشير سليمان إلى أنّ إيفانا "أصغر مصابة وصلت إلى المستشفى، لكنّها الأقوى"، لجهة تعافيها، وإن كانت إصابتها سوف تترك ندوباً على جسدها الصغير.

إيفانا سكيكي.. طفلة لبنانية كوتها نيران الاحتلال في الجنوب

ومنذ 23 سبتمبر الماضي، راحت إسرائيل تستهدف، إلى جانب مناطق الجنوب والشرق، ضاحية بيروت الجنوبية ومناطق أخرى من بينها العاصمة بيروت. ومنذ ذلك الحين، قتلت نحو 1800 شخص، وفقاً لتعداد وكالة فرانس برس المستند إلى بيانات رسمية، فيما أصابت آلافاً آخرين بجروح وحروق.

الصورة
محمد إبراهيم طفل مصاب بحروق في لبنان وسط العدوان الإسرائيلي - 30 أكتوبر 2024 (أنور عمرو/ فرانس برس)
الطفل محمد إبراهيم الذي أُصيب بحروق نتيجة قصف إسرائيلي على جنوبي لبنان، 30 أكتوبر 2024 (أنور عمرو/ فرانس برس)

محمد الذي احترق فيما استشهد والده وشقيقه

على بعد أمتار من غرفة إيفانا، يستلقي محمد إبراهيم، البالغ من العمر 11 عاماً، على سريره، وبالقرب منه عمّته، في حين ترقد والدته في مستشفى آخر. وكان الصغير قد اُصيب بحروق في يدَيه من الدرجة الثالثة من جرّاء غارة استهدفت مبنى يضمّ منزل عائلته في بلدة تقع شرقي مدينة صيدا (جنوب)، في 29 سبتمبر الماضي، وقد أسفرت عن مقتل أكثر من سبعين شخصاً وفقاً لبيانات وزارة الصحة العامة.

يُذكر أنّه في هذه الغارة، خسر محمد والده وشقيقه، من دون أن يخبره أحد بذلك بعد، نظراً إلى وضعه الدقيق. ويشير الطبيب زياد سليمان إلى أنّ مصابين وصلوا إلى المستشفى اللبناني الجعيتاوي في الأسابيع القليلة الماضية، مع حروق وإصابات بشظايا في أجسادهم، إلى جانب صدمات تستوجب متابعة نفسية متخصّصة.

وقبل أيام، نقل الطاقم الطبي الصغيرَين إيفانا ومحمد إلى قسم الأطفال في المستشفى، إفساحاً في المجال أمام مصابين آخرين تستدعي حالاتهم الرعاية في قسم العناية الفائقة في مركز الحروق. ويضمّ القسم الأخير تسع غرف ذات واجهات زجاجية تتوسّطها غرفة دائرية يتابع من خلالها الطاقم الطبي حالات شاغلي الغرف. ومن خلال النوافذ، من الممكن مشاهدة مصابين بحروق تغطّيهم ضمّادات من رؤوسهم إلى أقدامهم، فيما تصدر أصوات عن نظم مراقبة المؤشّرات الحيوية لدى هؤلاء.

أجساد "متفحّمة" في مركز حروق لبنان

في واحدة من غرف مركز الحروق، يستلقي أحد المصابين الذي يبدو متقّدماً في السنّ، وإن لا يظهر منه سوى جزءٍ من وجهه المنتفخ، علماً أنّه موصول بجهاز تنفّس صناعي. في غرفة أخرى، يتلقّى مصاب آخر العلاج وتُخفي الضمّادات معالمه كافة باستثناء شعره. ومن غرفة ثالثة أُسدلت ستائرها، يعلو بين الحين والآخر صراخ فتاة من شدّة الألم، في حين يعمل ممرّضون على تغيير ضمّاداتها.

ويشير سليمان إلى أنّ "الإصابات بغالبيتها تعود إلى حروق من الدرجة الثالثة أو حتى من الدرجة الرابعة"، شارحاً أنّ هؤلاء "أشخاص متفحّمون أو أشخاص لديهم أعضاء متفحّمة".

ومنذ 17 سبتمبر الماضي، استقبل مركز الحروق في المستشفى اللبناني الجعيتاوي في بيروت نحو سبعين مصاباً، يُصار إلى انتقائهم وفقاً للأولوية، بحسب ما يوضح سليمان. يضيف أنّ "من بين هؤلاء أطفالاً ومتقدّمين في السنّ، رجالاً ونساء (...) وأحياناً إصابات من العائلة ذاتها".

تجدر الإشارة إلى أنّ 39 شخصاً على الأقلّ قُتلوا فيما أُصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين بجروح، غالبيتها حروق في الأيدي والعيون، من جرّاء تفجير آلاف من أجهزة المناداة (بيجر) وأجهزة الاتصال اللاسلكية في 17 و18 سبتمبر الماضي، وذلك في عملية غير مسبوقة. وقد شكّل مركز الحروق وجهةً لأكثر الحالات صعوبة، بسبب قدرته الاستيعابية المحدودة.

حروق تنهش 60% من أجساد المصابين

ويخشى الأطباء في حال استمرار أمد الحرب من نقص في المواد الطبية الأساسية، في ظلّ إصابات يصفها الطبيب المتخصّص في جراحة التجميل والترميم بأنّها "قاسية" وتدل على مستوى "عنف" غير مسبوق.

من جهته، يشرح المدير الطبي للمستشفى اللبناني الجعيتاوي ناجي أبي راشد لوكالة فرانس برس أنّ "مصابين يصلون إلينا بحروق تصل نسبتها إلى 60% من الجسم، الأمر الذي يعني أنّ وضع هؤلاء صعب ودقيق وحرج جداً". ويتطلّب علاج كلّ واحد من هؤلاء المصابين بحروق فترة تتراوح ما بين أربعة أسابيع وستة. ويضيف أبي راشد: "زدنا قدرتنا الاستيعابية من تسعة أسرّة عناية فائقة إلى 25 سريراً، في الوقت الراهن، لاستقبال عدد أكبر من المصابين"، لكنّ "القسم ممتلئ دائماً. وعند خلوّ سرير، فإنّ ثمّة مريضاً جاهزا ليشغله فوراً".

في قسم الأطفال في المستشفى، تصف فاطمة نجاة ابنتَيها بأنّها "معجزة". وتقول: "لم تكن إيفانا تقوى على تحريك رجلَيها أو فتح عينَيها"، مضيفةً "وكنت أرجو الله أن تبقى حيّة". وتعبّر الوالدة، في الوقت ذاته، عن أسفها لمقتل "أطفال لا ذنب لهم" من جرّاء القصف الإسرائيلي.

(فرانس برس، العربي الجديد)