- المصابون والمرضى اضطروا للبحث عن الرعاية الطبية في مستشفيات أخرى مثل المستشفى المعمداني، واجهوا صعوبات في الوصول والحصول على العلاج، بعضهم نُقل بعربات تجرها حمير.
- المستشفى المعمداني واجه صعوبات في استيعاب العدد الكبير من الحالات، مما أدى إلى تلقي بعض المرضى العلاج على الأرض ومشاركة الأسرّة، وسط مناشدات لتأمين ممر آمن وتجاهل دولي للأزمة.
أُجبِر الكثير من المرضى والجرحى والنازحين في مجمع الشفاء الطبي على النزوح قسراً، رغم عدم قدرة كثيرين على السير وتحمل الألم وحاجتهم الملحة للعلاج، وسط غياب للمسعفين وصمت دولي.
أجبر الاحتلال الإسرائيلي مرضى وجرحى كانوا يتواجدون داخل مجمع الشفاء الطبي غربي مدينة غزة على النزوح، متوجهين إلى أقرب عيادة صحية أو مستشفى في ظلّ اقتحامه المجمع منذ ثلاثة أيام، واستمراره في اعتقال الطواقم الطبية والتحقيق معهم وتعطيل عمل المجمع للمرة الثانية خلال العدوان الإسرائيلي الحالي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأخلى الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي من الجرحى والمرضى وحوّله إلى ثكنة عسكرية، كما حوّل المنطقة المحيطة بمجمع الشفاء والشوارع المؤدية إليه من حي النصر والرمال إلى منطقة عسكرية، وانسحب الأمر على أهم شوارع وسط القطاع في حي الرمال، وهو شارع عمر المختار، وأجبر السكان على البقاء في منازلهم محاصرين لليوم الرابع على التوالي، هم الذين عادوا إلى تلك المناطق بعد إعادة العمل في المجمع الطبي واستقبال النازحين فيه.
لم يتمكن المرضى من مغادرة المجمع لحظة استهدافه وسماعهم أوامر الإخلاء. كان البعض يعتقد أن الاقتحام لن يؤدي إلى خروجهم. أبقاهم الاحتلال أكثر من يوم ونصف اليوم، ثم أمرهم بإخلاء أسرّتهم علماً أن بعضهم كان من دون مرافق يساعده على الخروح، من بينهم عيسى عفانة (23 عاماً) الذي راح يمشي بصعوبة وحيداً إلى أن سانده أحدهم في أحد الشوارع الفرعية الشرقية لمجمع الشفاء. يشير إلى أنه تعرض للإصابة بسبب القصف الإسرائيلي على شارع صلاح الدين في مقدمة حي الشجاعية قبل أسبوعين وقد أصيب في بطنه ويده. خضع لعمليات جراحية صعبة في ظل قلة الإمكانات المتاحة للطواقم الطبية.
يوضح أن المرضى والجرحى المتواجدين في المجمع الطبي كانوا في حاجة إلى علاج ورعاية طبية. استطاع الوصول إلى المستشفى المعمداني في شارع عمر المختار بعدما سار نصف الطريق، ثم ساعده الناس على الوصول إلى المستشفى. ويقول إن العديد من المصابين والمرضى قطعوا مسافات كبيرة سيراً على الأقدام، فيما نقل البعض على عربات تجرها حمير، واتكأ البعض على متطوعين في الطريق.
يقول عفانة لـ "العربي الجديد": "أخرجونا من مجمع الشفاء مع استمرار إطلاق النار. كنا نسمع أصوات الاشتباكات العنيفة في محيط المجمع، وكان هناك قصف مدفعي أثناء خروجنا. اجتزت مئات الأمتار حتى وصلت، وكانت الدماء تسيل مني جراء الضغط على جروحي واضطراري إلى السير رغم الألم. كدت أسقط أثناء السير". يضيف: "اعتقدت في البداية أنه سيتم توفير حماية لنا، إذ من غير المعقول اقتحام المجمع مرتين. لكن العالم كله ظالم ولم يتحرك. أنا واحد من مصابين كثيرين اضطروا مجبرين إلى مغادرة مجمع الشفاء الطبي والسير طويلاً ودماؤنا شاهدة علينا. كان البعض حفاة ولم يتمكنوا من مواصلة السير. أخبرني الطبيب في مستشفى المعمداني عن احتمال حدوث التهابات جراء العملية، لأنني بذلت مجهوداً كبيراً لأتمكن من السير".
لم يتمكّن المستشفى المعمداني من استيعاب حالات الإصابة التي وصلت إليه، وخصوصاً أن بعض الحالات كانت تحتاج إلى تدخل عاجل، ومنهم من تلقى علاجاً على الأرض، فيما تقاسم آخرون السرير نفسه مع مرضى وجرحى آخرين. ويحاول بعض المصابين النزوح إلى جنوب القطاع وسط مناشدة مستمرة لتأمين ممر آمن لهم بعدما فقدوا أي أمل في التواجد في المنطقة المحاصرة.
خرج وسيم حجو (31 عاماً) من المجمع رغم سوء حالته. كان يحمل المحلول الذي وضعه له الممرض قبل استجوابه. ويقول إن الممرض اختفى ليفاجأ بدخول قوات الاحتلال الذين كانوا يسألون المرضى عن أسمائهم وأعمارهم، وسئل البعض عن الأشخاص الذين رأوهم خلال الأيام الأخيرة في مجمع الشفاء. بعض المرضى كانوا قد أصيبوا بأمراض عدة في ظلّ ظروف العدوان الذي دخل الشهر السادس على التوالي. حجو كان بين هؤلاء، وقد أصيب بالتهاب الكبد الوبائي من النوع أ، وكان يعاني من مضاعفات خطيرة كما يشير الأطباء، وتوجب نقله إلى جنوب قطاع غزة للحصول على علاج أفضل وسط انعدام المقومات في مجمع الشفاء الطبي.
خلال الأيام الأخيرة، عانى حجو خلال وجوده في مجمع الشفاء من آلام في المعدة والغثيان وارتفاعاً في درجة حرارة جسمه ومن سوء التغذية، كما يقول شقيقه محمد حجو (26 عاماً) الذي لا يزال يرافقه في المستشفى المعمداني. ويوضح أن وسيم أصيب بالعدوى بسبب اختلاطه بالمرضى، حاله حال عدد من أفراد عائلته وجيرانهم الذين نزحوا إلى جنوب ووسط القطاع. شقيقه كان مرهقاً جراء المرض، إلا أن الاحتلال أجبره على النزوح.
ويقول محمد حجو لـ "العربي الجديد": "رأينا جثثاً ومرضى ومصابين يبكون جراء عدم قدرتهم على النزوح. كانت هناك سيدة خمسينية وحيدة في الغرفة المجاورة التي فيها شقيقي، ولم نعرف عنها شيئاً حتى اللحظة. كانت إصابتها خطيرة في الساقين. أتمنى أن تكون على قيد الحياة إذ كانت تنطق بالشهادة خلال اللحظات الأخيرة. أما شقيقي، فلا يزال يصارع للبقاء على قيد الحياة ولديه أمل كبير". يضيف: "حقق معنا جيش الاحتلال ونحن على مسافة أمتار منه. كان عناصره يعلمون بإصابته بالتهاب الكبد الوبائي، كما حققوا مع كثيرين واعتقلوا بعض مرافقي المرضى أمامي. ذنب هؤلاء أنهم لم ينزحوا للبقاء مع ذويهم داخل المستشفى، ويصارعون للبقاء على قيد الحياة. أبحث وشقيقي عن أية وسيلة للنزوح جنوباً، ولا زلنا متمسكين في الحياة".
من جهته، أجبر محمد الشيخ (34 عاماً) على النزوح، هو الذي يعاني من كسر في ساقه وتورم وألم شديد. تم جبر ساقه اليمنى بمادة الجبس بكل صعوبة وليس كما يجب في ظل نقص الإمكانات. لم يحصل على علاج جيد ومسكنات مناسبة، واكتفى بتناول ما هو متوفر ليتحمل الألم، ثم أجبر على النزوح. يشير إلى أن أحد الموجودين في المكان تطوع لإيجاد ما قد يساعد على نقله، وعثر على كرسي متحرك بمقبض يد واحد للدفع وكان مهترئاً. وحين وصل المستشفى المعمداني، كان يصرخ من الألم. واستطاع التحدث إلى "العربي الجديد" بعدما هدأ. يقول: "لا أعرف ماذا أقول بعد كل ما حدث. أتمنى أن تقطع قدمي ولا أختبر كل هذا الألم". يضيف: "أجبرنا على النزوح، ويقولون إن ذلك من أجل سلامتنا. عن أي سلامة يتحدثون؟ لا أعرف. ما عشناه خلال الأيام الأخيرة كان أشبه بنكبة كبيرة. لا علاج ولا طعام ولا كرامة ولا شيء. كنت أسير في الشارع وجاء الناس لمساعدتي. كنت أصرخ وأتمنى الموت. لدي طفلان وقد نزحت زوجتي وبقي صديقي معي. أتمنى أن يحظى أبنائي بمستقبل جيد ليس أكثر".
وقال نشطاء في غزة إن العديد من العائلات العالقة في منطقة محيط مجمع الشفاء بمدينة غزة أطلقت مناشدات للصليب الأحمر الدولي والدفاع المدني والمؤسسات الدولية لإنقاذها. ووُثقت خلال الاقتحام المستمر لمجمع الشفاء عمليات إعدام ميداني عدة، واعتقالات بطريقة مذلة وحاطة من الكرامة البشرية، طاولت العشرات، بينهم صحافيون. كما فجّر جيش الاحتلال المبنى التخصصي في مجمع الشفاء، وهدد النازحين عبر مكبرات الصوت، طالباً منهم إخلاءه فوراً.
ومساء أمس الأربعاء الموافق لـ 20 مارس/ آذار الجاري، أعلنت وزارة الصحة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أجبر مرضى على مغادرة مجمع الشفاء الطبي، فيما كان يعتقل الطواقم الطبية ويحقق معهم وقد غيب دورهم الإنساني في إغاثة المرضى والجرحى، وحالات بعضهم خطيرة، وما من معلومات باستثناء تقديرات بوجود آلاف المصابين والمرضى وأكثر من 150 مريضا وجريحا على أسرّة يحتاجون إلى علاج ومتابعة دورية لا تقبل التأجيل قبل اقتحام مجمع الشفاء.
وأشارت الوزارة إلى دور المتطوعين في نقل بعض الذين كانوا في حالة حرجة إلى المستشفى المعمداني في البلدة القديمة وسط مدينة غزة في ظل تعطل وصول سيارات الإسعاف لتلك المناطق وشل الحركة بالكامل.
وقالت وزارة الصحة إن المرضى والطواقم الطبية المحتجزين بمجمع الشفاء الطبي واصلوا صيامهم على مدار يومين على التوالي من دون إفطار في ظل عدم توفر الماء والطعام وقطع أي إمدادات حتى من المواطنين أنفسهم لذويهم من الطواقم الطبية نتيجة حصارهم من قبل قوات الاحتلال. وفي اليوم الثالث، اقتحم المجمع الطبي رغم وجود آلاف المرضى والجرحى والنازحين في داخله، وتم تدمير أقسام واقتحام حرمة المجمع الطبي للمرة الثانية وسط صمت دولي.